السيد محمود .. علّم أخوه التجسس ... فاحترف..!!
عالم المخابرات والجاسوسية عجيب كل العجب. إنه بالفعل يفتقد العواطف... ولا تصنف أبداً تحت سمائه، حتى وإن بدت المشاعر مشتعلة متأججة – فهي زائفة في مضمونها، ووجودها فقط لخدمة الموقف ثم تنتهي إلى أفول.
لقد كتبنا عن سمير باسيلي أول جاسوس في العالم يجند أباه. وكتبنا عن إبراهيم شاهين ابن سيناء الذي جند زوجته انشراح وأولاده الثلاثة.
وفي هذا الفصل نكتب عن جاسوس آخر من جواسيس الإسكندرية، استغل شقيقه المجند بالقوات المسلحة، وجنده ليحصل من وراء معلوماته العسكرية على مال وفير.
كلها قصص تؤكد أن علاقات الدم والرحم ومشاعر الحب – تتوه بين غمام عالم الجاسوسية الغامض ... وتمحي ... في لحظة يغيب فيها العقل .. ويغتال الانتماء.. !! الصدمة الفجائية
بالرغم من التنسيق الاستخباري الأمريكي الصهيوني الذي وصل إلى أعلى المستويات ...فقد جاءت حرب أكتوبر 1973 لتثبت عجز المخابرات الإسرائيلية والأمريكية وهزيمتها معاً إزاء هذه الحرب المفاجئة. فقد طار زيفي زامير رئيس الموساد (كما طار من قبله مائير عميت قبل حرب يونيو 1967) إلى كل من أوروبا وأمريكا بمهمة سرية.. ليحاول التحقق من المعلومات التي وردت اليهم قبل حرب أكتوبر باستعدادات العرب للهجوم على إسرائيل.
وفي صباح السادس من أكتوبر بعث ببرقية محمومة من نيويورك إلى غولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل تقول: "إن الحرب ستبدأ اليوم". وكان الأوان قد فات. وكانت مفاجأة الحرب التي منيت بها إسرائيل، نتيجة "الفكرة" الخاطئة التي يتمسك بها القادة الإسرائيليون، والمستندة إلى أن الحرب لن تقع بسبب عجز العرب عن القيام باتخاذ قرار الهجوم ضدهم.
كقد كانت هذه "الفكرة" متأصلة الجذور في أذهان العسكريين الإسرائيليين، حتى أن الجنرال "إلياهو زعيرا" – الذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات العسكرية – ذهب في ظهر ذلك اليوم إلى مؤتمر صحفي في تل أبيب وهو مطمئن إلى حقيقة "الفكرة".
وعندما تكلم بهدوء وثقة إلى الصحفيين قائلاً: "لن تقع الحرب". اقتحم المكان ضابط برتبة ميجر ودفع ببرقية إلى الجنرال زعيرا في غرفة المؤتمر الصحفي، وعندما قرأها هذا، خرج من الغرفة ولم ينبس ببنت شفة، ولم يعد مرة أخرى. وأدرك الصحفيون الحقيقة على الفور، فقد وقعت الحرب، وفي جمع أرجاء تل أبيب... أخذت صفارات الإنذار ترسل صيحاتها.
هذا التقييم الغير صحيح للمعلومات التي تجمعت لدى المخابرات الإسرائيلية، والتي وصلتها قبل الحرب بمدة كافية وتتعلق بالحشود المصرية والسورية، أكد على تقصير المخابرات الإسرائيلية في تحليل النوايا العربية... والاستعدادات العسكرية التي سارت بخطوات دقيقة وسرية للغاية، وخدعت أجهزة المخابرات الصهيونية والأمريكية، بما يدل على جهل هذه الأجهزة بمؤشرات الحروب والأزمات .. مما أدى إلى تفويض نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على قوة جهاز مخابراتها، وعلى عنصر إنجاح الطيران في تنفيذ الضربة الوقائية وإفشال الاستعدادات العربية.
وبعد توقف الحرب، عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى التحقيق في كارثة يوم الغفران وشكلت لجنة "إغرانات" لتحديد موضع الخلل والتقصير... وقد رأت اللجنة أن الاستخبارات العسكرية هي المسؤولة عن تقييم نوايا وقدرات القوات العربية... وأشارت إلى أربعة مسؤولين بها غير مرغوب فيهم ويفضل تسريحهم... كان على رأسهم بالطبع إلياهو زعيرا رئيس المخابرات العسكرية.
ولذلك، نشطت أجهزة المخابرات الإسرائيلية المختلفة... وعملت على تلافي هذا الخطأ المدمر الذي راح ضحية له آلاف الجنود والضباط، وسبب الذعر في كل أرجاء إسرائيل، وقررت ألا تترك معلومة، ولو تافهة صغيرة، إلا وحللتها وتأكدت من صحة ما جاء بها. وذلك من خلال تجنيد طابور طويل من العملاء والجواسيس في كل البلاد العربية... يمدون إسرائيل بجسر متصل من المعلومات السرية يومياً، فتستطيع بذلك تدارك أية كوارث أخرى قبل وقوعها. وكان لا بد من القيام بعدة انتصارات هامة... تعيد الثقة إلى هذا الجهاز الذي أثبت فشله في التنبؤ بحرب أكتوبر.
وعلى هذا الأساس .. صعّدت قيادة جديدة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، تتعطش لإثبات جدارتها ومقدرتها، وأخذت على نفسها أمر حماية إسرائيل من الخطر الدائم المحيط بها. ورصدت ملايين الدولارات تحت تصرف هذه الأجهزة. وكان للموساد الإسرائيلي نصيب أكبر منها لتجنيد العملاء والجواسيس، وشراء ضعاف النفوس في كل مكان.
ولم تعد المخابرات الإسرائيلية تلقى بالاً للعناصر التي تعيش على هامش الحياة، بل سعت لتجنيد البارزين في المجتمع، ومن ذوي المراكز الدقيقة الهامة. إذ لم يعد عمل الجواسيس مقصوراً على الإنصات إلى ثرثرات سكير في حفل كوكتيل... أو تخاويف جاهل بالأمور يدعى المعرفة بكك شيء، وإنما أصبحت مهمة الجاسوس تتعلق إلى حد بعيد بالحصول على الوثاقئق السرية وتصويرها ... وإعادتها إلى مكانها الذي أخذت منه... ومن ثم إرسال ما صوره إلى مركز اتصاله.
وأيقنت المخابرات الإسرائيلية أن المعلومات المجموعة .. سواء بالوسائل البشرية أو التكتيكية، لا تكتسب قيمتها الكاملة .. إلا بعد الدراسة والتحليل والتركيب والاستقراء م نقبل خبراء أخصائيين على مستوى عال من العلم والخبرة.
وبسبب الخوف من "مفاجآت" العرب الغير سارة – أطلقت إسرائيل جواسيسها داخل البلاد العربية، يجمعون لها الأسرار العسكرية والصناعية... وكل ما يتصل بأ/ور الحياة اليومية بما فيها أرقام هواتف وعناوين المسؤولين.
وهذا ليس عبثاً من جانب العدو، إنما هو عمل مخابراتي أصيل، وتخريبي يؤدي إلى نتائج خطيرة فيما لو أتيح استعمال هذه المعلومات... فعملاء إسرائيل السريين لا يتورعون عن ارتكاب أية جريمة مهما كانت حقارتها لتحقيق أهدافهم ومهامهم.
ويبدو أن المخابرات العربية قد تفهمت بحق تغير أسلوب جهاز المخابرات الإسرائيلي... خاصة بعد تجديد دماء رؤسائه ومديري أقسامه المختلفة .. والحرص على اصطياد الخونة العرب في كل مكان .. ودفعهم إلى بلادهم بعد دورات تدريبية ينشطون بها مداركهم... ويوقظون لديهم الحاسة الأمنية .. ويزرعون بداخلهم الولاء لإسرائيل بإغراءات المال والجنس، وبالتهديد أحياناً كثيرة.
لذلك .. فقد كان على المخابرات العربية أن تنشط هي الأخرى لتواجه هذا النشاط المضاد. وكان أن أعلن مسؤول كبير في المخابرات المصرية في 10/10/1974 بأن أي مواطن مصري تورط تحت أي ظروف مع جهاز المخابرات الإسرائيلي، فإنه في حالة التبليغ عن ذلك فور وصوله إلى البلاد أو لأي سفارة من سفاراة مصر... فسوف يعفى نهائياً من أية مسؤولية جنائية... ولا توجد له أي تهمة مهما كانت درجة تورطه.
وأضاف المسؤول: إن المخابرات المصرية تعلم الأساليب التي تتبعها المخابرات الإسرائيلية .. والظروف التي يقع تحتها المواطن مرغماً، مما يغفر له ما وقع فيه مادام قد قام بالإبلاغ خدمة لوطنه.
وفي نهاية البيان ... أعلن المسؤول الكبير نبأ القبض على جاسوسين شقيقين يقومان بالتجسس لصالح المخابرات الاسرائيلية .. وأنهما بين أيدي المحققين لاستجوابهما... وسوف يحالان للمحكمة المختصة فور انتهاء التحقيق.