خان
عشيقته اليهودية فاوشت به للشرطة العراقية
عيزرا
خزام ـ وهدم المعبد
كيف طوع الدكتور عيزرا جسد حبيبته لخدمة الجاسوسية؟
توقف ذات نهار بسيارته في إحدى إشارات المرور ... وبينما ينتظر الإشارة الخضراء... لمح فتاة ساحرة تفوق الآلهة عشتروت جمالاً... فطاردها بإصرار صياد لا يهمد ... ولو أنه كان يعلم وقتها أن حياته مرهونة بنبضات المشاعر... لما سمح لقلبه أن يهوى .. أو تخفق جوانحه.
ذلك أن الصدفة العابرة – أحياناً – قد ترسم مصير إنسان... فتقوده ربما إلى حياة هانئة منعشة... أو تقذف به إلى حالك الظلام والنهاية المفجعة... !!
قراءة الأبعاد
قديماً قالوا "الحب يصنع المعجزات"، وفي هذا القول حقيقة تنطبق على أبطال هذه القصة. ففي حي الكاظمية ببغداد ولد عيزرا خزام عام 1924 لأسرة ثرية تعمل بتجارة الذهب والمشغولات الثمينة. ونشأ منذ طفولته نشأة يهودية تقليدية، منكباً على كتبه الدراسية بعيداً عن مهاترات الشباب وطيشهم، إلى أن التحق بكلية الطب في بغداد وتخرج منها عام 1953، ليعمل طبيباً بالمستشفى المركزي، مرتقياً السلم الوظيفي والمهني سريعاً نظراً لمهارته الفائقة في عمله.
وفي المستشفى تقابل مع إحدى الممرضات اليهوديات وتدعى "جنة" التي تسلمت عملها حديثاً، فانبهر بجمالها الفتان وأنوثتها الفتاكة، وغرق في حبها دون أن يدري... أو يقاوم. ففي ذلك الوقت، كانت ضغوط أسرته ليتزوج تزداد يوماً بعد يوم... واختار له والده ابنة تاجر يهودي ثري، رآها عيزرا عدة مرات في المناسبات الدينية والعائلية، لكنها لم تترك لديه أثراً يدعوه ليقترب اليها. فصارح والده بمشاعره تجاه ابنة صديقه، وانشغل بعمله وبحبه لممرضته الحسناء.
وحدث ذات مرة أن تجرأ وأعلمها بحبه، فاستنكرت ذلك منه للفروق الشاسعة بينهما، فهي ابنة يهودي فقير، يمتهن النحت والنقش على النحاس، ولا قبل لأسرتها به. لكنه تناسى كل الفروق غير عابئ بفقرها، فهي غنية بالجمال الوفير... وهذا يكفيه.
استجابت جنة لعواطفه، وانقادت هي الأخرى تجاهه، مانحة إياه مشاعرها وقلبها عن قناعة. لكنه حبه لها كان أضعاف ما تكنه هي من حب. لذلك كان شديد الغيرة، يطاردها في ردهات المستشفى، وفي كل مكان. ولما صارحته بأنها لم تعد تطيق تصرفاته، عرض عليها الزواج في أسرع وقت، فرفضت بإصرار دون أن توضح لذلك سبباً.
تحير الدكتور عيزرا في أمر حبيبته، وساورته الشكوك والريب، لكنها قطعت عليه الطريق، واعترفت له بأنها قررت ألا تتزوج في بغداد مهما امتد بها العمر، إذ هي تحلم بالحياة في إسرائيل، والزواج هناك بمن يحبها، ويريدها.
أسقط في يده، ولم يسعفه عقله ليقول أي شيء. فلما طال صمته، همت بالانصراف، لكنه جذبها بشدة وبعينيه شعاعات من تحد، وقال إنه يوافق على زواجها في بغداد ثم يسعيان معاً بعد ذلك للهرب إلى إسرائيل. رفضت جنة ما أبداه من رأي .. ذلك لأن أسرته لن توافق على زواجهما، وبالتالي سيخسر الكثير وهو الذي اعتاد الحياة الناعمة بما يغدقه عليه والده من أموال.
وتمر الأيام وحبيبته في تبدل مستمر تجاهه، فيفطر قلبه، ويسير كطفل رضيع يسعى لحضن أمه الدافئ، يتلمس بين أحضانها الأمن والحنان. فكانت ترقب حبه الطاغي لها في تدلل، حريصة على ألا تمنحه ولو جرعة قليلة من أمل في زواجهما ببغداد.
لقد بدد إصرارها على الهجرة أمنه، وأحال ليله إلى كابوس مقيم خوفاً من صدمة اختفائها المفاجئ. لذلك أسرع بتأجير شقة جديدة بشارع السعدون كعيادة، ورجاها أن تقبل العمل معه لتكون بقربه طوال اليوم، فوافقت واثقة من شدة تعلقه بها، وكانت تمضر له أمراً.
لقد تحينت الوقت المناسب، وصارحته بأنها تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي منذ مضي العام، وتنتظر انتهاء المهام المكلفة بها ليتحقق حلمها بالهجرة.
هزه الأمر وبعثر عقله، واضطربت له قسمات وجهه وحياته كلها، ولأنه يحبها لدرجة الجنون، لم يشأ أن يرفض مسلكها فيخسرها. لحظتئذ.. عانقته في امتنان، وأذاقته قبلة كالبركان أذهبت بإرادته، فكبلته معها بسلاسل من إثارة أنثوية فضحت ضعفه وخضوعه.
وبعد مرور عدة أيام – كانت أثناءها تختلي به كثيراً لتمنحه المزيد – طلبت منه أن يستقبل رئيسها في "العمل". ومثله ... مغيب العقل والإرادة، لم يستطيع أن يرفض هذا الأمر.
وفي اللقاء الأول بينهما، شرح له العميل الإسرائيلي الكثير عن معاناة السواد الأعظم من اليهود في العراق، ورغبة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في العمل على تهجير أكبر عدد منهم، إشفاقاً لحالهم أولاً، ولحاجة الدولة اليهودية إليهم ثانياً.
هكذا تم اللقاء بينهما في هدوء... ولم يغادر "الرئيس" العيادة إلا وأقنع الدكتور عيزرا، بضرورة الانضمام للمنظمة السرية الصهيونية، التي تنتشر فروعها في كل العراق.
لقد كان للحب أثره العجيب... إذ رحب الدكتور عيزرا بالعمل مع المنظمة، واتخاذ عيادته مقراً للقاءات السرية، بعيداً عن أعين رجال المخابرات، الذين ينقبون عن الخونة في كل مكان.
يا الهي ... ماذا فعل العراق بهؤلاء لينتقموا منه هكذا؟ جيوش من الخونة تفتك بأمنه، ويعملون فيه مباضعهم بلا رحمة، كأنهم رضعوا الخيانة متوارثة في جذورهم البعيدة المتوغلة في التاريخ السحيق.
باع الدكتور عيزرا وطنه بخساً للصهيونية، وكأنه ما ولد وعاش وتعلم على أرضه، وشرب من مائه، وتنسم هواءه. وأخضع لدورة تدريبية على أعمال التجسس، بواسطة ضابط إسرائيلي تسلل خصيصاً عبر شط العرب لتدريبه، ثم سافر إلى البصرة للحصول على دورة أخرى في استعمال جهاز اللاسلكي، ورجع إلى بغداد يحمل حقيبته الطبية، بداخلها الجهاز الثمين.
لقد اشتد إيمانه – كيهودي – بمهمته، وتعاظم حبه لإسرائيل متوازياً مع حب جنة، قانعاً بضرورة الهجرة اليهودية لتشتد الدولة، وتقوى أمام الجبروت العربي والجيوش التي تتسلح سراً لتدميرها.
ثم انقلب اهتمامه بقضية التهجير، إلى البحث في خبايا القوة العسكرية العراقية. هذا الأمر شغله تماماً واستحوذ على تفكيره. فقد كان يرى أن لديه قدرات هائلة، للعمل في مجال الأسرار العسكرية، التي تتنامى في الخفاء. أما مسألة التهجير فبإمكان آخرين أقل حرفية منه القيام بها.
كانت حبيبته وعشيقته جنة توافقه في رأيه، وتؤيده، وتدفعه دفعاً بغريزة الخيانة التي ولد بها اليهود، فأقنعته بضرورة استخدام جسدها معبراً للوصول إلى معرفة نوايا العراقيين، وخطط التسليح التي يضعونها للجيش، بالسيطرة على أعصاب عدد من الضباط، يتم الإيقاع بهم في حبائلها.
إن تعدد الانقلابات العسكرية للوصول إلى الحكم، منذ الإطاحة بالملكية عام 1958، جعل من الجيش العراقي لغزاً يصعب التكهن به. فكل رئيس جديد – وهو عسكري بالطبع – له بعده السياسي وقراءته الخاصة لخريطة الجيش وتضاريسها. ولقصر مدد الحكم، أصبح من العسير وضع رؤية محددة تترجم السياسات والنوايا. فالعراق يأتي في المرتبة الثانية بعد سوريا، في عدد مرات الانقلابات التي وقعت منذ استقلاله، حتى وصول صدام حسين إلى الحكم.
من هنا، ولهذه الأسباب، انشغل الدكتور عيزرا بأسرار السياسة والجيش في العراق، بعدما تبين له أن هناك دلائل قوية، تشير إلى مساع جادة لتسليح الجيش بأحدث الأسلحة السوفييتية، لمساندة دول المواجهة في صراعها ضد إسرائيل من جهة، وللوقوف ضد أطماع إيران من جهة أخرى.
فسياسة التخويف التي اتبعها الشاهنشاه محمد رضا بهلوي في المنطقة، كانت سبباً مهماً للبحث عن مصادر السلاح، وتدريب الجيش، ورفع درجة كفاءته واستعداده وتأهبه.
فكيف طوع الدكتور عيزرا جسد حبيبته لخدمة الجاسوسية؟.