حمَّال الأسيّة !
للكاتب والصحفي الكبير الراحل نبيل خوري من كتابه {آخر النهار}
نشر هذا المقال في صحيفة النهار بتاريخ 19/2/1994
تعودنا أن نلقي همومنا على جامعة الدول العربيّة، إنها {حمَّال الأسيّة}، نهرع إليها إذا تعثرت بنا الأحوال، وضاقت بنا الدنيا، وأنقطع حبل الوصال في ما بيننا، أو أطلت علينا ضائقة لا نفع في حلها إلاّ إذا تشاورنا واتفقنا على طرق معالجتها {بالإجماع}.
وتعودنا أيضاً أن نقنع من حولها بالوسط، فهي تؤمن إيماناً قدرياً بأن {خير الأمور الوسط}، فإذا إنفجرت مشكلة ولم يتم الإجماع عليها أجّلتها، وإن هي استفحلت {نيمتها}، وإذا استمرت تجاهلتها، وإذا تفاقمت تناستها.
ومع ذلك تبقى هي الملجأ، وتبقى هي البيت، نهرب إليه عندما تتساقط علينا الهموم والمشاكل والقضايا كالقنابل، ونحتمي به من عائلات الزمن.
مشكلتها مع العرب الذين تجمعهم، أنهم يقررون ولا ينفذون.
وإلاّ، فأين المعاهدات وإتفاقات الدفاع العربي المشترك، والتكامل الإقتصادي، والتنسيق الأمني والثقافي والإعلامي والتربوي، وعشرات بل مئات القرارات التي يضيق بها أرشيف بناء الجامعة العربيّة الأنيق في القاهرة ؟
ليس اصطلاح لبناني في اللهجة الدارجة وترجمته : المهم أو الخلاصة.
ليس ...
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أحدث مطلع الستينيات نقلة نوعية في عمل الجامعة، عندما قفز فوق رأس أمينها العام والمندوبين الدائمين والمؤقتين وكل أجهزتها البيروقراطيّة، ودعا عبر خطاب عام نقل إذاعيّاً على الهواء مباشرة، قادة العرب ورؤساءهم وملوكهم إلى عقد ما سماه مؤتمر القمة في رحاب الجامعة.
وفي أيام، بل في ساعات، كان قادة العرب ورؤساءهم وملوكهم يستجيبون للدعوة بمن في ذلك أولئك الذين كانوا على خلاف كبير مع عبد الناصر، وأذكر أنني كنت في مطار القاهرة عندما وصل إليها الملك السعودي الراحل سعود بن عبد العزيز، الذي فاجأ الرئيس المصري قبل أن يصافحه ببيت الشعر القائل :
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
كان ذلك في العام 1964. وكان لقاء القمة الأول بعد لقاء القمة التأسيسي في أنشاص بمصر العام 1945، والذي أنشئت فيه الجامعة وحضره سبعة حكّم عرب.
تسعة عشر عاماً مرت بين القمة الأولى {إذا صحت التسمية} العام 1945، والقمة الثانية العام 1964، وأذكر يومها وكنت عضواً في الوفد اللبناني كيف أن نصف الجلسة الأولى خصص للتعارف... لأن معظم القادة العرب لا قلة منهم، كانوا لا يعرفون بعضهم بعضاً، ويلتقون للمرة الأولى، ومنهم من كان قد قفز إلى الحكم قبل أشهر فقط. ومهما مر الزمن فلن يغيب عن ذاكرتي وفكري وقلبي معاً منظر كل حكّام العرب وهم يسيرون جنباً إلى جنب ويداً بيد من فندق {هيلتون} حيث يقيمون إلى مقر الجامعة حيث تعقد الإجتماعات، والناس يستقبلونهم بالدمع والرياحين والزغاريد!
في هذه القمة أقرّت خطة تحويل روافد نهر الأردن، وما يترتب على ذلك من إلتزامات ماليّة وعسكريّة، وتمَّ فيها ما يمكن أن يُسمى إحياء معاهدة الدفاع المشترك، كي تدافع عن تنفيذ خطة التحويل إذا ما حاولت إسرائيل منعها بالقوة، وهذا ما حصل فعلاً، وام تستطع معاهدة الدفاع ... أن تدافع!
وحتى العام 1990، موعد آخر قمة، عقد 17 مؤتمر قمة بين عادي، وغير عادي، وطارئ وطارئ جداً، وإستثنائي.
من المقررات في هذه القمم ما هو عادي، ومنها ما هو غير عادي، ومنها ما هو أكثر من ذلك، ومنها ما ساهم في صنع الأحداث بل التاريخ.
فقرار إنشاء منظمة التحرير الفلسطينيّة {قمة الإسكندرية العام 1964} والذي أتبع بعد سنوات بتكريسها ممثلاً شرعيّاً وحيداً للشعب الفلسطيني {قمة الرباط العام 1974} قرار غير عادي، وساهم حتماً في صنع الأحداث والتاريخ.
وكذلك قرار اللاءات العربيّة الثلاث {لا للتفاوض، لا للإعتراف، لا للصلح}، في الخرطوم بعد هزيمة ونكسة وكارثة حرب العام1967، أصبح هو السياسة العربيّة المعتمدة والوحيدة تجاه إسرائيل.
وقرارات قمتي القاهرة والرياض {فصلت بينهما أيام فقط العام 1976} كان لها الأثر الأكبر في الموقف العربي من مسار الأحداث الدامية والمدمرة في لبنان، ومن مقررات القمة الثانية إنشاء {قوة الردع العربيّة}.
وقمة بغداد العام 1978 التي عزلت مصر وأخرجتها من الجامعة بعد إتفاق كامب دايفيد كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ العرب.
ومشروع الملك فهد بن عبد العزيز للسلام في قمة فاس 1981، الذي لو أخذ به لكان السلام قد طرق أبواب المنطقة مذ ذاك.
وفي الدار البيضاء 1985 كان قرار وقوف العرب مع العراق في حربه ضد إيران.
ثم {وعذراً للقفز} قمة القاهرة 1990، ووقوف العرب ضد العراق إثر إحتلال الكويت، وما بينهما قمم عادية بعضها أيّد {لفظياً} الإنتفاضة الفلسطينيّة في الأراضي المحتلة، وبعضها غرق في عموميات التعايش والتضامن والتعاضد والتكاتف والتساند والتلاحم والتكامل العربي، ثم لا تكاتف ولا تضامن ولا تعاضد ولا تساند ولا تلاحم ولا تكامل.
بعد حرب الخليج وقمة حرب الخليج 1990، أجرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح، ونامت القمة ومشاريع عقد القمة، لأن الحرب المشؤومة {خبطت} العرب بعضهم ببعض كما لم يحصل من قبل ... وجاء الأمين العام الجديد للجامعة الدكتور عصمت عبد المجيد يرفع شعار {المصارحة قبل المصالحة}، في محاولة للملمة شمل ما بقي من العلاقات العربيّة ـ العربيّة.
من يومها، العام 1991، لم تحصل المصارحة وتالياً المصالحة.
لكن حرب الخليج لم تقتصر في نتائجها على ضرب العلاقات العربيّة ـ العربيّة، بل تعدتها إلى المشروع الأهم في تاريخ العرب منذ العام 1948، وهو المشروع الأميركي الذي طرحه الرئيس المنتصر جورج بوش ونتج منه مؤتمر مدريد: مؤتمر الصلح والسلام والوئام {ونكاد نقول الهيام} والتطبيع بين العرب وإسرائيل.
منذ عقد مؤتمر مدريد وما تبعه من مفاوضات مباشرة ومتعددة بيننا وبين إسرائيل، ونحن نعيش حقبة مؤتمر مدريد. وأفكار مؤتمر مدريد لا تطاول الدول العربيّة المعنية والتي تتفاوض فقط، بل تطاول كل العرب في المشرق والمغرب معاً.
فالمطلوب ليس الصلح والسلام بين سوريا ولبنان والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينيّة، وإسرائيل فقط، بل صلح وسلام يضمّان كل دول الرب الواحدة والعشرين وإسرائيل، والدليل أن الضغط الهائل الذي يمارس الآن لإنهاء المقاطعة العربيّة الإقتصاديّة لإسرائيل تتعرض له دول الخليج قبل دول المواجهة.
حدثان زلزلا المنطقة في نصف القرن الماضي.
أحدهما: إنشاء إسرائيل وقد قاومنا هذا الحث بالحروب والمال والدم والتظاهرات وأيضاً بالكتب والمقالات ومئات الآلاف من الشهداء والأرامل والأيتام .... وبمؤتمرات القمة.
والثاني: وهو ما يجري الآن ـ محاولة إلغاء كل تاريخنا معها، خطوة للإعتراف بها وقبولها دولة شرعية آمنة مستقرة بيننا.
سؤالنا البسيط ألا يستحق الحدث الثاني مؤتمر قمة ؟.
تاريخ القمم العربية بدأ بعد قمة أنشاص
بدأ تاريخ القمم العربية منذ مايو/ أيار من عام 46 بانعقاد قمة أنشاص الطارئة لمناصرة القضية الفلسطين، تلتها بعد عقد تقريبا قمة بيروت الطارئة أيضا في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 56 لدعم مصر ضد ما عرف فيما بعد بالعدوان الثلاثي
إلا أن تاريخ القمم العربية، بوصفها مؤسسة سياسية، بدأ فعليا في عام 64 مع التآم القمة العربية الأولى في العاصمة المصرية، لتليها 12 قمة عادية وسبعة مؤتمرات قمة طارئة كان آخرها مؤتمر القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي لدعم الانتفاضة الفلسطينية
وفيما يلي ملخص بمؤتمرات القمة العربية التي عقدت منذ انشاص وحتى القاهرة:
· قمة انشاص: عقدت في مايو/ أيار من عام 46 وركزت على قضية فلسطين وعروبتها، واعتبرتها في قلب القضايا العربية القومية، إلى جانب مساعدة الشعوب العربية على نيل استقلالها من المستعمر
· قمة بيروت: عقدت في نوفمبر من عام 56 ودعت في بيانها الختامي إلى مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي، وسيادتها على قناة السويس، وتأييد نضال الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي
· قمة الاسكندرية: عقدت في سبتمبر/ أيلول من عام 64 ودعت إلى دعم التضامن العربي وتحديد الهدف القومي ومواجهة التحديات، والترحيب بمنظمة التحرير الفلسطينية
· قمة الدار البيضاء: وعقدت في سبتمبر/ أيلول من عام خمسة وستين وقررت الالتزام بميثاق التضامن العربي، ودعم قضية فلسطين عربيا ودوليا، والتخلي عن سياسة القوة وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية، وتصفية القواعد الأجنبية وتأييد نزع السلاح
· قمة الخرطوم: وعقدت أغسطس/ آب وأيلول من عام 67 ودعت إلى إزالة آثار العدوان الإسرائيلي، واللاءات الثلاث وهي لا صلح، ولا تفاوض مع اسرائيل، ولا اعتراف بها، والاستمرار في تصدير النفط إلى الخارج
· قمة الرباط: وعقدت في ديسمبر/ كانون الأول من عام 69 ودعت إلى إنهاء العمليات العسكرية في الأردن بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات المسلحة الأردنية، ودعم الثورة الفلسطينية
· قمة الجزائر: وعقدت في نوفمبر من عام 73 وقالت باستحالة فرض حل على العرب، في اعقاب حرب أكتوبر التي اعتبرتها القمة نتيجة حتمية لسياسة إسرائيل العدوانية
· قمة الرباط: عقدت في نوفمبر من عام 74 ووضعت أسس العمل العربي المشترك، والالتزام باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، واعتماد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني
· قمة الرياض السداسية غير العادية: وعقدت في أكتوبر من عام 76 ودعت إلى وقف اطلاق النار في لبنان وإعادة الحياة الطبيعية إليه واحترام سيادته ورفض تقسيمه، وإعادة اعماره، وتشكيل لجنة عربية لتنفيذ اتفاقية القاهرة
· قمة القاهرة: وعقدت في أكتوبر من عام 76 وصدقت على قرارات قمة الرياض السداسية
· قمة بغداد: وعقدت في مايو من عام 78 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل، ونقل مقر الجامعة العربية وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها
· قمة تونس: وعقدت في نوفمبر من عام 79 وأكدت على تطبيق المقاطعة على مصر، ومنع تزويد إسرائيل بمياه النيل، وإدانة سياسة الولايات المتحدة وتأييدها لإسرائيل
· قمة عمان: وعقدت في نوفمبر من عام 80 وقالت إن قرار مجلس الامن 242 لا يشكل أساسا صالحا للحل في المنطقة، ودعت إلى تسوية الخلافات العربية
· قمة فاس: وعقدت في نوفمبر من عام 81 وبحثت في مشروع السلام العربي، والموقف العربي من الحرب العراقية الإيرانية، وموضوع القرن الإفريقي
· قمة الدار البيضاء غير العادية: وعقدت في اغسطس من عام 85 وبحثت القضية الفلسطينية، وتدهور الاوضاع في لبنان، والارهاب الدولي
· قمة عمان غير العادية: وعقدت في نوفمبر من عام 87 وبحثت موضوع الحرب العراقية الإيرانية والتضامن مع العراق، والنزاع العربي الإسرائيلي، وموضوع عودة مصر إلى الصف العربي
· قمة الجزائر غير العادية: وعقدت في يونيو/حزيران من عام 88 ودعت إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وبحثت موضوع المؤتمر الدولي حول السلام، والسياسة الأمريكية وقضية فلسطين
· قمة الدار البيضاء غير العادية: وعقدت في مايو من عام 89 واعادت مصر إلى عضوية الجامعة العربية، وبحث قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والمؤتمر الدولي للسلام، وتشكيل لجنة لحل الأزمة اللبنانية، والتضامن مع العراق
· قمة بغداد غير العادية: وعقدت في مايو من عام 90 واعتبرت القدس عاصمة لدولة فلسطين، ودعم قيام اليمن الموحد، والتحذير من تصاعد موجات الهجرة اليهودية إلى وخطورتها على الامن القومي العربي، وإدانة قرار الكونغرس الامريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل
· قمة القاهرة غير العادية: وعقدت في أكتوبر من عام 90 وأدانت العدوان العراقي على الكويت، وأكدت سيادة الكويت، وشجب التهديدات العراقية للدول الخليجية
· قمة القاهرة غير العادية التي عقدت في يونيو من عام ستة وتسعين ودعمت جهود السلام على اساس قرارات مجلس الامن الدولي، ودعم اتفاق العراق مع الامم المتحدة حول برنامج النفط مقابل الغذاء
· أما المؤتمر الأخير فقد كان قمة القاهرة غير العادية في اكتوبر من العام الماضي، ودعت إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية، وتقرر فيها إنشاء صندوق دعم القدس.