في كتاب السادات والجاسوس
أغرب قضية جاسوسية أبطالها رئيس مصري وألمانيان وراقصة
في أحد ملاهي النمسا الليلية تمكنت المخابرات الألمانية من نسج خيوطها حول الراقصة المصرية حكمت فهمي، بعد أن دفعت إليها بالجاسوس الألماني ابلر حسين جعفر، ولكنها عندما عادت إلى القاهرة اكتشفت أنه الجاسوس الألماني إبلر ليربط بينهما كراهيتهما للإنكليز، ومن جانبه حبه لبلاده، وحينما تعطل جهاز اللاسلكي تمكنت حكمت فهمي من استدعاء الضابط أنور السادات الوطني الثائر لإصلاح الجهاز ، ليرتبط السادات مع حكمت فهمي والجاسوس الألماني إبلر بأكبر قضية تجسس في ذلك الوقت.الكاتب الصحفي محمود صلاح يكشف لنا من خلال كتابه السادات والجاسوس العلاقات المتشابكة ما بين حكمت فهمي والمخابرات الألمانية، وكيف اشتعلت ثورية الضابط أنور السادات لتجنيده لخدمة الألمان، بعد أن جمعهما كراهيتهما للإنكليز .. كما يكشف عمليات الاعتقال المتكررة، والحوادث والمغامرات المثيرة لحياة الرئيس الراحل أنور السادات، وعلاقته بجماعة الإخوان، والكثير من الأحداث المثيرة منذ الحرب العالمية الثانية حتى هروبه من المعتقل..ويتناول الكتاب قصة حياة الضابط المصري أنور السادات منذ بداية الحرب العالمية الثانية بين دول المحور، والحلفاء وفي مقدمتهم بريطانيا التي كانت تحتل مصر.كما يتناول النشأة الأولى للسادات في قريته ميت أبو الكوم منذ عام 1918 وانتقاله فيما بعد إلى حي كوبري القبة بالقاهرة والحياة الفقيرة التي عاشها، ويرصد الكاتب وطنية السادات المبكرة بكراهيته لمشهد الكونستابل الإنكليزي وهو يجوب شوارع القاهرة.
ومن المتناقضات أنه رغم كراهية السادات للإنجليز، فقد أتاحت له وساطة أحد الأطباء الإنكليز دخول الكلية الحربية وبعد عامين تخرج السادات من الكلية الحربية وهو يراوده الحلم بالثورة ضد الإنكليز.
وفي منقباد التقى السادات مع الضابط جمال عبد الناصر لأول مرة، ،كان عبد الناصر ينصت له ولا يتكلم إلا القليل، لأنه كان لا يميل إلى المزاح، ولأنه يقيم حاجزاً بينه وبين الآخرين، وهو الأمر الذي دفع السادات للإعجاب بشخصيته.
السادات والإخوان
ويكشف الكاتب عن قوة علاقة الضابط أنور السادات بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال التزامه الشديد بحضور درس الثلاثاء، الذي كان يلقيه الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين، وأثار التزامه بحضور الدرس الأسبوعي انتباه الشيخ حسن البنا، مما دفعه إلى التحفظ في الحديث معه في البداية، حتى صارحه السادات ذات يوم بأنه يسعى إلى عمل تنظيم عسكري لقلب الأوضاع في البلد!!
إلا أن الشيخ البنا التزم الصمت رغم دهشته من تلك الصراحة المذهلة، فقد خشي البنا أن يكون السادات مدسوساً عليهم من المخابرات!! إلا أنه عندما كاشفه السادات بمخططات الجيش في التحرك للثورة هنا تخلى الشيخ حسن البنا عن حذره تجاه السادات، وبدأ التنسيق بينهما للثورة على نظام الحكم الملكي.
عزيز المصري
ولما كان السادات مفتوناً بشخصية عزيز المصري، فقد سعى لدي الشيخ حسن البنا لتقديمه إلى الفريق عزيز المصري، وشجعه عزيز على المضي قدماً في تنظيمه السري، وانضم إليه زملاؤه ، حتى اضطرت إدارة الجيش الإنكليزي إلى انسحابهم بأسلحتهم، وعقب ذلك تورط السادات في عملية تهريب عزيز المصري لحساب الألمان، لمساندة رشيد الكيلاني بالعراق في ثورته ضد الإنكليز، إلا أن المخابرات اكتشفت محاولته، وتم القبض علي السادات، وراوغ وكيل النيابة حتى أفرج عنه ليواصل نشاطه السياسي السري.
الإنكليز والنحاس
وعندما تقدمت جيوش القائد الألماني روميل إلى ليبيا في عام 1942 شعر الإنكليز بأن الرأي العام المصري ضدهم، وفي محاولة منهم لإرضاء الشعب المصري، حاصروا قصر الملك فاروق بعد رفضه تكليف مصطفى النحاس بتشكيل الوزارة واجبروا الملك على تكليف النحاس بتشكيل الوزارة ، ورغم ذلك خرجت المظاهرات تهتف في شوارع القاهرة إلى الأمام يا روميل!
وعندما سقطت العلمين في يد الألمان، أرسل السادات ضابطاً مصرياً إلى القائد الألماني روميل، ليخبره بأن التنظيم السري للضباط المصريين، على استعداد للمشاركة في الحرب إلي جانب الألمان ضد الإنكليز، مقابل أن تنال مصر استقلالها، وأقلعت طائرة بالضابط المصري إلا أن الألمان أسقطوها.. وكان السادات في ذلك الوقت يعمل بسلاح الإشارة في الجبل الأصفر، وذات يوم جاءه زميله حسن عزت وأخبره بمفاجأة، أن ضابطين من الجيش الألماني يطلبان مساعدته، لتبدأ علاقة السادات مع أغرب قصة جاسوسية أبطالها ضابطان ألمانيا وراقصة مصرية..
الراقصة والجاسوس
ويكشف الكاتب بداية علاقة الراقصة حكمت فهمي بالجاسوس الألماني حسين جعفر أبلر والتي بدأت داخل أحد النوادي الليلية بالنمسا التي كانت ترقص فيها حكمت فهمي، عندما قدم لها حسين جعفر نفسه علي أنه طالب مصري، واستطاع أن ينسج خيوط شباكه حولها بحكمة، حتى وقعت في غرامه، ليختفي من حياتها فجأة ودون مقدمات.
وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية عادت حكمت فهمي إلى مصر، لترقص في ملهي الكونتيننتال، دون أن تعلم أنه قد تم تجنيدها ضمن جهاز المخابرات الألماني من خلال العلاقة التي نسجها حولها حسين جعفر، وكان رئيس المخابرات الألمانية قد شاهد حكمت فهمي وهي ترقص في النمسا، فدعاها للرقص أمام هتلر ووزير دعايته جوبلز في ألمانيا، وعندما شاهدها جوبلز أعطى تعليماته بتجنيدها لصالح الألمان، الذين كانوا يعرفون حجم شعبيتها لدى كبار الضباط الإنكليز في مصر.
ولم تكن حكمت فهمي تعلم أن علاقتها مع حسين جعفر أو الضابط الألماني أبلر سوف تجمعها مع السادات في أكبر قضية تجسس في ذلك الوقت، ويكشف الكاتب حقيقة حسين جعفر، فهو من أب وأم ألمانيين، انفصل كلاهما عن الآخر، وكانت الأم تعمل بمدينة بور سعيد، والتقت بمحام مصري تزوجها وتبنى الطفل، وأطلق عليه حسين جعفر، ولكنه عندما سافر إلى ألمانيا التقطته المخابرات الألمانية وتم تجنيده لإتقانه العربية، وكانت أول المهام التي أوكلت إليه هي نسج علاقة غرامية مع الراقصة حكمت فهمي تمهيداً لتجنيدها وعندما حاولت المخابرات الألمانية زرع جاسوس ألماني في قلب القاهرة لم يكن أمامها سوى حسين جعفر أو إبلر وكانت مهمته تتلخص في الحصول على الخطة البريطانية، وأين سيركزون دفاعاتهم، وعدد القوات البريطانية ونوعها، ومدى تعاون الجيش المصري معهم إذا بدأت المعركة؟
وتمكن إبلر من دخول القاهرة عبر عملية اختراق للصحراء، في الملابس العسكرية للجنود البريطانيين، وعلى مشارف أسيوط استبدل ملابسه هو وزميله مونكاسترن واستكملوا الرحلة بعد عدة مغامرات، حتى وصلا إلى القاهرة لتنفيذ مهمتهما، بينما كانت قوات روميل تقف على أعتاب العلمين بعد عدة انتصارات حققها على جيش الحلفاء.. وعند وصولهما إلي مشارف أسيوط تنكر إبلر في صورة ضابط بريطاني، ومونكاستر في شخصية سائح أميركي ، وتحت هاتين الشخصيتين تمكن إبلر وزميله من دخول أحد المعسكرات البريطانية، بل إن قائد المعسكرات أخذهما بسيارة عسكرية لتوصيلهما إلى أسيوط.
وعندما وصلا إلى القاهرة نزلا في فندق شبرد، ليبدأ أول اتصال بينهما والمخابرات الألمانية، ليعلنا الاستعداد لبدء العملية ، وفي ملهي الكيت كات يلتقي إبلر مع حكمت فهمي مرة ثانية، لتؤكد له حكمت فهمي كراهيتها للإنكليز ، ليكشف لها عن شخصيته، وعن مهمة التجسس التي كلفه بها قائده روميل ، وأبدت حكمت فهمي استعدادها للتعاون مع الألمان، واستأجرت له عوامة قريبة من عوامتها، وعندما صعد إبلر لتركيب إريال اللاسلكي، هنا لاحظ وجود جندي بريطاني على سطح عوامة الميجور البريطاني المجاور لهما، فباغته بطلب المساعدة قبل أن يفكر في أي شيء.
السادات والألمان
وخلال أيام قليلة استطاع إبلر أن يوثق علاقته بالميجور البريطاني، دون أن يتسلل إليه الشك بأن هذا الشاب المصري حسين جعفر هو نفسه الجاسوس الألماني إبلر.
وعندما تم القبض على الجاسوسين الألمانيين اللذين يستقبلان الرسائل من القاهرة، قررت المخابرات الألمانية عدم الرد علي إبلر وصديقه مونكاستر، حتى اعتقد إبلر أن جهاز اللاسلكي أصابه عطل مفاجئ، وطلب المساعدة من حكمت فهمي مساعدته عبر شخص تثق به، لإصلاح الجهاز، حتى يتمكن من إتمام عملية التجسس.
وتمكنت حكمت فهمي من الوصول إلى الضابط المصري أنور السادات، عبر صديقه حسن عزت، فوافق على الفور علي إصلاح الجهاز والتعاون مع الألمان، نظراً لكراهيته للإنكليز، وبلا تردد ذهب معها إلى عوامة إبلر لإصلاح الجهاز المعطل، وتأكد السادات أن الجهاز معطل ولا يمكن إصلاحه، إلا أن إبلر قدم له جهازاً أميركياً آخر، كان قد حصل عليه من سفارة سويسرا التي كانت ترعى شئون الألمان في مصر، إلا أنه لا يعرف كيفية تشغيله، واكتشف السادات أن الجهاز بدون مفاتيح، واقترح السادات أن يشغله بمفاتيح مصرية الصنع يقوم هو بتركيبها.
وحمل السادات الجهاز في حقيبته متجهاً إلي بيته في كوبري القبة، بينما استمر إبلر في نشاطه بجمع المعلومات من داخل النوادي الليلية التي يسهر فيها الضباط والجنود الإنكليز، حتى تسرب الشك إلى أحدهم ولكنه عندما قام للإبلاغ عنه، وهو يرتدي الملابس العسكرية الإنكليزية شعر إبلر بالخطروفر هارباً، إلا أن المخابرات الإنكليزية بدأت منذ تلك الليلة تتبع أثره وفي نفس الليلة التقى إبلر بالراقصة الفرنسية ايفيت وهي في حقيقة الأمر جاسوسة كانت تعمل لحساب الوكالة اليهودية في مصر، وفور قضاء ليلتها معه في العوامة أبلغت عنه في تقرير تفصيلي وكشفت عن حقيقة شخصيته الألمانية، عندما سمعته يتحدث مع زميله مونكاستر بالألمانية، وفي ذات الوقت كان جهاز المخابرات البريطاني يبحث عن إبلر وصديقه.