الشيخ محمد الحوت ( الكبير )
هو أبو عبد الله محمد بن درويش الحوت، إختلف في تحديد سنة ولادته، لكن الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي قال في الترجمة التي وضعها في أول كتاب (أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب) أنه ولد في بيروت سنة تسع بعد المائتين والألف من الهجرة، وقال الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر) إنه ولد سنة 1203هـ، بينما الزركلي في أعلامه لم يشر أصلاً إلى تاريخ ولادته.وعائلة الحوت من الأُسر البيروتيّة القديمة ويرجع نسبها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن الشيخ درويش الحوت والد الشيخ محمد الحوت كان من أكابر العلماء متضلعاً من المعقول والمنقول، جامعاً بين العلم والزهد. وولده الشيخ محمد والشيخ عبد الرحمن كانا من أهل العلم والصلاح والتقوى.
وقد ترجم للشيخ محمد الحوت (الكبير) تلميذه الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي، فقال إنه كان شافعي المذهب وهو حافظ لكتاب الله تعالى عن ظهر قلب، متضلعاً من المعقول والمنقول، جامعاً بين العلم والزهد وله اليد الطولى بتعليم العلوم الدينيّة، جليل القدر، مسموع الكلمة يعزّه أهل زمانه لعلمهم بتقواه وفضله ، له مروءة تامة بعمل الخير والسعي فيه ، يرغب الألفة بين العموم ، محافظاً على حقوق الإنسانيّة متصفاً بعلو الهمة ومكارم الأخلاق، يقول الحق ولا يخشى لومة لائم، وكان مكسبه من التجارة رغبة بالإستغناء عن الاحتياج للناس، ومتقشفاً بملابسه إعراضاً عن زهو الدنيا ، صوفي المشرب.
بدأ دروسه في بيروت فقرأ على مفتيها في زمانه الشيخ عبد اللطيف فتح الله المفتي وحفظ القرآن الكريم إتقاناً واستظهاراً وترتيلاً على الشيخ علي الفاخوري والد الشيخ عبد الباسط الفاخوري، وسمع علوم التوحيد على العلامة الشيخ محمد المسيري الإسكندري الذي توطّن بيروت في آخر عمره كما درس عليه شرح الخلاصة النحويّة وغيرها من العلو .
إنتقل الشيخ محمد الحوت إلى دمشق في طلب العلم وذلك سنة 1228م وقرأ فيها على جملة من علمائها الأفاضل، منهم الشيخ محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم بن نجم الدين بن محمد صلاح الدين الشهير بعابدين المعروف بابن عابدين صاحب كتاب (رد المحتار على الدار المختار شرح تنوير الأبصار) ويعرف بحاشية إبن عابدين في الفقه الحنفي ومنهم الشيخ محمد بن الشيخ عبد الرحمن الكزبري، وكان يحضر عليه تحت قبة النسر في جامع بني أميّة ويسمع عليه الحديث الشريف، كما حضر على أبيه الشيخ عبد الرحمن الكزبري تحت القبة المذكورة وسمع عليه الحديث الشريف.
وعندما استشرى خطر الإرساليات الأجنبيّة في البلاد في أواسط القرن التاسع عشر وتعرض ناشئة المسلمين للوقوع تحت سلطان الغزو الفكري في دينهم وثقافتهم نهض الشيخ محمد الحوت لدرء هذه الغارة التبشيريّة والحّد من أذاها في الأوساط البيروتيّة بالتعاون مع الشيخ عبد الله خالد وعدد من علماء المسلمين واستحصلوا على رخصة من الباب العالي لفتح مدرسة نظاميّة للتعليم في جامع الأمير منذر بن سليمان التنوخي، جامع النوفرة، الذي ما زال قائماً في سوق البازركان بالقرب من باب إدريس، وأدخلوا فيها مناهج التعليم العصري بالإضافة إلى العلوم الدينيّة والعربيّة.
واعتنى الشيخ محمد الحوت شخصياً بأمر هذه المدرسة حتى تكللت جهوده بالنجاح وتخرج على يديه فيها الرعيل الأول من رواد النهضة الفكريّة الإسلاميّة في هذه المدينة مثل الشيخ عبد الباسط الفاخوري والشيخ مصطفى نجا اللذين تعاقبا على الفتوى، والأديب الحاج حسين بيهم والشاعر عمر الأنسي وغيرهم من الذين شغلوا أحسن المناصب العلميّة والحكوميّة في زمانهم.
وإلى جانب اهتمامه بشؤون مدرسة جامع الأمير منذر فإنه لم ينقطع عن مداومة التدريس في الجامع العمري الكبير من حين عودته من دمشق إلى سنة 1236هـ، ويقوم بتأليف الكتب المفيدة في مختلف الموضوعات اللغويّة والدينيّة حتى نهاية حياته.
وكانت وفاته في بيروت سنة 1276هـ 1859م وفي بعض الأقوال سنة 1277هـ 1860م ودُفن بجبانة سيدنا عمر الشهيرة بالباشورة .
عند وفاته حزن عليه الناس من قريب وبعيد ورثاه العلماء والأدباء المسلمون والنصارى ، فقد جاء في المقالات التي نشرها تباعاً في مجلة الجنان المؤرخ النصراني داوود كنعان تحت عنوان (جواهر ياقوت في تاريخ بيروت) قوله :
الشيخ محمد الحوت كان فريد عصره ووحيد دهره، وكان إماماً في الجامع العمري الكبير في بيروت وعالماً في التفسير والحديث والفقه والعلوم الدينيّة والأدبيّة، وله فيها تآليف شهيرة، وقد رثاه الشاعر الشيخ ناصيف اليازجي بقصيدة طويلة قال فيها:
قف فوق رابية تجاه المسجدِ وقل السلام على ضريح محمدِ
واتل الفواتح فوق تربته التي حفت بأملاك ، تـروح وتغتديِ
هذا صفي الله ، خير عبـاده وأبرّ كل موحد متعبـــــدِ
ما زال يسعى كل يوم باحثاً في يومه عما يحاسب في غـدِ
يا أيها الميْت الذي يبقى له في أرضنا ذكر ليـوم الموعـد
قدمتَّ في الدنيا كأنك لم تمت والبعض مات ، كأنه لم يولـد
بعض مؤلفاته :
ترك الشيخ محمد الحوت الكبير أثراً عميقاً في الحياة الفكريّة والدينيّة في بيروت وأضاف للمكتبة الإسلاميّة عشرات الكتب والرسائل في الفقه والحديث والتفسير واللغة العربيّة، وفيما يلي قائمة بأشهر هذه المصنفات:
1. أسماء رجال الإمام البخاري.
2. كتاب في الوضاعين وما وضعوا .( وهو في الأحاديث التي نحلها الوضاعون عن لسان النبي محمد عليه أفضل الصلاة السلام وهي ليست كذلك ، وقد رتّب المؤلف هذا الكتاب على حروف المعجم ، وقد بقي مخطوطاً ولم يطبع )
3. أحسن الأثر فيما فيه ضعف وإختلاف من حديث وخبر وأثر.
4. الفتح المبين في شرح الأربعين، وهو حاشية على شرح إبن حجر المكي الهيثمي للأربعين النووية
5. موجز في الميراث.
6. رسالة في الحساب.
7. تاريخ الصحابة.