مسابح من المواد ذات الأصل النباتي أو متحجراتها
وتشمل المواد في هذه المجموعة قائمة طويلة من المواد ذات الأصل النباتي بدءا من الأخشاب المتنوعة وبذور النباتات والثمار وحتى المتحجرات القديمة والمطمورة في باطن الأرض من هذه الأصول . وبسبب تباين الأنواع المختلفة لهذه المواد وتعددها فسوف نركز على بعض الأنواع الشائعة منها والتي استخدمت في هذه الصناعة .
فالمسابح الخشبية (أي التي صنعت حباتها وأجزاؤها من مادة الخشب) قديمة في الاستخدام ومنذ العصور القديمة لسهولة الحصول على مادتها الأولية وطواعية تصنيعها وزهد أسعارها . كما وانتشرت صناعتها في كل الدول والأمصار والمناطق بدون تحديد ، كذلك صنعت حسب أغراض شتى ولمختلف أنواع طبقات المستخدمين أو المسبحين على الرغم منبعض وجود تفضيل خاص لطبقة الدراويش أو أصحاب الطرق الصوفية وأتباعهم أو بعض فئات رجال الدين على مختلف أنواع ديانتهم السماوية أو الدنيوية أو غيرهم من الفئات .
واليوم كما في الزمن الغائر القدم ، تصنع مسابح الخشب بمختلف الأشكال والقياسات وهي سبح رخيصة الثمن وقد تصبغ الحبات بالمواد اللازمة كي تكتسب المظهر البراق الملائم أو تترك باللون الطبيعي ، وتحبذ في العادة الأخشاب الصلبة المتماسكة ، والنوع الجيد منها ما صقل أديم حباتها بصورة جيدة . على ان ليس ليس كل مسابح الخشب رخيصة الثمن فبعضها صنع من نوع نادر من الأخشاب تمتاز بجمالها أو مواصفاتها ومتانتها أو عطريتها النفاذة فهنالك (مسابح الصندل) (Sandalwood) والتي صنعت من مادة خشب الصندل العطرية . وحباتها غالبا ما صنعت بشكل بيضوي جميل وبقياسات مختلفة لعل أفضلها ما كان قطر حباتها يزيد عن (8 ملم) ولونها يميل إلى البني اللامع البراق بعد الاستعمال ، وحيث تنبعث منها العطور الصندلية وتثير في الجو عبقا شرقيا رائعا ويحفظها البعض بين طيات الملابس ، وفي الجيوب مما يوفر نفس الخاصية العطرية ويكسبها تلك الرائحة الجميلة ، وتعتبر مسابح الصندل من السبح النادرة والغالية نسبيا ويصنع معظمها في الهند أو حسب توصيات خاصة في بعض المناطق الأخرى علما بأن تصنيع وخراطة هذه المسبحة تتم حسب الطريقة الأولية في الخراطة والصقل .
وهناك مسابح أخرى ذات الطابع العطري والأصل النباتي منها ما يسمى بـ (مسابح البخور) ، وطريقة صنعها تقوم على عجن مستخلصات العطور النباتية وخلطها (قد يكون عن طريق طحن بعض أنواع البخور النباتية والمواد العطرية الخشبية أولا) ثم صبها في قوالب خاصة ذات أشكال لوزية أو بيضوية أو مستديرة بقياسات معظمها يكون قطر الحبة فيها بمعدل (6 ملم) وطول قد يتراوح عند (8) إلى (12) ملم ، مع نحت خطوط طولية على أديم الحبات متلاقية عند ثقبها ، وصقل الحبة وصناعة فواصل ومنارة مخروطية الشكل متناسبة مع الحبات ، وتصنع معظم هذه الأنواع في الهند بصفة خاصة ، وإن كانت تصنع في أماكن أخرى وأفضل أسواقها هي الهند أو بعض المراكز الدينية مثل بيت الله الحرام في مكة المكرمة ويمكن أن تتواجد في أماكن أخرى .
الانواع الاخرى من المسابح الخشبية الثمينة على سبيل المثال هي مسابح (الأبنوس الأسود) وتقوم صناعتها في مصر والسودان والهند ومنها ما ينتج بحالة الخشب الطبيعي سواء على الشكل الكروي أو البيضوي وإن كان معظمها على الشكل الأخير ، وهنالك (مسابح الأبنوس المطعمة) ولكلي النوعين لاحظنا أن القياسات لحبة المسبحة تراوحت بمعدل (8 ملم) لقطر الحبة الواحدة واكثر من (12 ملم) لطولها .
وتستخدم الأنواع الشديدة السواد والمتينة في هذا الخشب لغرض تطعيمها وتستخدم نفس طريقة وأشكال وزخرفة تطعيم العاج التي مر ذكرها بالنسبة لتطعيم مسبحة الأبنوس الأسود . وذلك بحفر الحبات حسب الأشكال الزخرفية وتطعيمها وتكفيتها بأسلاك من النحاس او الفضة (وأحيانا قليلة بالذهب) مع وضع أحجار الفيروز أو الأحجار ذات الألوان المختلفة فيها احيانا ، والنوع الجيد منها ما تعاد عملية صقل أديم وسطوح الحبات مرة ثانية للحصول على السلاسة المطلوبة عند استخدام المسبحة .
عموما تصنع حبات واجزاء مسبحة الأبنوس عن طريق تقطيع الأخشاب ومن ثم يضعها الحرفي على المخرطة ثم يصقلها وقد تفيد بعض المواد التي تصقل بها الحبات في إضفاء البريق واللمعان المطلوب ، إن إنتاج المسابح من خشب الأبنوس وخصوصا المطعمة منها أمر جديد ومستحدث لدى الكثير من الناس لذا فالطلب عليها لا يزال محدودا .
وهناك مسابح خشب أشجار الزيتون واشتهرت في بلاد الشام وفي فلسطين والقدس خاصة . ومسابح خشب الأرز في لبنان وما إلى ذلك . كما انتجت أيضا من أصول نباتية مثل (مسابح البذور) وتشمل بذور النباتات والثمار . وبعض الانواع ما صنع من بذرة ما صنع من بذرة شجرة البطم وسمي (مسبحة البطم) حيث تؤخذ هذه الحبات بشكلها الطبيعي المتقارب لحبة الحمص ، وحيث يكون لبها الداخلي مجوفا ومنظفا ومن ثم تثقب ، ويكون لونها مائل إلى اللون البني الغامق وأكثر القياس فيها ما كان من فئة (99 حبة + الملحقات والأجزاء الأخرى) ، والمسبحة هذه رخيصة الثمن وتتوفر في شمال العراق ومدينة الموصل العراقية بالذات وبعض المناطق الأخرى .
كذلك فإن هنالك ما صنّع من نواة ثمرة الزيتون المنتشر بكثرة في بلاد الشام ولبنان وفلسطين حيث تعامل النواة معاملة خاصة وتثقب وتصقل بصورة جيدة ومن ثم تنظم في الخيوط بعد صناعة المنارة من نواتين أو أكثر مع صنع فواصل صغيرة حيث تستخدم للأغراض الدينية والتسبيح .
أما صناعة المسبحة من المتحجرات النباتية المطمورة في باطن الأرض منذ زمن سحيق فقد اشتهرت بها تركيا بصورة خاصة وبعض الدول الأخرى بصورة عامة .
ومن ذلك المتحجرات الخشبية والتي تستخرج من منطقة أرض روم في وسط تركيا ما يعرف (بمادة أرز روم السوداء) وأرز روم هي عامية بالتركية ومن جملة ما أنتج من هذه المادة السوداء البراقة هي المسابح سواء ما أنتج في نفس مناطق الاستخراج أو ما صنع في مدينة استانبول نفسها وبذلك يمكن تسميتها بمسابح أرز روم . وهي ذات حبات سوداء اللون بشكل صاف براقة لدنة الملمس ، حيث صنعت لفئات (33) أو (99) حبة وتراوحت أشكال الحبات ما بين المستدير والبيضوي والكروي ولعل أجملها ما كانت خراطته على شكل خراطة مدينة استانبول . إن الوزن النوعي وصلادة هذه المادة يصلح لهذه الصنعة ، وفي اعتقادنا فإن هذه النوعية أصبحت في حكم الأنواع النادرة أو المنقرضة ولم يعد يصنع منها حسب علمنا كما وأصبحت نادرة الوجود في غير تركيا على الرغم من وجودها لدى بعض الأفراد والمحلات .
وهنالك نوع آخر من المتحجرات الصمغية النباتية الأصل وهي مادة الشّوق (يطلق هذا الاسم بالعامية في العراق) وهي تشابه المادة السابقة الذكر مع وجود أطياف غير سوداء فيها ، وقد صنع الحرفيون في تركيا المسابح منها وأصبحت في حكم النادرة أيضا خلال هذه الأيام وتسمى عادة (بمسبحة الشّوق) .
إن جمال المادتين السابقتين وملائمة ودقة صنعها للمسابح جعل الخلط بينها وبين مسابح الكهرب الأسود النادرة أيضا أمرا محتملا لدى الكثير . وبشكل عام فإن مسابح الأرز روم أو الشّوق غالية الثمن أيضا وتقوم في تركيا ومصر والعراق صناعة تقلد فيها الأنواع الأصيلة من هذه المادة وكما تنتج مسابح سوداء اللون براقة من مادة مركبات البلاستيك أو من مركبات أخرى أملا في أن تحظى بنفس الرغبة في الشراء ، إلا أن الفرق واضح وبمجرد تقريب لهب النار فغنه يمكن أن تشم رائحة البلاستيك المحترق أو الروائح الكريهة الأخرى .
ومن مسابح المتحجرات الخشبية الأخرى تلك المنتجة من مادة سميت بالنارجين أو النارجيل (بالعامية) وأطلق عليها مسبحة النارجين . ومادتها كما ذكر لنا عدد من المختصين هي متحجر خشبي طمّر في التراب منذ آلاف السنين ويتواجد في تركيا ولبنان وربما في بلاد أخرى ، وهي مادة ذات وزن نوعي مناسب للمسبحة وألوانها تتدرج من تداخلات الألوان البنية مع عروق غامضة اللون أحيانا ولها طابع الخشب القديم . أما قياس حبات هذه المسبحة فهو مختلف وكذلك عددها ، ولقد شاهدنا أجملها صنعة ولونا وهو الذي انتجه حرفيو استانبول منذ قرون . وبسبب ندرة مصادر هذا المتحجر فقد أصبحت المسابح المنتجة منه نادرة بشكل كبير وارتفعت أسعار القديم منها وتباع حاليا بمبالغ كبيرة تقارب الكهرب وتفوقها أحيانا .
وفي لبنان صنع من خام النارجين مسابح ذات أشكال وقياسات مختلفة منذ عقود قريبة ولقد أجاد اللبناني الصانع خراطتها وصقل أسطح حباتها وثقبها ثم أدخل غليها أنابيب نحاسية رقيقة وخاصة في ثقوب منارتها وذلك لإضافة نوع من الصلادة إلى حبات المسبحة ومنارتها ولغرض منع حالات التهشم أو التكسر أو التثلم الذي يصيب الحبات أثناء الاستخدام . وبودنا القول أن بعض الناس من يزعم أن هذا المتحجر هو متحجر لقشرة ثمرة جوز الهند ولم نجد دليلا واضحا وعلميا على صحة ما ذهب إليه هؤلاء المختصون ما عدا ان تفاصيل ألوان هذه المادة تتشابه إلى حد بعيد مع تفاصيل تلك الثمرة . عموما فإن عددا من المسابح قد انتج فعلا من قشرة ثمرة جوز الهند وإن كان العدد المنتج منها قليلا ، وتميزت حبات المسبحة بضآلة حجمها النسبي .
ومن صنف المتحجرات القديمة التي استخدمت قبل نصف قرن أو يزيد هي متحجرات أصماغ شجرة السندروس (Sandarac) الصنوبرية المطمورة وصنعت منها في القديم مسابح متنوعة بعد إضافة الألوان المختلفة إلى خام هذا المتحجر لسهولة تقبله للألوان كما أن قياس وأشكال الحبات جاءت على كافة الأشكال والأحجام نظرا لطواعية ومرونة هذا الخام . عموما فقد أطلق عليها اسما محرفا وهو (مسبحة السندلوس) . كما كان يطلق عليها أحيانا مسبحة الفاتوران حيث قد يكون محتوى حبات المسبحة شفافا . وخلال السنوات والعقود الأخيرة من الزمن أصبحت هذه المسميات من سندروس وفاتوران تشمل قاعدة عريضة من المسابح المنتجة من مواد متعددة ومن ضمنها المواد البلاستيكية أو الكيميائية سواء ما صنع حسب الطرق القديمة في المزج والتركيب لمواد متعددة او صنع بالطرق العلمية الحديثة ومن مواد متعددة وقد تكون مركبات ومشتقات النفط من جملة تلك المواد .
لقد قلدت ألوان السندروس الطبيعية القديمة والتي كان لها ألوان محددة مثل الأصفر والبني والأبيض والداكن حتى شمل حاليا كل الألوان المعروفة والمستخرجة ، وقد قامت صناعات حرفية كبيرة في خان الخليلي بمصر وفي بغداد والنجف وكربلاء والكاظمية في العراق وفي تركيا وإيران ولبنان وغيرها ن حيث تقوم بصناعة الانواع المقلدة من مختلف المواد الكيميائية والبلاستيكية وبشكل عام انتشرت هذه الصناعة إلى القارة الهندية ودول الشرق الأقصى وبعض الدول الأجنبية الأخرى . ويجدر أن نذكر ان أسعار المسابح المقلدة هي أسعار رخيصة وزهيدة وفي متناول معظم الناس تقريبا سواء تلك المصنعة يدويا أو المصنعة بالمكائن الحديثة أو بالكبس الآلي .