بـيـروت
للكاتبة أمل التلاوي
تضرب بجذورها حنايا الفكر ... و تسترجع إشراقة وجهها الحضاري...
و تنهض بيروت كعاصمة ثقافية عربية تستقبل أفواج العائدين
و يداعب الصوت الرخيم أوتار القلوب ... يحمل ذاكرة الإنسان نحو الماضي القريب ... و تنطلق القيثارة تعزف أجمل لحن يعبر عن معاني لا يدرك أبعادها إلا من أضناه البعد عن وطنه ... تتحدث ... عن الشوق و الحنين إلى الوطن ... و يصدح بلبل لبنان ... فيروز بغنوة تعبر عما في قلب كل لبناني و عربي من مشاعر صادقة تجاه لبنان ... بحبك يا لبنان يا وطني ... بحبك في جبالك و بسهولك بحبك يا لبنان يا وطني ...
و رغم جراح بيروت ، و ما عانته من عقوق أبنائها ، إلا أنها اليوم تتطلع نحو المستقبل من خلال إشراقة تضيء وجهها بنور الأمل ... و تنهض بيروت كعاصمة عربية ثقافية ، لم يؤثر فيها نيران حرب مجنونة أطلقها من سار وراء العدم الفكري ... تنهض ... تداوي نزيف الألم ... و تمسح دموع الأسى ... و تتطلع نحو مستقبل مشرق و هي تفتح ذراعيها للعائدين تضمهم بكل ما يربط بينها و بين الإنسان اللبناني و العربي من حنين و محبة و شوق ! و تهتف تناديهم لمشاركة لتحقيق حلمها نحو الازدهار ّ و قد انطلقت شعلة الثقافة و الفكر و العطاء في كل الميادين لإستعادة ذاكرة المدينة مجددا من خلال العزف على أوتار الحنين حيث جدائل النور التي تعمق الوعي في الوجدان
و يرتفع الصوت مجددا يشدو ...
يا هوى بيروت يا هوى الأيام
أرجعي يا بيروت ترجع الأيام !!
و تعلن بيروت قيامها من جديد بعد ست عشرة سنة من حرب أصاب طير الفنيق ... و النسر العربي اللبناني ينهض شامخا متطلعا نحو المستقبل ... لتندفع سواعد أبنائها الذين يتدثرون بحضارات تاريخية تربط بيروت عاصمة لبنان بالتاريخ
و تنهض بيروت من جديد ، تنهض من خلال إشراقة تتطلع بشوق إلى من هجرها بعيدا نحو غربة لم توقف مشاعر الحنين التي تتدفق في أعماقهم ... و تدعوهم إلى الإسراع في لم شمل المشاعر و التعامل مع الوطن لاسترجاعه كقلعة للديمقراطية ، و قاعدة لذكريات ، يتنسم أبناؤها روائح شوارعها ... و يغوصون بعيونهم وراء أمل ينهلون من مياه ذاكرته أمل المستقبل الذي يحمل الشوق نحو العاصمة التي لها مكانتها عبر الأزمنة ... بيروت تنادي من اجل وحدة شعب يسهم في عطائه لكي تعود إلى النور و تمارس دورها الحضاري في العالم الفسيح .
المعروف إن لبنان يعتبر ملتقى الحضارات و بوابة الشرق ، بل و قلب العالم العربي الذي لا يتوقف عن النبض .. وكلمة لبنان بالارامية تعني الأبيض ... بسبب بياض جباله التي تكسوها الثلوج معظم أيام السنة ، و لبنان عبر العصور يتميز بموقع جعله قبلة السياحة العربية و العالمية على حد سواء ، يقع على الشاطئ الشرقي من البحر الأبيض المتوسط ، و يضم السهل الساحلي أبرز المدن منها العاصمة بيروت ، طرابلس ، جبيل ، جونية ، صيدا و صور ... إضافة إلى ما يعرف عن لبنان بالمناخ المعتدل ... والجبال الشاهقة التي يرتفع بعضها اكثر من ثلاثة آلاف قدم عن سطح البحر ، و أشهر قمم هذه الجبال ، القرنة السوداء و فم الميزاب ، و تغطيها الثلوج طوال أيام السنة حيث تشرف على غابة الأرز الشهيرة ... الغابة التي تعتبر رمز لبنان " سويسرا الشرق " حيث الجبال التي ترتفع بكبرياء تمثل صفحات تاريخ عريق و بخضرته اليانعة ... و روابيه و غاباته و أحرجه و مائة العذب الذي يتدفق من شلالاته ... بمدنه و قراه الجميلة التي يسعى إليها المصطاف حيث يشعر بالراحة و الاطمئنان وهو ينهل من كرم اللبناني الذي اشتهر بحسن الضيافة بعفوية صادقة ...
و من أهم مدن الاصطياف في لبنان أهدن و بشرى وسير الضنية و بخعون و بيت شباب و بكفيا و بيت مري و برمانا و بحمدون و عالية و صوفر و حمانا و سوق الغرب و عيناب ... وهذا قليل من كثر
إنه لبنان العريق في التاريخ ... أتساس حضارة حديثة مستمدة عن حضارات إنسانية ازدهرت في ربوعه و تفاعلت مع العالم القديم و ساهمت في اغنائه عبر التاريخ ... و هل هناك من لم يسمع بهياكل بعلبك الذي يضم في العهد الفينيقي هيكل ( بعل اله الفينيقيين ) و أطلق عليه اسم بعل بوكاس أي إله البقاع .. و هيكل جوبيتر و باخوس المعروفة بفخامتها ... و هناك المهرجانات الدولية التي كانت تقام كل سنة في هذا المكان حيث هياكل بعلبك يشارك فيها الفرق الموسيقية العالمية و العربية ... و أثار عنجر ، الأثر الأموي الوحيد في لبنان الذي بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 700 ميلادية على طراز المدن الأموية و قلعة صيدا التي بناها الفينيقيون في مطلق القرن الثالث عشر قبل الميلاد و أثار صور التاريخية المدينة التي تحدت الغزاة عبر التاريخ و تضم أهم الآثار التي يفخر بها لبنان ... إضافة إلي الملعب الروماني المترامي الأطراف بشرفاته الرائعة ... و أثار طرابلس القديمة التي تضم الآثار المملوكية و العديد من المساجد الأثرية و المدارس و الحمامات و قلعة طرابلس الصليبية التي بناها الأمير الفرنسي ( سان جيل ) في بداية القرن الثاني عشر ... و هناك قصر بيت الدين الذي يطلق عليه قصر الشعب و بناه الأمير بشير الشهابي في مطلق القرن التاسع عشر على صخرة مشرفة على منحدر عميق حيث يعتبر من أروع الفنون الهندسية الشرقية ... و يتميز لبنان بإطلالة جبيل أو ما يعرف باسم بيبلوس و هي مدينة تعتبر من أقدم مدن العالم و أعظمها حيث تعود أثارها إلى الألف الرابع قبل الميلاد لتكون شاهدا على حضارات عريقة للأموريين و الحثيين و الفراعنة و الفينيقيين و الأغريق و الرومان وصولا الى العصور الوسطى .. و قلعة جبيل الصامدة عند الشاطئ قرب قبر الملك إحيرام ، تطل بكبرياء و فخر على بقايا مسارح رومانية و هياكل تاريخية عريقة ... و في الشمال غابة الأرز ... الذي أتخذ منها لبنان شعاره ... و عند سفوح الغابة في بلدة بشرى يرقد جبران خليل جبران شاعر و فيلسوف و أبرز رجالات لبنان
إنه الأمل ... الذي يدفق في أعماق العائدين كشلالات وهم يراقبون المدينة العائدة من الظلام الى النور ... من حرب لم يستطع أن يقضي على كبرائها التي تحمل الذكريات ليستكينوا بين ذراعيها يمسحون عن وجهها دموع الألم التي تسبح على وجوه أضناها الشوق لشواطئ البحر في بيروت الذي تهدر أمواجه كنغمات تداعب أوتار القلوب حيث الشمس تعانق مياهه صباح مساء تدعو إلى أمل جديد
و تعود بيروت كأغنية جميلة يتغنى بها القلب تدعو سواعد أبنائها للعمل من اجل تدفق الحياة في قلبها النابض بالحب و هي تفتح ذراعيها لمن هجرها خوفا من الدمار المجنون ... تدعو الأبناء إلي العمل من أجل سلام يضع حدا لغربة قاسية إلى القلوب ، و المغترب يترنم بآهات تحمل في طياتها الحنين و الشوق إلى لبنان من خلال عودة دائمة صوب مشاعر الأمن و الإحساس بضرورة العمل على استقرار الوطن
و يرتفع من جديد الصوت الذي لم يوقفه البعد عن التغني بجمال لبنان ... يبثه الحنين و الشوق ... بحبك يا لبنان يا وطني ... و يا هوى بيروت .. يا هوى الأيام ... أرجعي يا بيروت .. ترجع الأيام !!