الإنزلاق يستمر 

بقلم الصحافي الراحل كامل مروة

قُل كلمتك وأمشِ

في إفتتاحية صحيفة الحياة يوم الثلاثاء في 17 آب 1948 العدد 696

سياسة الإنزلاق ... أعوذ بالله من سياسة الإنزلاق، كم حذَّرنا منها، وما نزال نحذِّر، ومع ذلك نستمر فيها بلا وعي ولا تفكير، تصور أيها القارىء الشوط الواسع الذي قطعناه في هذه السياسة خلال عشرين أسبوعاً، ففي أيار كانت الدول العربيّة تقول :

{لا نقبل بأقل من إحتلال فلسطين وإلقاء الصهاينة في البحر !}

أما اليوم فاقصى ما تقوله ـ وتفعله ـ هو

{نناشدكم بالله إعادة عرب فلسطين إلى ديارهم !}

وفيما نستمر نحن في الإنزلاق، يستمر العدو في إتجاه عكسي تماماً، ففي أيار كان بن غوريون يقول :

{لا نطلب أكثر من الحدود التي عينتها لنا الأمم المتحدة في قرار التقسيم !}

واليوم، بعد أسابيع قليلة يطلب بن غوريون ضمّ القدس، وتوسيع حدود اليهود في إتجاهات أخرى، ثم يصر على سحب الجيوش العربيّة، وإذا لزم الأمر {طردها} بقوة اليهود !.

ومن الطبيعي أن يحاول اليهود إستثمار الموقف لتوطيد دعائم دولتهم بصورة نهائيّة قبل أن تجرى إنتخابات الرئاسة الأميركيّة في تشرين الثاني، ويتبدل بعدها ـ كما هو منتظر ـ موقف الولايات المتحدة، والمهم في الأمر أن اليهود يطلبون سحب الجيوش لغاية مزدوجة :

بسط سلطانهم على فلسطين كلها، إذ تصبح فلسطين بعد إنسحاب الجيوش العربيّة إلى حدودها، بقطع حلقات التعاون العسكري القائم بين الجيوش المرابطة في فلسطين، فيعود المصريون والعراقيون مئات الكيلومترات إلى الوراء، وتصبح قوى العدو مرابطة على حدودنا، متأهبة لمهاجمتنا دولة بعد دولة ! .

سياسة الإنزلاق ... أعوذ بالله منها، لقد جرّتنا إلى شفير الهاوية، ولم يبق بيننا وبين القعر إلا القليل القليل ! .