هذا هو الاسم الرسمي للمدرسة التي عُرفت في أيام الزمان باسم (مدرسة الصنائع والفنون الجميلة) وهي اليوم (كليّة الحقوق) التابعة للجامعة اللبنانيّة. وبالرغم من أن هذه المدرسة بُنيت في العشر الأوائل من القرن العشرين، إلا أن فكرتها الأولى كانت من غرس مدحت باشا والي سوريا في بداية عهد السلطان عبد الحميد الثاني، فلقد كان هذا الوالي عمرانيّاً مُحبّاً للترقي، وإليه يرجع الفضل في بواكير النهضة العلميّة التي شهدتها مدينة بيروت في ذلك الحين. ومدحت باشا هو الذي أنشأ في هذه المدينة أول مدرسة للصنائع والفنون والعهدة في ذلك على مجلة (الهلال) التي قالت في مجلدها السابع عشر الصفحة 266 في أثناء كلامها عن الوالي (.... فأنشأ مدرسة للصنائع والفنون وأخرى للأيتام) على أن المدرسة التي أنشأها مدحت باشا لم تكن حيث تقوم حالياً مدرسة الصنائع والفنون الجميلة الواقعة في المحلة المنسوبة إليها في الجهة الجنوبيّة من بيروت وإنما كانت بداخل بيروت القديمة ضمن السور ونحن لا نعرف مكانها بالضبط بعد أن تغيرت معالم هذه المدينة وتحولت إلى أسواق تجاريّة.
ولكن المدرسة التي أنشأها مدحت باشا طواها الزمن عندما طوى الموت صفحة حياة منشئها سنة 1883م. غير أن هاجس هذا المشروع المهني الجليل بقي يخامر الولاة العُثمانيين الذين جاءوا من بعده. وفي أيام رشيد باشا والي بيروت سنة 1898م صدرت جريدة ثمرات الفنون وفيها الخبر التالي ( مما ترتاح إليه النفوس وتتحلى بذكره الطروس أن مجلس إدارة الولاية الجليلة قرر أخيراً تأسيس مكتب للصنائع في مدينتنا بيروت وهي لعمري أمنية طالما تمنيناها حباً بإحياء الصنائع الوطنيّة التي بها حياة البلاد وإيواء أولئك الصبيان الذين لا شغل لهم ولا عمل... وقد بلغنا أن ملاذ الولاية رشيد باشا استأذن مقام الصدارة العظمى (رئاسة الحكومة في إسطمبول) بإنفاق الأموال اللازمة لهذا الأثر الجزيل الفائدة)، وبالرغم من أن قرار تأسيس المدرسة إتخذ سنة 1898م غير أن الإجراءات التنفيذيّة لهذا القرار تأخرت حتى سنة 1905م على يد الوالي خليل خالد باشا. ففي سنة 1319هـ 1903م صدر عن السلطان عبد الحميد الثاني (فرمان عالي شان المؤذن بتفويض ولاية بيروت الجليلة لعهدة دولتلو خليل باشا) جاء فيه ما ننقله هنا عن جريدة (الإقبال) الصادرة في ذلك الحين: ( ليكن معلوماً أن من المطلوب والملتزم جدّاً لدى جنابي الملوكاني هو حسن إدارة ولاية بيروت وسرعة السعي وراء إستكمال التدابير التي تعود بزيادة عمرانها وإنماء ثروتها وتقدّم تجارتها وإستحصال كافة الأسباب والوسائل التي تستلزم تطمين بال أهاليها وسكانها وتأمين سعادتهم بحسب ما تستدعيه أهمية موقعها وقابليتها للعمران والترقي ... صارفاً جُلّ المقدورة في إستجلاب الدعوات الخيريّة من كل فرد لجنابي الملوكاني المستجمع المجد والشرف غيوراً على القيام بكل ما تزداد به توجهاتي الملوكانية المقررة بحقك، وأن تعرض المواد اللازمة الأنهاء لدار سعادتي تباعاً... ).
وتنفيذاً لما جاء في هذا الفرمان العالي الشأن من التوجيهات الملوكانية، على حد التعبير الذي جاء في هذا الفرمان (أي المرسوم) فإن الوالي خليل باشا جمع معاونيه في الإدارة وطلب إليهم البدء ببناء المدرسة باسم (صنائع مكتبي سي) أي المدرسة الصناعيّة، وكان الأتراك يطلقون كلمت (مكتوب) على المدارس المدنيّة وأما كلمة (مدرسة) فكانوا يطلقونها على المدارس الدينيّة فقط.