منير البعلبكي
إن من يكتب تاريخ بيروت لا سيما في عصرنا الحاضر يرى لزاماً عليه أن يفرد بعض صفحات هذا التاريخ للكلام عن ثلةٍ كريمة من أعلام علمائها الذين أصبحت أسماؤهم رموزاً لنهضتها الفكريّة ، كما أصبحوا هم بما أنتجوه من آثار أقلامهم شهوداً على دورها الطليعي في إمداد المكتبة العربيّة بثروة كبيرة من المصنفات الغنيّة بمادتها العلميّة وموضوعاتها ذات الطابع المرجعي والصفة المصدريّة .
من هذه الثلّة المتميّزة بعطائها الثقافي منير البعلبكي الذي أصبح إسمه واحداً من الصوى التي تحدد معالم حركة التأليف المعجمي والموسوعي في آفاق المعرفة المقارنة باللغتين العربيّة والإنكليزيّة .
ولكي لا نظلم الحقيقة ونحن نشير إلى الحضور الموسوعي البارز لمنير البعلبكي فإننا نقول : ونحن مطمئنون، بأنه إلى جانب هذه الميزة نذكر أيضاً العشرات من الكتب المؤلفة من آلاف الصفحات التي سالت بها شباة قلمه ناقلة إلى اللغة العربيّة العديد من الكتب الأمهات باللغة الإنكليزيّة.
على أننا قبل أن نُعرِّف بالدور الثقافي لمنير البعلبكي، فإن علينا أن نقدمه في سيرته الذاتيّة من خلال الأحوال والتحولات التي تعاقبت عليه وهو في طريقه إلى المكانة العالية التي يتبوأها اليوم بين أنداده ونظرائه من العلماء في وطنه لبنان، وكذلك في العالم العربي كلّه من أدناه إلى أقصاه.
العائلة التي نشأ منير البعلبكي فيها من الأسر البيروتيّة المعروفة. عائلة البعلبكي كانت قديماً مشتهرة باسم آل عبد الساتر التي كانت تقيم في مدينة بعلبك بلبنان ولما انتقل أحد أجدادها إلى بيروت اشتهر باسم البعلبكي لقدومه من المدينة المذكورة وهو الاسم الذي ما زال علماً عليها حتى اليوم.
والده هو عبد الحفيظ البعلبكي وكان يعمل في مهنة الخياطة لتغطية مسؤولياته العائليّة، وبالإضافة إلى ذلك فإنه لبّى رغبة جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت في تعليم بعض تلامذتها هذه المهنة وكانوا يُختارون من بين التلاميذ المحتاجين الذين لن يتمكنوا من متابعة دراستهم.
ولد منير البعلبكي سنة 1918م في بيروت، تأهل من السيّدة روحيّة حقّاق، وقد رزقه الله منها ثلاثة أبناء وهم الدكتور روحي والدكتور رمزي وشقيقتهما السيّدة سحر.
بدأ منير البعلبكي حياته المدرسيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت وتابع دراسته في هذه الجامعة إلى أن تخرّج منها سنة 1938م حائزاً على شهادة بكالوريوس في الأدب (قسم الأدب العربي والتاريخ الإسلامي).
ونظراً لتفوقه في هذه المادة عينته الجامعة المذكورة أستاذاً لمادتي الأدب العربي والتاريخ الإسلامي ، ثم انتقل لتدريس الأدب العربي والتاريخ الإسلامي في كلية الملك فيصل ببغداد والكليّة العلميّة الوطنيّة في دمشق وكلية البنات الأهليّة في بيروت وكذلك في كليّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت.
في سنة 1945م ترك منير البعلبكي التدريس واختار العمل في ميدان طباعة الكتب ونشرها وتسويقها في لبنان وخارجه، فأنشأ مع زميله الأستاذ بهيج عثمان رحمه الله مؤسسة باسم (دار العلم للملايين) التي سرعان ما أخذت مكانها الوطيد في ميدان الإهتمام بالكتاب، على اختلاف الموضوعات واللغات، واحتلت المرتبة الأولى بين دور النشر الأخرى سواء تلك التي هي في داخل لبنان أو في بقيّة الأقطار العربيّة.
وعندما توفي زميله وشريكه في دار العلم للملايين بهيج عثمان آثر منير البعلبكي أن يتخلى عن عمله المباشر في المؤسسة المذكورة تاركاً إدارتها في عهدة ولديه الكريمين الدكتور روحي والدكتور رمزي والأستاذ طارف نجل الأستاذ بهيج عثمان يتابعون رسالة والديهم في خدمة الكتب ومؤلفيها ويحافظون على دورها الطليعي بالمستوى الخلقي والعلمي الذي حققته واستمرت عليه منذ تأسيسها سنة 1945م.
إن كُل اهتمام منير البعلبكي بمؤسسة دار العلم للملايين ما كان ليصرفه عن متابعة نهجه العلمي عن طريق تأليف الكتب أو ترجمتها من اللغة العربيّة إلى اللغة العربيّة، صدرت له من تأليفه شخصيّاً أو من ترجماته عن اللغات الأبيّة الأجنبيّة عشرات الكتب في أبواب متعددة من أغراض الثقافة والفكر والأدب والتاريخ.
وفي الواقع إن منير البعلبكي حاضر بكل ما في كلمة الحضور من معنى سواء عبر الهيئات والمؤسسات الأهليّة والعربيّة العامة أوعبر المحافل والمجامع التي تعني الدراسات والأبحاث اللغويّة والثقافيّة بشكل عام. ومن حظ بيروت ، المدينة التي أقلَّته على أديمها المبارك عند ولادته الميمونة وأظلته سماؤها الصافية وما تزال في مسيرته الفكريّة المعطاءة، أنها وجدت بشخصه سفيراً لها في تقديم اسمها إلى أهل القلم من المؤلفين والكتّاب متوجاً بالهالة التاريخيّة التي عُرفت بها منذ أقدم الدهور والعصور تحت عنوان (بيروت ظئر المعارف والعلوم).
وفي سنة 1982م انتخب منير البعلبكي عضواً في مجمع اللغة العربيّة في القاهرة.
أما البادرات التي عبرت عن مكانة منير البعلبكي في دنيا الفكر وميدان الأبحاث اللغويّة فإننا نذكر منها في هذه العجالة:
ü جائزة (أصدقاء الكتاب) وهي جمعيّة أهليّة تهتم بتشجيع الكتب ومؤلّفيها من اللبنانيين، هذه الجائزة أُعطيت له مكافأة لترجمته كتاب (رواد الفكر الإشتراكي) للبروفسور كول.
ü جائزة سعيد عقل، التي وضعها صاحبها سعيد عقل المفكر اللبناني لأحسن كتاب يظهر في لبنان لمؤلف لبناني.
ü جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، مكافأة له على تأليفه (موسوعة المورد) التي هي في الواقع عبارة عن دائرة معارف شاملة ومحيطة ، هي بالنسبة لكل مثقف دليل يساعد من يرجع إليه في تتبع أهم الشخصيات العالميّة في الماضي والحاضر ومعرفة أخبارهم وأحوالهم وآثارهم بإيجاز غير مخلّ وتقديم غير مملّ.
وفيما يلي أسماء بعض الكتب التي ألفها والتي ترجمها :
ü قاموس المورد (إنكليزي – عربي) وهو يقع في أحجام خمسة.
ü (موسوعة المورد) وهي دائرة معارف عامة تقع في أحد عشر مجلداً كبيراً يغطي مختلف فنون المعرفة الإنسانيّة.
ü مجموعة كبيرة من الكتب المدرسيّة لطلاب المدارس الابتدائيّة والثانويّة.
ü قصة تجاربي مع الحقيقة ، للمهاتما غاندي.
ü الإسلام والعرب ، لروم لاندو.
ü تاريخ الشعوب الإسلاميّة ، لكارل بروكلمان بالإشتراك مع د.نبيه أمين فارس.
ü دفاع عن الإسلام ، لفاغليري.
ü حياة محمد ورسالته ، لمولانا محمد علي.
ü البؤساء ، لفيكتور هيغو ، في خمسة مجلدات.
ü قصة مدينتين ، لتشارلز ديكنز.
ü كوخ العم توم ، لهرييت ستاو.
ü المواطن توم بين ، لهوارد فاست.
ü الشيخ والبحر ، لأرنست همنغواي .
ü رواد الفكر الإشتراكي ، للبرفسور ج . د . هـ . كول.
ü كيف تفكر ، للدكتور جبسون.
منير البعلبكي قدّم لبلده بيروت ما تزدهي به وتفاخر من كرامة السمعة العلميّة العالية بمشاركته في المجامع اللغويّة وما إليها من المحافل والهيئات العاملة في حقول الفكر العربي على اختلاف فنونه وألوانه ومفاهيمه.