بـيروت في ظلال التاريـخ   

قراءات في كتاب {بيروت تحت الحكم الصليبي}

بقلم الدكتور إبراهيم بن عبد الله السمارى

المؤلف: الدكتورة موضي عبدالله السرحان


هناك مدنٌ يفوح منها عبق التاريخ ولذا كانت شهرتها أكثر من شهرة دولها وحكامها، نظراً لما مرَّت به من أطوار تاريخية متعددة، وما شهدته أرضها من حضارات مختلفة، وما تميزت به تلك المدن من حيث الموقع الاستراتيجي أو الأحداث الخطيرة أو المناشط المعينة دينية أو اقتصادية أو علمية أو فنية أو غير ذلك.


ومدينة بيروت من تلك المدن المشهورة الضاربة في عمق التاريخ، ونهر شهرتها تصب فيه عدد من الروافد المتدفقة بالأهمية مثل موقعها الاستراتيجي، لكونها مدينة ساحلية تربط عدداً من القارات، وما شهدته من أحداث تاريخية في العصور السالفة؛ حيث اكتسبت تلك الاحداث أهمية تاريخية عظمى، وحظيت بدراسات علمية جادة، مثل الحملات الصليبية، ولا ريب أن لمدينة بيروت حضوراً في جوانب اجماعية وإنسانية متعددة، مما هو خارجٌ عن موضوع هذا المقال.


الكتاب الذي نحن بصدد تقديم قراءة موجزة له هو كتاب (بيروت تحت الحكم الصليبي وعلاقتها بالمسلمين 504 690
هـ/ 1110 1291م) لمؤلفته الدكتورة موضي عبدالله السرحان، التي علّلت في مقدمة كتابها سبب اختيارها موضوعه بأن منطقة الشرق الأدنى عرفت في العصر الوسيط العديد من الحركات الخطيرة والهامة التي كان لها الأثر الكبير في مجريات الاحداث التاريخية، وأن من أبرز حركات التاريخ الوسيط الحروب الصليبية، ومن أهم مدن الشرق الأدنى مدينة بيروت التي بسبب أهميتها الاستراتيجية وعلاقتها الوثيقة بمملكة بيت المقدس شهدت مسارح الاحداث فيها محاولات متكررة لاستيلاء الصليبيين عليها مند عام 493هـ 1099م حتى سيطروا عليها سنة 504هـ 1110م.


قسمت الدكتورة موضي كتابها تقسيماً زمنياً وموضوعياً في تمهيد وخمسة فصول ثم الخاتمة التي تضمنت نتائج البحث وثمرته.


قبل التمهيد بسطت المؤلفة القول في بيان كيفية استفادتها من مصادر بحثها في دراسة تحليلية لكل مصدر من المصادر الاساس التي اعتمدت عليها، ثم مهدت لبحثها بإلقاء الضوء على اسم مدينة بيروت ومصدر اشتقاقه وجغرافيتها وتاريخها منذ عهود الفراعنة والآشوريين والكلدانيين والفرس والرومان والعهد الاسلامي حتى وصول الحملات الصليبية الى الشرق كما تناولت الحالة السياسية والاجتماعية للعالمين الاسلامي والنصراني حين بدأت الحملة الصليبية.


وفي الفصل الأول تحدثت المؤلفة عن سقوط بيروت في يد الصليبيين عام 504
هـ 1110م راسمةً خط سير الحملة الصليبية الاولى التي مرّت بمدينة بيروت، وموقف السكان من هذه الحملة من أدلاء ومقاومين، وأهمية بيروت الساحلية في حماية جيوش الحملة السائرة بحذاء الساحل.


أما الفصل الثاني فقد (تناول فترة الحكم الصليبي الأولى لبيروت) والصراع بين المسلمين والصليبيين لحكم بيروت حيث أشارت المؤلفة الى إدراك صلاح الدين لأهمية بيروت عند الصليبيين من الناحية الاقتصادية ومن ثم سعيه للاستيلاء عليها حتى سقطت في يده. وكانت (فترة الحكم الصليبي الثانية لبيروت) هي موضوع الفصل الثالث والتي انتهت بنهاية العصر الأيوبي واستيلاء الصليبيين عليها، وموقف بيروت مما شهدته في هذه الحقبة التاريخية من تسلط أسرة إبلين اطاعية، وأزمة الامبراطور فردريك الثاني، وحملة لويس التاسع.


أما الفصل الرابع فكان عن (الجهاد ضد الصليبيين حتى استرداد بيروت 648 690
هـ/ 1259 1291م) فتحدثت المؤلفة عن سياسة الظاهر بيبرس وأثرها على مدينة بيروت، ومقارنتها بسياسة السلطان قلاوون وأثرها في سقوط هذه المدينة بيد المسلمين في عهد ابنه الاشرف خليل سنة 690هـ 1291م.


وعقدت المؤلفة الفصل الخامس للحديث عن {الأحوال الاقتصادية والنظام السياسي والأحوال الاجتماعية} مشيرة الى النشاط الزراعي والصناعي والتجاري المتميز لمدينة بيروت خلال الاطار الزمني للدراسة من خلال الحديث عن اثر الطبيعة الجغرافية لبيروت {السهول} في تنمية الثروة الزراعية والحيوان ية، كما تحدثت عن أهمية المواد الأولية المتوافرة في بيروت لقيام صناعات متنوعة مثل مناجم الحديد والصناعات المعدنية المتميزة، وصناعة السفن، والأدوات الحربية، والصناعات الخشبية، وصناعة السكر.


وفي الجانب الاجتماعي والعمراني تناولت المؤلفة فئات سكان بيروت وطبيعة العلاقة بينهم، وألقت الضوء على وضع المرأة في هذه المدينة من حيث العادات الاجتماعية واللباس وغير ذلك، كما تحدثت عن الطابع العمراني المتميز لمدينة بيروت.

تميز كتاب {بيروت تحت الحكم الصليبي} بالاسلوب السهل الشيق، وسلامة الربط بين رؤوس الموضوعات، مما جعله يبدو للقارئ عقداً متناسق الحلقات، ومما يحمد للمؤلفة استفادتها من معظم المصادر الغربية المكتوبة بلغتها الاصلية اللاتينية والفرنسية القديمة، التي ذكرت انها عانت كثيراً في سبيل ترجمتها الى اللغة العربية، لتكون مع المصادر الأجنبية المترجمة والمنشورة معيناً على فهم كثير من الاحداث وتفسير أسبابها وتحليل دوافعها وتلمس آثارها.وزان الكتاب الملاحق الأربعة عشر، التي جمعتها المؤلفة في نهايته، وهي عبارة عن عدد من الخرائط لبيروت والجزر التابعة لها وسير بعض الحملات العسكرية، وخطابات بعض قادتها وبعض نصوص الاتفاقيات مع دول وحكومات أخرى وبعض صناعاتها في حدود زمن الدراسة.