زواج الفريند بين مؤيد ومعارض
1-الدكتور "محمد سيد طنطاوي" ـ شيخ الأزهر علق على الفتوى قائلاً: لا شك في أن كل ما يؤدي إلى الحلال فهو حلال، وكل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وقد بيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات"يجب البعد عنها حتى لا نقع في المحظور، فهذه مبادئ عامة. ونظراً لعدم تكامل الفتوى وعدم إجابتها عن الكثير من التساؤلات حولها وظروف عقد الزواج.. وهل هو متكامل شرعاً؟ وهل نية الزوج أنه مؤقت أو مؤبد؟ وغير ذلك الكثير فإنني أستطيع القول بأن هناك شروطا يجب توافرها في عقد الزواج ليصبح صحيحاً في الشريعة الإسلامية، وهي أن يكون العقد بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر، وأن يتلاقى الإيجاب والقبول في المقصود من العقد وهو الزواج وفي مجلس واحد وبألفاظ تدل على التمليك وعلى تنجيز العقد وتأبيده، وأن تتوافر في أطراف العقد الأهلية الكاملة بشروطها وأوصافها، وأن تكون المرأة المراد العقد عليها غير محرمة على من يريد الزواج منها لأي سبب، وأن يتم العقد بحضور شاهدين تتوافر فيهما الأهلية للشهادة ويسمعان كلام العاقدين ويفهمان المقصود منه في وقت واحد، ويشترط إسلام الشاهدين إذا كان الزوجان مسلمين، وأن يكون ذلك برضا وحضور ولي أمر الزوجة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل".
التنازل لا الإجبار:
وأوضح شيخ الأزهر أنه إذا كان عقد الزواج الذي أشارت إليه الفتوى تتوافر فيه الشروط السابقة فهو حلال، لأنه من حق المرأة التنازل عن حقها في السكن أو النفقة برضاها، وليس للزوج إجبارها على ذلك، فإذا اشترطا ذلك وتراضيا عليه فلا مانع شرعاً، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً"، وقوله "إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج".
وحذر شيخ الأزهر من انتشار الزواج العرفي غير مكتمل الأركان والشروط الشرعية السابقة، وكذلك زواج المتعة المحرم شرعا.وقد كان زواج المتعة مباحاً للضرورة القاهرة في بعض الغزوات ثم نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة قائلاً:" يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم بالاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً".وأكد هذا النهي في حجة الوداع.
مشكلات عديدة:
2- الدكتور "محمد رأفت عثمان" ـ العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ـ وضع بعض التحفظات على هذا الزواج حتى يكون حلالاً، وعنها يقول:هذه الفتوى إذا كانت تشترط في العلاقة التي ستنشأ بين الشاب والفتاة أن تكون قائمة على عقد زواجٍ مستوفٍ أركانه وشروط صحته من الناحية الشرعية، فهي بلا شك تحل جانباً من مشكلات الشباب المسلم في الدول الغربية، إلا أنها قد تخلق مشكلة أخرى بين هؤلاء الأزواج إذا حدث حمل، فمن سيقوم بتربية الولد الذي سينشأ بين زوجين متباعدين، أم أنهما سيرسلان ابنيهما إلى إحدى مؤسسات رعاية الأطفال مجهولي النسب؟! بالإضافة إلى ضرورة أن يعرف المخالطون لأسرة الزوجين أنهما متزوجان زواجاً شرعياً وأنهما تراضيا على هذا الوضع حتى لا يساء الظن بهما.
لهذا أرى أن هذه الفتوى رغم أنها تحل مشكلة إلا إنها ستنشأ عنها مشكلات أخرى يجب البحث عن علاج لها، كأن تقوم الدول والهيئات الإسلامية الغنية بمساعدة الشباب المسلم على تأجير مسكن مناسب وبأقل الأسعار ليعيش فيه عيشة كاملة، بدلاً من زواج المبعدين الذي يمثل مشكلة لأسرتيهما، خصوصاً أسرة الفتاة التي قد تكون موجودة في أسرة ظروفها صعبة ومسكنها ضيق، وتزيد الوضع سوءاً بزواجها وإنجابها في بيت أبيها.
ضوابط شرعية:
3-يؤكد الدكتور "محمد المختار المهدي" ـ الرئيس العام
للجمعية الشرعيةوالأستاذ بجامعة الأزهر ـ أن هذا الزواج رغم أنه صحيح شرعاً إلا أنه
لا يحقق الاستقرار التام بين الزوجين، بل إنني أخشى أن يكون مثل هذا الزواج أقرب
إلى زواج المتعة المحرم شرعاً إذا كانت نية الزوجين أو أحدهما أنه محدد لفترة معينة
أو مؤقتة، ويمكن أن يكون هذا الزواج فيه مساوئ الزواج العرفي من قيام المرأة بتزويج
نفسها من دون وجود شهود عدول أو إذن وليها أو حتى الإشهار، أما إذا كان هذا الزواج
مكتمل الأركان وليس مؤقتاً وليس زواجاً عرفياً، فلا مانع منه شرعاً إذا تنازلت
الزوجة بمحض إرادتها عن حقها في السكن والنفقة اللذين جاء الأمر الإلهي بهما في
قوله تعالى: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ..)،
وقوله: (
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ..).ومن
حق المرأة التنازل عن بعض حقوقها برضاها، لقوله تعالى: (
فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا
فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا).
كثرة السلبيات:
وتعترض الدكتورة سعاد صالح ـ رئيس قسم الفقه بجامعة الأزهر ـ على هذه الفتوى رغم أنها تقرر أنه زواج شرعي قائلة:هذا الزواج سلبياته أكثر من إيجابياته، فرغم أنه شرعي إلا أنه لا يحقق كل المقاصد الشرعية المرجوة من عقد الزواج، التي يمكن إيجازها في نقاط عدة، هي:تنظيم الطاقة الجنسية لتحقيق غاية جليلة هي التناسل والتوالد والتكاثر والإنجاب، تنفيذاً لقوله تعالى: ( وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء..)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة"، والمشاركة في أعباء الحياة، لأن عقد الزواج مؤبد وليس مؤقتاً، وهذا منطلق من قوله تعالى: ( وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً..)، وتربية الأجيال الجديدة وحفظ الأنساب.
علاج مؤقت:
وأوضحت الدكتورة سعاد صالح أن هذه الفتوى تمثل علاجاً مؤقتاً لمشكلة يجب علاجها علاجا جذرياً، لأنها مخالفة للإسلام، وهي المغالاة في المهور وتكاليف الزواج، والحل الإسلامي لها التيسير والتخفيف من معاناة الشباب والفتيات. وأخشى أن تكون هذه الفتوى مفتاحأً للتراخي في حل المشكلات التي تحول دون زواج متكامل شكلاً وموضوعأً، وخاصة أن الزوجين المتباعدين قد ينحرفان أثناء التباعد وعدم مراقبة أحدهما للآخر في سلوكياته، لأن اللقاء بينهما لا يزيد على لقاء جنسي فقط ثم يذهب كل منهما إلى حال سبيله، وقد تزيد المشكلة مع إحساس المرأة بالندية والاستقلالية عن الرجل في الغرب، لهذا يكون الزواج محفوفاً بالأخطار، ومحكوماً عليه بالفشل مستقبلاًِ لينتج عنه مطلقات وأطفال يفتقدون للرعاية، وذلك لأن هذه الصيغة الجديدة لا تحقق عدة أهداف عليا للزواج جاءت في قوله تعالى(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،وقوله: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ..)، وقوله: ( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ..) وقوله: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..).فهذا الزواج يحمل في داخله عوامل فشله حتى لو كان صحيحاً شرعاً، وهو صورة أخرى من زواج المسيار الذي عليه التحفظات السابقة رغم أنه صحيح شرعاً.
رؤية نفسية:
وعن رؤية علم النفس لهذه الفتوى وأثارها على نفسية الزوجين قالت الدكتورة "سامية الجندي" ـ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس ـ:القضية ذات شقين لهما تأثير نفسي مختلف، بمعنى أنها حلت مشكلة بزواج المتحابين زواجاً شرعياً بدلا من وقوعهما في الحرام في مجتمعات فيها العلاقات غير الشرعية هي الأصل، وبالتالي فإنها ستؤدي إلى إعفافهما نسبياً، بدلا من وقوفهما عاجزين عن الزواج وتوفير المسكن والنفقة وغير ذلك من متطلبات الزواج المتكامل، إلا أنها في الوقت نفسه ستؤدي إلى وجود نوع من القلق النفسي، لابتعاد الزوجين لفترات رغماً عنهما بسبب الظروف المحيطة بهما وعدم قدرتهما على توفير مكان للمعاشرة بصورة منتظمة، مما يؤدي إلى قلقهما النفسي، وخاصة أنهما متباعدان، لهذا فأنا أفضل أن يتزوجا في منزل أسرة الزوج لتستعيد الأسرة الممتدة، وأن يكون ذلك في غرفة خاصة بهما وبأقل الإمكانات، ودون وجود تعقيدات تجعل الزواج صعباً وشاقاً.
أخف الضررين:
وعن التحليل الاجتماعي: للقضية يؤكد الدكتور "مجدي فؤاد" ـ أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة ـ إن المجتمع عبارة عن أسرة متماسكة، وليس مجرد أفراد متباعدين بينهما معاشرة زوجية متباعدة، ولكن أخف الضررين هو تنفيذ هذه الفتوى في المجتمعات الغربية، لأنها أفضل من انحراف الشاب أو الفتاة المسلمة في ظل توافر كل مغريات الانحراف الأخلاقي، ولكني أدعو أن يكون هذا الوضع مؤقتأً، وأن يعمل الزوجان على توفير مسكن خاص لهما في أسرع وقت، وهذه الفتوى لا تصلح لمجتمعاتنا الشرقية المسلمة، لأن الزوجين سيكونان مثار سخرية المجتمع.