الشطف والتنعيم والخراطة
الشطف والتنعيم والخراطة
(Turning , grinding , crafts)
إن بعض المواد الداخلة في صناعة المسبحة لا تحتاج إلى عملية الخراطة إذ ينتهي العمل بمجرد أن تصنع مثل حبيبات الخزف أو المواد الترابية أو الكيماوية المصبوبة أو المكبوسة . إلا أن طائفة كثيرة من المواد المصنعة للمسبحة تمر بعملية الخراطة ولذلك عولنا على الدخول في بعض التفصيلات عنها مع الحذر الشديد كي لا نبتعد عن نسق وأهمية الموضوع الذي بين أيدينا .
وقد لوحظ أنه وقبل عملية الخراطة وفي أغلب الأحوال ولمعظم المواد تجري عملية أولية وهي ما نطلق عليها بالشطف أو التدوير والتنعيم ، حيث تجري إزالة الشوائب الناتئة بعد القطع أو المواد السطحية المعلقة أو المناطق الحادة والبارزة وتقريب شكل القطعة إلى أقرب ما يكون من شكل المنتج المطلوب ولو بصورة خشنة . وقد تستخدم المهارات اليدوية أو الميكانيكية القديمة أو الحديثة في ذلك ، ومعظم صانعوا المسبحة يشطفون المواد وينعمونها بواسطة الأحجار المسننة أو الاسطوانات الخشنة أو بالتعامل الكيماوي أو الحراري أو غيره للوصول إلى هدفهم في تنظيم شكل المادة كي تكون صالحة للخراطة وحسب مواصفات كل مادة .
وبسبب الأهمية النسبية لفئة عريضة من مواد المسبحة لصناعة الخراطة وتطورها فقد ارتأينا بسبب ذلك الولوج في شيء من التفصيل حول هذه الصنعة لاعطاء القاريء ولو لمحة بسيطة عنها . على الرغم من أن بعض الآلات القديمة تستحق عناية أكثر في التحليل لما أفرزته آلة المخرطة القديمة من تحف كالمسبحة والأثاث كَفنّ الارابيسك في مصر وبلاد الشام والعراق وتركيا ، كما تجدر الإشارة إلى أن صناع المسبحة في الزمن السابق ، وإلى حد ما في الزمن الحالي ، ينتجون المسبحة من قاعدة كبيرة من المواد بواسطة المخرطة القديمة أو الحديثة وفي هذه الحالة يتلاقى مصنعو الفئات الثلاث للمواد المختلفة والتي تطرقنا إليهم في ما سبق .
- الخراطة (Turning)
صنعة الخراطة صنعة قديمة جدا منذ أن تمكن الإنسان القديم من انتاج مواد ومصنعات مختلفة تمتاز بكرويتها أو شكلها الاسطواني أو المنتظم التحزيز . ولم تتغير صنعة الخراطة حتى مقتبل القرن العشرين عندما دخلت أدوات التصنيع والتطورات الفنية والعلمية حيث غيّر هذا التطور من كفاءة هذه الآلة القديمة . فالمخرطة اليدوية تتألف من الأجزاء التالية التي يستعين بها الخراط على انتاج حبيبات المسبحة أو المواد الأخرى .
الجزء الاول : يتكون من مسندين قائمين متشابهين ومتوازيين ، ويرتبطان في معظم الأحوال بقاعدة أو مثبت على الأرض أو على أجزاء أخرى . وفي معظم الأحوال تكون مادة المسندين من الخشب أو من بعض المواد الأخرى المناسبة . وبشكل عام يتقابل المسندان وجها لوجه على مسافة معقولة من بعضهما قد تزيد أو تقل عن القدم الواحد (في حالة صناعة المسبحة) وقد تبعد أو تقرب المسافة بينهما أحيانا حسب حاجة الخرّاط . كما وتعمل فتحتين في أعلى المساند يتحدد مقدارها بقدر قطر المحاور . وتتصف الفتحات بلزوجة محورية أو مصنعة بشكل يتيح للمحاور الأفقية الدوران السهل ولكن غير المهتز ، وقد تثبت أحيانا على المساند معدات أخرى .
الجزء الثاني : هو محوري المخرطة المشار إليهما آنفا ، وقد يكونان من الخشب أو من مواد أخرى ويكون شكلهما مشابه للأعمدة الأفقية أو الاسطوانات ذات أقطار متناسبة مع الفتحات المسندية وقد يكون الدوران الأفقي لأحد المحاور ثابتا ، ويتحرك المحور الآخر سائبا بالشكل الأفقي وإلى حد ما ، وهذا المحور الأخير يحدد طول الحبات المنتجة ، ويمتاز أحد طرفي كل محور بشكله المخروطي أو الدقيق أو المركب عليه وسائل أخرى بشكل يسمح فيه ان يتم إدخال هذين الطرفين في ثقوب أو تحزيزات الحبيبات التي يريد الخرّاط صناعتها .
الجزء الثالث : من المخرطة البدائية يتكون من قوس خشبي وقد يكون من قصب خاص أو من مواد أخرى متصل بنهاية كل طرف منه بخيط من القماش أو الجلد أو القطن أو أمعاء الحيوانات وما شابه ذلك ، ويلف وسط الخيط على أحد المحاور وخصوصا ذاك الثابت المتحرك أفقيا . وباستخدام اليد يحرك القوس بدفعه إلى الامام وإلى الخلف لتنظيم دوران احد المحاور الأفقية والذي بدوره يحرك القطعة من المادة المنوي خراطتها وبنفس السرعة .
وقد يستعاض عن استخدام القوس المذكور آنفا بتركيب عجلة محورية على أحد طرفي المحاور الخارجة من أحد المساند ، وتربط العجلة أما بحزام جلدي أو عجلة مسننة أخرى ، يرتبطان بدورهما بعملية محورية أخرى تتيح دوران العجلات ومن ثم المحاور وذلك باستخدام أحد أقدام الخراط كما هي الحال في آلة صنع الخزف المعروفة .
الجزء الرابع : ويشمل الآلات الأخرى اللازمة لعملية الخراطة ، وتتكون من أزاميل مختلفة الأشكال والأنواع قد تكون من الحديد او النحاس أو من رؤوس بعض الأحجار المسننة أحيانا .
وعملية الخراطة تعتمد أساسا على مهارة الخراط وكفاءة المخرطة نفسها ، إذ توضع القطعة المراد خرطها وتدويرها بين رؤوس المحاور الأفقية الداخلية ومن ثم يتم تدوير المحاور باليد عن طريق استخدام القوس المشار إليه سابقا أو بالرجل باستخدام العجلات المرتبطة بالمحور ، وبعد إجراء عملية دوران المحاور تتحرك القطعة بنفس السرعة وباستخدام رؤوس الأزاميل يتم خرط القطعة بالشكل الذي يرتأيه الخراط لجعل شكل الحبات مناسبا للمسبحة أو غيرها أحيانا ، ويراعى كذلك لبعض المواد عند خرطها عدم إرتفاع حرارة القطع المصنعة عن طريق سكب قطرات الماء أو مواد أخرى لتخفيف الحرارة الناجمة . ومن الطريف أن جلوس الخراط خلف مخرطته البدائية وتحريكه للقوس أو العجلة وإجراء عملية الخراطة بهذه الطريقة لا تزال صورتها ماثلة للعيان وقد تجري فعلا خلال هذه الأيام وخصوصا في مصر والعراق وبعض الدول الآسيوية الأخرى .
حاليا أجريت تحسينات هائلة ومتقدمة على المخرطة البدائية بإضافة أجزاء حديثة إليها كالمحركات الكهربائية السريعة الدوران جدا والهادئة الاهتزاز بعد إضافة عجلات وأحزمة ناقلة للسرعة وتجدها هذه الأيام في بعض الدول كتركيا ومصر والعراق وإيران والباكستان والهند وغيرها .
وتقوم المكائن الحديثة بخراطة وتصنيع حبيبات المسبحة على مختلف أنواعها وبالأشكال المطلوبة والمرغوبة وإن كان معظمها يتألف من حبيبات مسابح البلاستك أو المواد المركبة كيماويا أو المقلدة للأحجار شبه الكريمة فضلا عن المواد من الأحجار شبه الكريمة مثل العقيق وعين النمر ومختلف أنواع البلوريات الصخرية كما ستوضح أنواعها ما أمكن في الفصول القادمة .
ولا بد أن نوضح كما رأينا في تايوان أن هذه الصناعة من الاحجار شبه الكريمة لها سوق رائج وتصدر حاليا إلى كافة الدول العربية والإسلامية وحتى إلى الدول الأوربية ، وبعض المكائن للخراطة لهذه المواد والحديثة جدا تستخدم الحاسوب في الوصول إلى أرقى درجات الكفاءة في الانتاج .
وعلى الرغم من دقة الصنعة في المكائن الحديثة وتزايد سرعة الانتاج للأغراض التجارية وتزايد الطلب ، إلا أن صناعة المسبحة ومن كافة المواد بالطريقة القديمة للخراطة مع مهارة الخراطين لا تزال تمثل لنا حرفة جميلة انتجت روائع القطع القديمة وهي تمثل في الواقع ارثا رائعا نامل أن لا يندثر كبقية الفنون الحرفية الاخرى فعلى سبيل المثال ، لا يمكن مقارنة المسبحة المنتجة باليد مع تلك المنتجة بالآلات الحديثة . بالرغم من كمال الانتاج المتقن إذ أن الصانع القديم للسبحة أضاف من روحه وخياله وفنه عند انتاجه للمسبحة محاولا الوصول إلى الانتاج المتقن وبذلك ترى تنوع الانتاج والخراطة حتى بالنسبة إلى النوع الواحد من المادة كمسابح الكهرب واليسر والمتحجرات القديمة وغيرها . وبعض الانواع المنتجة القديمة لا يمكن أن تجد لها توأما بنفس النوعية وطريقة الخراطة أو التصنيع ، فهي بهذه الحالة تعتبر تحفا غير مكررة في بعض الحالات ، بينما يتشابه انتاج اليوم من المسابح ذات اللون الواحد أو الشكل الواحد إلى حد كبير مما أفقدها بعض الشيء من جمالية التراث المعهود والصنعة اليدوية . كذلك لم يعد في أحيان كثيرة ، الطلب عليها فرديا ، بل أصبح الطلب والانتاج جماعيا ولكافة الطبقات والامكانات . كذلك بودنا القول ان صناعتها من المواد النفيسة جدا مثل الياقوت والامشست وغيره ، يتم حاليا أيضا بمكائن متطورة مما ساعد على التخفيف النسبي لأسعارها وإن كانت لا تعتبر حرفة تراثية من حيث الضفة .