الجنوب في بيروت يميناً وشمالاً
الجنوب في بيروت يميناً وشمالاً
للكاتب والصحفي الأستاذ سمير عطا الله
سئل الرئيس تقي الدين الصلح في الاربعينات: «لماذا انتقلت العائلة من صيدا إلى بيروت؟» فأجاب بواحدة من لمحاته الشهيرة: «انتقل الحكم الى بيروت، فاضطررنا الى الانتقال ايضاً». ويوم الاحد الفائت كان رفيق الحريري، ابن صيدا الذي ذهب الى السعودية مدرساً براتب 600 ريال في الشهر، يسقطُ في بيروت ممثلي عائلاتها التقليدية القديمة: الرئيس سليم الحص، تمام صائب سلام، ومحمد يوسف بيضون، وريث اقدم العائلات السياسية الشيعية في العاصمة.
تبدو مسيرة الرئيس الحريري من حي بسيط في صيدا القديمة الى قصر منيف في بيروت الحديثة، اشهر رحلة سياسية في تاريخ لبنان. فهو اول زعيم سياسي يجتاح بيروت، التي ظلت طوال قرن تقسم ولاءها بين بضع عائلات سنية، وهو اول معارض يحصد في بيروت مقاعد جميع الطوائف، بما فيها المقعد الماروني الذي تنافس عليه في الماضي «الكتائب» و«الكتلة الوطنية». وهو الى ذلك، اول من يجمع بيروت كلها في كتلة نيابية واحدة، مجزئاً للمرة الاولى، ما يعرف «بالالتزام» الارمني المشهور بالتصويت صفاً واحداً خلف الدولة.
طبعاً لم يحدث شيء بالصدفة. فالرجل الذي اصبح اغنى رجال لبنان، لم يصل الى الثروة فقط بسبب هذا القدر من الحظ وانما بسبب قدر اكبر من العمل والطموح. وعندما قرر نقل هويته السياسية من مدينته صيدا الى العاصمة، فعل ذلك مدركاً ان الزعيم الذي يحصد بيروت يحصد رئاسة مجلس الوزراء. لكن لا هو ولا احد في لبنان كان يعتقد انه في اقل من عشر سنوات سوف يهزم الزعامات المنافسة في الجنوب والشمال و بيروت، وان كتلته النيابية لن تقتصر على بيروت بل ستشمل لبنان كله.
يبدو انتصار رفيق الحريري، في حجمه غير المألوف، جزءاً من طاقة شخصية لا حد لها. ويبدو من حجم الاقتراع والفارق الكبير في الاصوات، ان الاكثرية اقترعت الى جانبه وضد منافسيه في وقت واحد. وقد تعدى سقوط الرئيس سليم الحص والنائب تمام سلام كل التوقعات والترجيحات. واذ خسرا بيروت، فقدا معاً الاهلية التلقائية لرئاسة الحكومة. وكان المنافس الآخر الرئيس عمر كرامي في الشمال، قد فقد كتلته واستعاد مقعده بصعوبة واضحة، فيما فاز مرشح الحريري في طرابلس «منفرداً» اي حتى من دون دعم اللائحة.
اما وقد انتهت المعركة الانتخابية الى اربع سنوات مقبلة، فالواضح ان الحريري هو الرابح الاكبر. ذلك ان حركة «أمل» و«حزب الله» استعادا قوتهما السابقة في البرلمان. وكذلك فعل وليد جنبلاط، ولو على نحو اكثر وقعاً من الدورة الماضية، وفي البقاع لم يتغير شيء في التيار الرئيسي. وبذلك بدا الحريري منتصراً بما حصد لنفسه وبما اقصى من منافسين. واذ خسر آل سلام مقعدهم للمرة الاولى منذ الحكم التركي، غابت، ربما الى مدى طويل، زعامات تقليدية كثيرة: في طليعتها آل الاسعد في الجنوب بعد الهزيمة العددية التي الحقت بكامل بك وتراجع حزب الكتائب على نحو قاس، وخسرت عائلة المرعبي موقعها في عكار وخرج من المجلس، بالانسحاب او الهزيمة، ثلاثة نواب مثيرين للعواصف: نجاح واكيم، زاهر الخطيب، ايلي حبيقة. وكان واكيم والخطيب من اقسى معارضي الحريري.