ما دمنا نتحدث عن الكتاتيب التي كانت مدارس ذلك الزمان فلا بأس من ترويح الأذهان في هذه المناسبة بذكر التقاليد (الفولكلوريّة) التي كانت من مستلزمات التعليم آنذاك، فقد كتب الشيخ عبد القادر القبّاني طرفاً من ذكرياته عن هذه التقاليد في مجلة الكشّاف البيروتيّة، قال رحمه الله : (... وكان بعض أصحاب هذه الكتاتيب لا همّ لهم إلا أن يختم الطالب القرآن الكريم ليتناولوا (المعلوم) ، أي المكافأة التي كان يسمونها (الحلوانة) ونسميها نحن (البخشيش) من الوالدين، وكان أغلبهم يصطلحون على أن الطالب متى أنهى سورة (آل عِمران) فقد ختم القرآن. فيعلمون أهله بذلك، فيرسل هؤلاء الكعك، ويرسل بعضهم مع الكعك النقل (أي المخلوطة) فتوزع على رفاق الطالب من أبناء كتّابه. وكانت العادة أن يجلس التلميذ أمام شيخه فيومئ الشيخ إلى واحد من الطلاب أو إثنين أن يقفا إلى جانب الطالب حتى إذا تلا سورة (الحمد) ـ الفاتحة ـ وأتبعها بسورة البقرة إلى أن يأتي على قوله تعالى (ختم الله على قلوبهم) خطفا طربوشه وأسرعا عدواً إلى منزله ليبشروا أهله بأن إبنهم (ختم)، فتعطى لهما البشارة ويعاد الطربوش وقد ملئ بالملبس والنقل. ثم يتناول الشيخ طعام العشاء في منزل والد الطالب وتعاد التلاوة على النحو المذكور) .
ولقد بقيت هذه التقاليد (الفولكلوريّة) متبعة فترة من الزمن، وجدير بالقول أن أهل ذلك الزمان من الذين لم يكونوا على مستوى مادي ميسور، كان أبناؤهم يتركون الكتّاب بعد ختم القرآن ويلبون رغبة آبائهم في تعلّم صنعة تكون لهم عوناً على إحتمال ضرورات العيش، بل إن كثيراً من الأهل كانوا يؤثرون أن يرسلوا أبنائهم إلى العمل ويتركونهم دون تعليم لإعتقادهم بأن (صنعة في اليد أمان من الفقر) كما كانوا يقولون.