مسابح الكهرب
هناك بعض الحقائق التكميلية التي وجدنا من المناسب هنا اضافتها لاتمام صنعة مسبحة الكهرب وتقريبها إلى أذهان المهتمين . وأولى هذه الحقائق أن مسبحة الكهرب مثل بصمة الأصبع من النادر أن تتواجد مسبحتين متماثلتين بشكل كامل تماما في اللون أو توزيعه الطبيعي أو في الصنعة وناتج العمل طالما أن الأحجار طبيعية وعلى الأخص عندما يكون العمل يدويا فضلا عن اختلاف أزمان التصنيع . إذ من الصعب جدا انتقاء الأحجار الطبيعية ذات اللون الواحد أو التشابك اللوني الواحد وكميات الاحجار المناسبة لصنع عدد كبير من المسابح . وهذا العامل جعل لمسبحة الكهرب الأصيل خاصية انفرادية قلما تحصل لمتجات أخرى خصوصا وان أمكنة وأشكال الشوائب واضحة للعين بينما قد لا يحصل ذلك تماما لبقية الأحجار شبه الكريمة الأخرى ، وأكثر مسابح الكهرب صنعت يدويا في الماضي لذا فالقديمة منها لا تتشابه صنعتها مع بعض لاختلاف الصنّاع واختلاف أمكنة التصتيع وتواريخها ، وهناك اختلاف واضح في نمط التصنيع بسبب ذلك أيضا . حاليا تنتج بعض مسابح الكهرب آليا وبصورة فنية متقنة إلا أن الفروقات ما بين مسبحة وأخرى لا تزال موجودة فيها بسبب اختلاف النكوينات الطبيعية للحجر وإن كانت لا تظهر بصورة جلية لأول وهلة .
ومسبحة الكهرب قد تكون أحيانا متوارثة ومنذ قرون ومن الأجداد إلى الأحفاد وتعتبر أحيانا جزء من تراث عزيز يصعب التفريط فيه لارتباطه الوثيق بالشخصيات التي أورثتها ما لم يدفع عامل الحاجة المادية أو الجهل بقيمة التراث ، لبيع المسبحة القديمة ، من قبل بعض الأبناء وقد يؤدي ذلك في بعض الأحايين إلى بيعها بثمن بخس .
ومسبحة الكهرب القديمة ذات الصنعة الجيدة لا يمكن التفريط بها على النحو الذي ذكرناه ، خصوصا وان كثيرا من الناس وخارج المنطقة العربية أو الإسلامية يرغبون في حبات المسبحة القديمة لغرض تحويلها إلى عقود أو مستلزمات أخرى أو إعادة صنعها ، مما يفقدنا تراث عزيز كلف الآباء مبالغ طائلة وجهد كبير في اقتنائه والمحافظة عليه . لذا فنحن نحث أخواننا على الحفاظ عليه ، أو عرضه في المتاحف (كما يحصل في بعض الدول المتقدمة) سواء المتاحف الشخصية أو العامة إن أمكن ذلك ، حيث أشرنا سابقا إلى أن التغيرات اللونية لا تحصل إلا بعد قرون ، وان بعض طرق صنعة الكهرب القديم قد انتهت لذا فلكل مسبحة قديمة طابع فريد ومميز ، ومن الخسارة حقا اتلاف ذلك أو خسارته وضياعه خصوصا إذا ما كانت مملوكة لشخصية تاريخية .
والطلب على مسابح الكهرب سواء القديم منه أو الحديث التصنيع ، مختلف حسب أمكنة هذا الطلب ، فعلى الرغم من كون الكهرب الشفاف ذو النوعية الرائقة هو اندر واكثر تكلفة من بقية انواع الكهرب إلا أن الطلب عليه في صنعة المسبحة غير شديد ويكاد يتركز في لبنان ومصر بينما يزداد الطلب على الكهرب غير الشفاف والمعتم والأصفر اللون خصوصا في دول الخليج والعراق وتركيا وغيرها . ومن بين أنواع الكهرب الأخير يزداد الطلب على نوع أطلق عليه اسم (الكهرب الألماني الحجري) أي أن يكون شكل الكهرب حجريا ومن النوع الذي تطرقنا إليه سابقا ، ثم يتوزع بقية الطلب على الأنواع الأخرى من أنواع الكهرب .
أما مسابح الكهرب ذات الألوان الطبيعية نصف الشفافة ، فلها من يرغبها ويهواها في بعض الدول مثل العراق وإيران وغيرها وذلك لجمال تمازج الاجزاء الشفافة والمعتمة الصفراء والذهبية اللون والبنية مما يوفر جمال خاص لرؤية التشكيلات الطبيعية لحجر الكهرب بصورة أكثر وضوحا .
وبعض الناس من يهوى جمع المسابح النادرة من الكهرب ، كالكهرب الأسود اللون ، والكهرب الذي تميل ألوانه إلى الأزرق الغامق أو الموشح بشوائب زرقاء أو سوداء وما إلى ذلك ، كذلك نجد من يهوى حبات المسابح ذات اللون الحليبي أو اللون الشفاف الذي يشبه الزجاج في نقائه . وهذه الأنواع النادرة وغيرها ، يرتفع سعرها إلى حد كبير وعلى الاخص ما كان قديما وبعضها لا يمكن طبعا تقديره بثمن نظرا لندرته الشديدة وارتباطها بشخصيات أصحابها المعروفة بشكل عام .
ولقد لاحظنا ، وعند الاتصال بطائفة من الناس من الشعوب التي تقع مراكز استخراج أو العثور على الكهرب فيها مثل ألمانيا وبولندا وروسيا ، انهم يتحسرون على الأنواع النادرة من حجر الكهرب حيث لم يعد في إمكانهم الحصول عليها أو رؤيتها فيما عدا وجودها في متاحف حجر الكهرب أو احتفاظ القلة القليلة من الناس هناك بقطع صغيرة او بعض القطع المصنعة في أدوات قديمة ، فمعظم القطع القديمة أو النادرة وثقت في المصادر وبعضها مملوكا لأفراد معروفين .
وبسبب حبنا الشديد لمسبحة الكهرب وتقديرنا لمن يهواها ويرغب في اقتنائها وخصوصا من تلك الانواع غير النادرة الصفات فإننا نقدم نصحنا لهاوي المسبحة من هذه الأنواع أن يلاحظ ما يلي :
ü التأكد من أحجار حبات المسبحة المعنية بالشراء هي من أنواع حجر الكهرب الأصيل وليست من الأنماط المقلدة والمدلسة ، وقد سبق لنا أن تطرقنا لهذا الموضوع .
ü ان يكون لون حبات المسبحة بما في ذلك منارتها وفواصلها ، متقاربة جدا وان التشكيلات العامة لتمازج الألوان الطبيعية تتقارب أيضا . إن هذه الخاصية اللونية عادة ما ترفع من قيمة المسبحة .
ü أن يسود التماثل في صنع الحبات من حيث الحجم والشكل إلى حد كبير كما أن حجم وشكل المنارة والفواصل متسق مع حجم وشكل حبات المسبحة وغير متنافر معها .
ü أن تكون ثقوب الحبات والمنارة والفواصل متوازية وتمر في منتصف أقطار تلك الحبات والملحقات تماما فضلا عن أهمية تساوي التثقيب في كل الأجزاء فلا يكون ضيقا في بعضها وواسعا في البعض الآخر وان لا يكون خط التثقيب مائلا أو منحرفا وأن يكون مناسبا لمرور الخيط بكل راحة ويسر . إن تشوهات عملية التثقيب وخصوصا في المسابح المنتجة من الكهرب الحديثة أو القديمة على حد سواء تهبط من قيمة المسبحة عموما فيما عدا المسابح ذات الطابع التاريخي المرتبط بالشخصيات المعروفة .
ü أن يكون صقل الحبات متقنا ويلاحظ عدم وجود الفوهات الصغيرة أو التشققات وبروز الشوائب أو التثلم على أديم أسطح الحبات والأجزاء الأخرى كالمنارة والفواصل .
ü وفيما يخص المسابح من مادة الكهرب والمنتجة حديثا يتوجب ملاحظة عدم وجود حالة تلصق الحبات المكسورة أو الفواصل والمنارات المكسورة والتي تلصق عادة بالصمغ الشديد الالتصاق .
ü يتوجب عادة ملاحظة سمك وقوة الفواصل لأنها غالبا ما تتعرض إلى الكسر عند ارتطام الحبات .
وبهذه الشروط يمكن للإنسان أن يشعر أنه قد حصل على مسبحة الكهرب الأقرب إلى الكمال ، وبصفة خاصة فإنه أمكن لبعض الصناع إنجاز مثل هذا العمل وصنع مسابح كهرب طبيعي في غاية الجمال والدقة وقد يعتبرها البعض نادرة أو يخلط بينها وبين الكهرب المقلد لما فيها من تماثل في أجزاء المسبحة واللون والصنعة . وفي هذه الحالة فإن الصانع قد بذل جهده الكبير في جمع الأحجار المتماثلة لونا وشكلا وقد ينجم عن عمله خسارة كبيرة من مخلفات المادة .
وعالم مسابح الكهرب عالم غريب وعجيب ، فلقد أُلقيت على كاهل مسبحة الكهرب جميع ما لصق بالحجر الأصيل من خرافات وعقائد وأساطير ومنذ زمن قديم . فبعض الناس من يعتقد أن ملامسة حبات مسبحة الكهرب الأصيل لجلد الإنسان سواء بالتسبيح بها يدويا أو بتعليقها على العنق العاري ، يشفي من أمراض معينة حسب طول مدة الاستخدام ، وكان قسما من الناس في العراق على سبيل المثال ، يعتقدون أنها تشفي من مرض الصفراء الكبدي (بالعامية يسمى مرض أبو صفار أو اليرقان) ولقد اعتاد الناس قبيل منتصف هذا القرن على رؤية عدد من الأطفال كان الناس يعتقدون أن المسبحة (أو حجرها في واقع الأمر) امتصت اللون الأصفر من أجسادهم وانتقل إلى المسبحة (لتماثل اللون) . وعند بعض الشعوب الأخرى كانوا يضعونه كمرهم للجروح أو لامتيازه بقطع النزيف أو زرع الهدوء في نفس الإنسان وإبعاد الأمراض العصبية أو القلق النفسي عند استخدام مسبحة الكهرب وهنالك وصفات شعبية أخرى .
وهواية جمع مسابح الكهرب ، هواية مكلفة منذ قرون ولا تتاح إلا للطبقات الثرية في المجتمعات ، حيث اعتبرت من قطع الجواهر التي لا يقدر عليها إلا المقتدرون ماديا ولذا أطلق عليها البعض (هواية الملوك) . وقد تسمى مثل هذه المسبحة بالمسبحة الملوكية باللغة العامية . ويتداخل نوع الكهرب المستخدم في صناعة المسابح وكذلك طريقة التصنيع مع بعض المواصفات الأخرى في إطلاق أسماء معينة . فمسبحة الكهرب ذات النوع الشفاف الأصفر الخام والمشوب باللون الذهبي ، أو المتشققة محتوياتها ، وذات الشوائب الداخلية تسمى في العراق (سبحة الكهرب العطش) بينما يطلق أهل الخليج العربي ومصر هذا الاسم على مسابح الكهرب (أو المواد المقلدة لها) التي عوملت معاملة خاصة سواء بشي الحبات (قليها في سوائل حارة وإحداث تغير فيها ومن ثم لونت ببعض الألوان . وبردت ثم صقلت) بهذا الاسم أيضا .
كذلك كان يؤثر مكان التصنيع على اسم المسبحة ، فقد قيل (مسبحة الكهرب الاستنبولية) أو (مسبحة الكهرب جرخ اسطمبول) بالعامية العراقية ، دلالة على مكان صنع مسبحة الكهرب ، والواقع فإن طريقة صنع وتشكيل الحبات يختلف عن غيرها في هذه الحالة (كما تطرقنا إلى ذلك في مكان سابق ) . وبودنا الإشارة في هذا المكان إلى أن مسابح الكهرب والتي أنتجها وخرطها صناع استانبول - تركيا- في السابق تعتبر اليوم تحفا فنية وأثرية لا يمكن تعويضها من حيث طرافة عملية خراطة الحبات للمسبحة وقدم أحجار الكهرب ونوعيتها والانقراض النسبي لها وابتعاد الصناع في تركيا عن صناعتها اليوم ، ومنها ما يعود (تاريخ صنعها) إلى ما يزيد عن أربعمائة عام ومعظم حباتها من النوع الكبير الحجم نسبيا وبعضها لايزال موجودا في تركيا والعراق ولبنان ومصر وبعدد محدود وعند بعض الأفراد مع وجود الأحجام الصغيرة الحبات أيضا . كذلك فلقد سميت بعض المسابح حسب أماكن صنعها مثل (مسابح الكهرب الألمانية) وهي قديمة أيضا ولم تعد تصنع بشكل كبير حاليا نظرا لارتفاع قيمة الكهرب المصنع في ألمانيا هذه الأيام ودخول مسابح الكهرب المصنعة في روسيا وبولندا وأماكن أخرى . عليه فقد اختلفت المسميات حسب المكان وهنا لا بد أن نشير إلى أن صناع المسابح في مصر والعراق ولبنان قد انتجوا مسابحا من الكهرب في غاية الجودة .
ومسبحة الكهرب اليوم تصنع بأشكال عديدة وحسب الطلب ومعظمها ينتج في الدول التي تستخرج منها هذه المادة الكريمة وإن كان هناك انتاج وبشكل قليل في مصر والعراق وإيران وبعض الأقطار الأخرى عن طريق تحويل الأشكال القديمة من الكهرب إلى مسابح جديدة ، حسب الرغبة أو السوق أو الطلب الشخصي .
كذلك يفضل بعض أهل العراق ومصر مسابح الكهرب ذات الأحجام والحبات الكبيرة بينما يفضل معظم الناس الحبات الصغيرة وعلى مختلف أشكالها للملائمة في الشكل والكلفة .
وتقع قياسات معظم مسابح الكهرب الحديثة بحيث لا يزيد قطر الحبات (كمعدل) عن (5) ملم وأشكالها عموما تقع بين الكروي التام وغير التام أو البيضوي أو على شكل حبات الصنوبر كما فصلنا ذلك في مكان سابق ، إن ذلك يلائم جيوب المشترين من حيث الكلفة أو السعة . وقد لا يقترب جملة من الناس لشراء المسابح القديمة من الكهرب نظرا لارتفاع سعرها أو كبر حجم حباتها في بعض الأحيان .
أخيرا بودنا الإشارة إلى ظاهرة تتعلق بالمسابح القديمة من الكهرب بصفة عامة . إذ لوحظ أن بعض الحبات تتعرض عبر الزمن إلى حدوث نوع من التآكل على شكل فوهات صغيرة وناعمة أو إلى تخرشات يمكن في بعض الأحيان رؤيتها بالعين المجردة ، ويعزى ذلك إلى حدوث التأكسد الشديد والسطحي لبعض المواد الداخلة في صلب حجر مادة الكهرب مع تأثرها بالاستخدام اليدوي أو تعرضها لمواد كيماوية أحيانا مما يخلق هذا التآكل ويكونه . لذا ننصح ومن غير مبالغة في ذلك ، في الحفاظ على مسبحة الكهرب وتنظيفها بين فترات متباعدة لهذا الغرض . إن حدوث التآكل يقلل من قيمتها ويهدر جماليتها بشكل عام .