ودعاً..... أيها الكذب
ودعاً..... أيها الكذب !
للكاتب و الصحفي الكبير الراحل نبيل خوري من كتابه {المرافئ القديمة}
في إفتتاحية مجلة المستقبل بتاريخ 1973/10/12
بعد هزيمة حزيران كثر الحديث عن {دور الإعلام العربي في الهزيمة}!
وقد ضخم هذا {الدور} إلى درجة أن الكثيرين اعتبروا الإعلام العربي ... {مسؤولاً عن الهزيمة}. وبعضهم ذهب إلى حد أعتباره {المسؤول الوحيد عن الهزيمة} !
بعد خروجي من القدس، حيث عشت الهزيمة بكل أبعادها، وخلال وجودي في الكويت، أجرت معي الإذاعة الكويتيّة مقابلة إذاعيّة.
يومها لم يجد المذيع سؤالاً يفتتح المقابلة إلا السؤال {التقليدي} وهو : {ما هو رأيك في دور الإعلام العربي في الهزيمة}؟
وأنتظر المذيع أن أشرح له، وأستفيض في الشرح عن هذا الدور {وما دام الإعلام العربي قد اعتبر هو الضحية في الهزيمة فَلِمَ أساهم في ذبحه؟!}، لكنه فوجىء عندما كان جوابي سؤالاً له، قلت : {أريد أن أسألك، لو كان الإعلام العربي جيداً ... أكنا أنتصرنا في المعركة؟؟}. وسكت المذيع، لأن السؤال كان أكبر منه !
يومها أردت أن أقول للمذيع، الذي إنساق مع حكاية {دور الإعلام العربي في الهزيمة}، إنني أعتقد أن الإعلام في العالم العبي هو مجرد {ظل}، إنه يعكس الهزيمة تماماً كما يعكس النصر، ةإن دوره لا يتعدى دور الصدى، وما ذنب أحمد سعيد {الذي أعتبر مسؤولاً أولاً عن الهزيمة} إذا هو أذاع {إننا أسقطنا ألف طائرة} .... بينما الواقع هو عكس ذلك !؟
لقد ظلّ غوبلز {وزير الدعاية في أيام هتلر} أسطورة إعلاميّة، وأصبح له مدرسة اسمها {أكذب ثم أكذب ثم أكذب، فلا بدّ من أن يصدق الناس في النهاية}. وظلّ غوبلز {يكذب} والناس يصدقونه طالما كان هتلر منتصراً، فلما سقط هتلر، وإنهزمت النازية أصبح غوبلز ومدرسته مضحكة الناس !
إن النصر هو الذي يصنع الإعلام الجيد ... والهزيمة هي التي تفرض الإعلام السيء {إذا صح التعبير}.
وما يقال عن غوبلز يقال عن جميع {المنتصرين}.
كانت صحافة أميركا تطلق عل أبا إيبان إسم {الساحر}.
وكانت تقول إن رئيس الجمهوريّة الأميركيّة السابق ليندون جونسون كان يلغي جميع مواعيده للإستماع إلى {الساحر أبا إيبان} عندما يتحدث من التلفزيون.
منذ مساء السبت ـ وفجأة ـ فقد أبا إيبان سحره، بل على العكس أصبح يتهم بالسخف، وأصبح الساحر هو وزير خارجية مصر محمد حسن الزيّات.
السر يكمن في كلمة واحدة هي السحر، إسم الكلمة : النصر.
قبل أيام، مَنْ هو العربي الذي كان على أستعداد لسماع نشيد أو أغنية وطنيّة واحدة من الإذاعات العربيّة، سواء أكانت {راجعين بقوة السلاح} أم كانت {أصبح عندي اليوم بندقيّة} ؟
على العكس لقد كان يكره سماعها لأنها كانت تذكره بالهزيمة.
اليوم هو ليس فقط يستمع إليها، لقد بدأ يكتشف في كلماتها معاني جديدة لم يكن يعرفها من قبل، لقد قلب {النصر} كل شيء ...
حتى ظهر السبت في 6 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 كان المواطن العربي على إستعداد {لتصديق} كل ما تقوله إذاعة إسرائيل! كانت منتصرة. وفي خلال ساعات سقط كل {إعلام إسرائيل}، وسقطت إذاعته، وسقطت أقوال ناطقه العسكري {الجنرال هرتزوغ}، لقد هُزمت إسرائيل، فلم يستطع إعلامها أن يحقق لها النصر ... حنى النصر الوهمي!
بعد إنتهاء حرب فيتنام ألقى المعلّق الأميركي الشهير في جريدة {النيويورك تايمز} سولز برغر محاضرة في نقابة الصحافة الأميركيّة قال فيها {إن مجموع ما ورد في البلاغات العسكريّة الأميركيّة من قتلى فيتناميين شماليين وفيتكونغ يتعدى ثلاث مرات مجمل سكان الهند الصينيّة كلها. وإن الصحافة الأميركيّة كانت تنشر كل هذه البلاغات إما لشعورها بشيء من الواجب الوطني رغم كشفها للكذب وإما لقلة فهم لما يجري}.
هذا ما قاله سولز برغر ... ولكن هل أنقذ هذا {الكذب} أميركا ... من الهزيمة ؟؟
الحمد لله أن الإعلام العربي ـ هذه المرة ـ لم يعد بحاجة إلى الكذب. لقد ترك هذه {المهمة} للإعلام الصهيوني {في أميركا وإسرائيل}. والذي يطلع على الصحف الأميركيّة والإسرائيليّة هذه أيام يترحم كثيراً على الطيب الذكر الهر {غوبلز} الذي أنهى حياته ... منتحراً !!
استمعوا جيداً إلى إذاعة إسرائيل، واقرأوا صحف أميركا، فكلما ازداد كذب الإعلام الإسرائيلي {والأميركي} كلما أقترب يوم النصر العربي !
وغداً سيسألون بعضهم في إسرائيل : {مما هو دور الإعلام الإسرائيلي في الهزيمة ؟؟}