عـدن
عدن مدينة ساحلية تقع جنوب اليمن وبها ميناء هام
ومنها انطلقت تجارة اليمن إلى مختلف بقاع الأرض
* الآثار:
مجسم لباب عدن:
تكاد النقوش اليمنية القديمة أن تحجم عن ذكر عدن نظراً لعدم توفر إمكانيات التنقيب الأثري بصورة شاملة ضمن خطة متكاملة للكشف عن رموز وأسرار مدينة عدن التاريخية فيما عدا ما أشار إليه المؤرخ عبد الله محيرز عن وجود أحد النقوش المودعة في متحف اللوفر (باريس) الذي ذكر عدن مقرونا بالصهاريج، أو نقش المعسال الذي عثر عليه، وذكر ميناء عدن بالصيغة (ح ي ق ن/ ذ ع د ن م) بمعنى (ميناء عدن)، يعود تاريخ هذا النقش إلى عهد ياسر يهنعم ملك سبأ وذي ريدان 250-274 م، ويذكر هذا النقش حادثة تاريخية مشهورة وهي مطاردة هذا الملك للأحباش في ميناء عَدَن حيث كلف أشهر أقياله في حينه (حظين أو كن بن معاهر وذي خولان) ، بالاتجاه إلى عَدَن يوم أن خشي أن تطوق الميناء قوات الأحباش وتسيطر عليه، ويقول ذلك القيل كما جاء في النقش : " أنه اتجه إلى الميناء (عَدَن) هو وشعبه (قبيلته) وقاموا بالدفاع عن الميناء وأمضوا مهمتهم بوفاء، وعندما أثارتهم إحدى مراكب الأحباش وبرزت للقتال التحموا بها ومزقوهم شمالاً ويميناً حيث وجهوا إليهم أفضل المقاتلين ليجالدوهم ويوقعون بهم، فكان أن غلبوهم وقتلوهم وانتصروا عليهم كلهم ومن بقي منهم فقد طوردوا حتى اضطروا إلى دخول البحر البهيم وفيه قتلوا جميعاً وعاد القيل وشعبه بعد هذه المعركة بما حمله من غنائم ومواشي .
وما ذكره النقش عن معركة بحرية ربما الأولى من نوعها التي تصفها النقوش حتى الآن، ويدل خوف الملك ياسر يهنعم ملك سبأ وذي ريدان على الأهمية الكبيرة التي كان يحتلها ميناء عدن بالنسبة لدولته ، لذلك كلف أشهر وأقوى أقياله للذود عن المدينة .
إن هذه الخلفية التاريخية لمدينة عدن العريقة تسطر لنا الوقائع اليومية قرب استعادة هذه المدينة لمكانتها التاريخية كمحور للتجارة الدولية وميناء حديث يربط الشمال والجنوب والشرق والغرب .
وبعد ظهور الدعوة الإسلامية تحولت عدن من مركز تجاري دوره كدور أسواق العرب الشهيرة قبل الإسلام إلى أحد المصادر الحضارية الإسلامية في مرحلتها المبكرة باعتبارها ميناءاً هاماً، وازدياد توسع حركة سوقها التجارية ساعد على سرعة انتشار مبادئ وقيم الإسلام، وينعكس كل ذلك في بناء المساجد وانتشار المرشدين لتدريس علوم الدين الإسلامي .
* عـدن في العهد الاسلامي:
Ø دولة بني زياد (204هـ/819م) (412هـ/1021م): وعهدهم بإدارة حكم ميناء عَدَن إلى ولاة من بني معن، وتختلف الرواة والمصادر التاريخية حول نسبهم، فمنهم من ينسبهم إلى الأبناء ( بقايا الفرس في اليمن)، ومنهم من ينسبهم إلى الأمير معن بن زائدة الشيباني الذي عاصر أواخر الدولة الأموية، وبداية الدولة العباسية، وتوفي(151هـ/768م)، وفي عهد الوزير الحسين بن سلامة بلغت الدولة الزيادية شأناً كيراً، وتعيد المصادر إليه تجديد جامع المنارة وإدخال إضافات إليه في الجهة الغربية، هذا الجامع ينسب بناؤه إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي (61هـ/681م) (101هـ/720م)، وقد كان بنو معن يؤدون خراج عَدَن إلى أمراء الدولة الزيادية .
Ø دولة بني نجاح (412هـ/ 1021م)(554هـ/1159م): استمر بنو معن في أداء وظيفتهم كولاة على عَدَن يؤدون الخراج كما كانوا خلال فترة دولة بني زياد .
Ø الصليحيون (439هـ/ 1047م) (532هـ/ 1137م) : استمر بنو معن كولاة للصليحيين في بداية الأمر حتى انتزعها منهم المكرم الصليحي .
Ø بنو زريع (470هـ/ 1077م) (569هـ / 1173م) : ينتهي نسب بني زريع إلى المكرم اليامي الهمداني أحد حلفاء الصليحيين، وقد قاموا بتنصيب ولدي المكرم العباس والمسعود على حصني جبل التعكر وجبل الخضراء على التوالي لكل منهم على أن يؤدوا خراج عَدَن(مائة ألف دينار) للحرة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي حيث إن الملك علي بن محمد الصليحي جعل الخراج مهراً لها بزواجها من ابنه المكرم أحمد بن علي الصليحي، وقد انتعشت عَدَن في عهد بنى زريع الذي يعد من أزهى عصور ازدهارها حيث نشطت حركة التجارة ، شيد بنو زريع الحصون والدورَ وهم أول من أحاط عَدَن بسور ، وقد اشتغل بنو زريع بحكم عَدَن وما جاورها، في أواخر عهد الدولة الصليحية في السنوات الأخيرة لحكم الحرة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي دار صراع بين صاحبي الحصنين آنذاك سبأ بن أبي السعود وابن عمه علي بن أبي الغارات انتهى بانتصار الأول، وتمكن بعدها بنو زريع من حكم المناطق المجاورة لعَدَن ، وتطور العمران خلال فترة حكم الداعي عمران بن محمد بن سبأ بن أبي السعود الذي بنى دار المنظر ، وكان الازدهار شاملاً في عهده بكافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والأدبية حيث ضم بلاطه نخبة من العلماء والفقهاء والأدباء مثل الشاعر الأديب أبو بكر العدني، والشاعر الأديب المعروف عمارة اليمني، كما قام الداعي عمران ببناء منبر جامع المنارة، وتواصل بنو زريع مع الدولة الفاطمية في مصر بعد زوال الدولة الصليحية، وكانوا يؤدون الخراج لها واستمر التواصل معها إلى أن تم القضاء على الدولة الفاطمية من قبل الأيوبيين .
Ø الدولة الأيوبية في اليمن
(569هـ/
1173م)
: عند القضاء على الدولة الفاطمية في مصر اتجهت أنظار الأيوبيين إلى جنوب
الجزيرة العربية بهدف التوسع والقضاء على الدولة المهدية ، وكان لهم ذلك إذ
تمكن توران شاه الأيوبي " شقيق صلاح الدين " من السيطرة على أجزاء من اليمن
منها عَدَن.
ونشط ولاة الأيوبيين وخاصة أبا عمرو وعثمان بن علي الزنجبيلي التكريتي حيث
تم إعادة بناء وتجديد سور عَدَن ، كما شيدوا أسوار جبل المنصوري وجبل حقات
وسور الميناء، كما بنى الزنجبيلي الفرضة (الميناء)، وبنى الأسواق وتكاثر
الناس في عهد بني أيوب في عَدَن بسبب اتساع نشاط الحياة فيها كما تم حفر
الآبار وشيدت المساجد، كما ساهم الزنجبيلي - أيضاً - في إعادة وتجديد قلعة
صيرة وسورها.بعد ذلك جاء سيف الإسلام طغتكين بن أيوب " شقيق آخر لصلاح
الدين الأيوبي " وشيد بها دار السعادة مقابل (الفرضة) باتجاه منطقة حقات .
Ø دولة بني رسول (625هـ/1228م): استقل عمر بن علي بن رسول أحد ولاة الأيوبيين بحكم اليمن بعد آخر ملوك الأيوبيين المسعود بن الكامل، وضرب السكة لنفسه، ودعا للخليفة العباسي مباشرة، وفي عهد بني رسول ازدهرت اليمن قاطبة، وشهدت انتعاشاً في كافة الميادين وخاصة ما يتعلق بالجانب العلمي، وبناء المدارس وشيد حكام وملوك بني رسول العديد منها في مدينة تعز (ذي عدينة) وزبيد وعَدَن ومناطق أخرى، ما يخص عَدَن منها المدرسة المنصورية والتي بناها ولده الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي الرسولي والمدرسة الياقوتية والتي بنتها (جهة الطواشي) اختيار الدين زوج الملك الظاهر يحيى بن الملك المجاهد الرسولي، وقد تم بناء العديد من القلاع والحصون والآبار، كما قام الملك الرسولي بتوسعة دار السعادة ، ومما يؤسف له أن العديد من تلك المآثر التي بنيت في عهد بني رسول وخاصة المدارس وغيرها لم تعد قائمة، وتهدمت من جراء ما تعرضت له عَدَن من الهجمات أو بفعل الصراع الداخلي بين الدويلات القائمة في القرون الماضية للسيطرة على عَدَن.
Ø دولة بني طاهر (945هـ/1538م): انتعشت عَدَن في عهد بني طاهر الذين خلفوا بني رسول وكلفوا ولاة لهم على بعض المناطق والمدن ومنها عَدَن، وقد اهتم بنو طاهر كأسلافهم بني رسول بنشاطات عدة وخاصة ما يتعلق بجانب العمران والعلم، ومن مآثرهم التوسعات في دار السعادة باتجاه حقات والتي قام بها السلطان عامر بن طاهر ودار البندر قام ببنائه الشيخ عبد الوهاب بن داود، وفي عهد السلطان صلاح الدين عامر بن عبد الوهاب أشهر حكام بني طاهر (ويعده بعض المؤرخين من أبرز من حكموا اليمن عبر العصور)، ومن مآثره في عَدَن بناء صهريج للمياه خارج نطاق صهاريج الطويلة ومد القنوات بغرض توفير مياه الشرب للمدينة كما أقام بأعمار منشآت أخرى ومساجد وتنسب له بعض المصادر إعادة بناء جامع المنارة وبنهاية دولة بني طاهر على يد الأتراك العثمانيين عام (945هـ/1538م) قاموا ببناء بعض الاستحكامات العسكرية والحصون والقلاع أو تجديدها نظراً لصراعهم مع البرتغاليين آنذاك .
ظل اسم عدن منذ زمن الاغريق وحتى يومنا هذا يتردد في منثور القول وموزونه عاكسا ذكريات ترسبت في اغوار العقل وفي مسالك النفس ومطاوي الضمير.
تقع عدن على ساحل لا زرع فبه، ولا ضرع، ويرى البعض فيها صورة مصغرة لجهنم الآخرة، إذ أن في جوفها (أزيز كأزيز المرجل). لكن عدن كانت - وعلى مر العصور عروس البحار ودهليز الصين وفرضه اليمن، وخزانة المغرب ومعدن التجارات. هي العربية السعيدة في أعين تجار الإغريق والرومان والبنادقة، وعبر قرون متطاولة من الزمن .