لعلها عبثية القدر أو الحدوتة الدائمة، أن يكرّم الفنان في اللحظة الهاربة وهو يهم بالنزول من العربة الأخيرة في قطار الحياة!! "ورزق الله عَ أيامك يا ترامواي بيروت".

أم هل هي سخرية القدر أن يصبح فارس المعابر والحواجز، بين بيروت الشرقية والغربية، التي كانت نجوميته وشهرته ومحبة الناس له على الضفتين وفي قسميها جواز مرور وعبور، بدون مشاكل، وأكبر من أوامر وطاعة زعماء تلك المعابر!!فارس لبنان الأول، حبيب الفقراء، مسلمين ومسيحيين الذي ترقّى من مرتبة شرطي تنظيم مرور في شوارع عاصمة الدنيا، بيروت، المزدحمة، ينظم السير، يخالف المشاغبين، ويقابل الفنانين، ويجبرهم على التقيد بالقانون وعلى الغناء والدبكة والرقص في وسط الشارع، والا ينظم بحقهم ضبطاً، ويصادر اجازة السياقة والسيارة.

"إبراهيم أفندي" الذي كان يشاغب أحياناً، ويطلق صفير صفارته ليتحرش بإحدى السائقات الحسناوات أحايين أخرى، حتى ضبطته احداهن وأوقعته في شباكها ومحكمتها، فيقرر أن يعتزل الشوارع وزبائنها وينتقل الى الفضاء في مسلسل "كابتن بوب" ليتابع مغامراته اللطيفة وقصص العشق والغرام مع المضيفات الفاتنات وهو بين السماء والأرض.

لمحة فنية

تشير المعلومات المتوفرة عن المرحوم الفارس ابراهيم مرعشلي الذي كانت له اسهامات في السينما اللبنانية – المصرية خلال زمن الانتاج المشترك.. وكان له دور كبير في المسرح الوطني الذي أسسه الراحل حسن علاء الدين (شوشو) حيث شارك في مجمل أعماله، اضافة الى عمله في التأليف والاخراج والتمثيل الاذاعي والمسرحي والتلفزيوني.استهل حياته في السينما وتفرغ للمسرح وانتقل للتلفزة واتقن عدة مسلسلات كان آخرها بانسيون 99.وقد عمل في "إذاعة لبنان" منذ بداياته الفنية حتى دخوله المستشفى. وكان يقدم فترة بث مباشرمن الإذاعة، اضافة الى العديد من البرامج التلفزيونية.

شهادة من مخرجة أعماله

 تقول الزميلة ماري تريز سلهب التي عملت على اخراج عدد من المسلسلات للمرحوم في تلفزيون لبنان:كانت بداية معرفتي به، كممثل دراماتيك" ومسلسلات باللغة العربية الفصحى بالاشتراك مع أكبر الممثلين أمثال: هند أبي اللمع، نهى الخطيب، نادية حمدي، ميشيل تابت وغيرهم. وقد كان المرحوم ابراهيم من وراء الكواليس وأثناء القصف  يقصفنا برقته يلقي بخفة دمه وظله على الجميع من خلال "نهفات" ونكات وقفشات تضحكنا وتشحذ معنوياتنا وتنسينا التعب".بعد ذلك، بدأت موهبة التأليف تظهر عنده حيث كان يمتلك أفكاراً تصلح لأعمال فنية، وخصوصاً كتمثيليات كوميدية ومسلسلات ومنها "المعلمة والأستاذ" مع المرحومة هند أبي اللمع وقد نجح كثيراً بهذا الدور.كتب أيضاً مجموعة من الأعمال المسرحية التي حملت اسمه وشارك في العديد من المسلسلات الكوميدية في تلفزيون لبنان وقدم العديد من البرامج والأفكار في محطات تلفزيونية عدة. وأعتقد أن أول وأهم مسلسل تلفزيوني له كان "إبراهيم أفندي" ويلعب فيه دور شرطي سير، يحب الفن، ويلتقي بنجومه، ويجبر المغنيين على تقديم وصلة لهم في الشارع، أو يكتبه ضبطاً. وقد كان هذا المسلسل الكوميدي من اخراج الياس أبو رزق باكورة الأعمال الفنية التلفزيونية الهامة حيث تم تنفيذه بتقنية جديدة على التلفزة باستعمال "جنريك كروما" كان يستغرق عرضها ثلاثة دقائق بينما استغرقت عمليات التصوير في استديو تلفزيون لبنان ما يقارب الأربعة أسابيع حيث عمل أربعة أشخاص بالفيديو على مدى الأسابيع الأربعة لتجميع صور وأفكار، وتنفيذ لقطات فردية ومركبة على السيارة والطائرة لتجميع وتحضير مشاهد الحلقات وكان فريق العمل بفضل المرحوم المرعشلي، متعاونا ومتحمسا ومبدعا.كنا نشتغل معه ونتبادل الأفكار في أجواء وبيئة صحية لا أحد فيها يعتبر نفسه مديراً أو رئيساً حيث سادت الروح التعاونية رغم كل التفاصيل التي أظهرت أن لديه انفتاح ومرونة حتى على السيناريو وعلى النقد وعلى توجيه و توحيد الملاحظات.وأضافت: هذا آخر شيء عملته معه.. وقد عرض "ابراهيم أفندي" عدة مرات على مدى سنوات وأخذ العرض الأول ضجة ونجاحاً كبيراً، واللافت أنه أثناء عرض المسلسل كانت الشوارع تفرغ من المارة لتشاهد وتتابع مجريات المسلسل المثير والشعبي، وكان الناس في اليوم الثاني يرددون عبارات مما قاله المرحوم ابراهيم مرعشلي!!الطريف أيضاً، ان معظم الممثلين الذين لعبوا "ابراهيم أفندي" أمثال فريال كريم قد انتقلوا الى جوار ربهم وها هو صاحب المسلسل يلحق بهم ولكن بصفة "الفارس ابراهيم أفندي".كما أذكر، أنه قام بتنفيذ مسلسل "كابتن بوب" في تلفزيون L.B.C. وهو من وحي مسلسل ابراهيم أفندي الذي كان يختص بنجوم الأرض بينما "الكابتن بوب" فكانت تجرى احداثه في الفضاء، في الطائرة، بين أفراد الطاقم والركاب. والحواجز ولم يؤمن بها، فهو لم يكن لديه حدود، جواز سفره كان محبة الناس في كل أطراف البلاد.

هؤلاء الفنانون، هم من يصنعون الوحدة الوطنية، مهما اختلف السياسيون. الناس قد يختلفوا على كل شيء ولكنهم يتفقوا على محبة فنان معين.وها نحن رأينا مثالاً حقيقياً تجسد في ابراهيم أفندي أو المرحوم ابراهيم. الذي أتمنى أن تكون جينات موهبته وانسانيته انتقلت لأولاده ولأصدقائه الفنانين من بعده.أخيراً، المرحوم الفارس، كان يتميز بأخلاق الفارس، وأولها الشهامة والكرم والعطاء.

ورغم أن ابراهيم كان فقيراً، لكنه كان كريماً جداً، لم يكن يحب أن يجمع الأموال، بل كان رصيده محبة الناس وبذل كل الامكانات في سبيل اسعادهم واضحاكهم وخصوصا في الحروب.بالطبع لم يكن، يمد يد العوز، لكن معروف كم كانت حالة الفنانين اللبنانيين والممثلين خصوصاً بعد انتهاء الحرب الأهلية على أمل حدوث نهضة فنية وثقافية ولكن العكس هو الذي حصل، حيث زاد افلاس الممثلين والناس والتلفزيونات التي صارت تعتمد على البرامج المغلقة في الاستديوهات وهي غير مكلفة بدلا من التوسع ونقل نبض الناس من الشارع.أخيراً، الفنانين عموماً، هم شموع الحياة اجمالاً، لكن كثير من صفحات الحياة، حزينة، بائسة وغير مشرقة وأحياناً تعيسة. وإذا كان هؤلاء الفنانون يبدعون أي شيء لازالة التعاسة واسعادنا أو رسم الابتسامة على شفاهنا على الأقل، فإن ذلك كان على حساب صمتهم ووقتهم ولذا فإن ابراهيم المرعشلي كان يرتشف كأس الحياة المرة من مرارة أيامه المرة ويعيش لنا مبتسما تحت إسم المر .. عش .. لي.

 ويعتمد المسلسل على تطور درامي متصاعد لقصة حب، يزيد غلياناً من حلقة الى حلقة.أما على المستوى الشخصي، تضيف الزميلة المخرجة التلفزيونية ماري تريز سلهب: كان ابراهيم يقطع معي، من بيروت الغربية الى بيروت الشرقية أو العكس، نمر بالحواجز والمعابر للميليشيات والجيوش أثناء الحصار والقصف والاعتقالات التي كان أفرادها وعلى مختلف اتجاهاتهم وميولهم ومشاربهم وأوامرهم، يرحبون بنا ويفتحون لنا المعابر بابتسامة..كيف لا وابراهيم أفندي منع اقامة الحدود والحواجز ولم يؤمن بها، فهو لم يكن لديه حدود، جواز سفره كان محبة الناس في كل أطراف البلاد.

هؤلاء الفنانون، هم من يصنعون الوحدة الوطنية، مهما اختلف السياسيون. الناس قد يختلفوا على كل شيء ولكنهم يتفقوا على محبة فنان معين.

وها نحن رأينا مثالاً حقيقياً تجسد في ابراهيم أفندي أو المرحوم ابراهيم. الذي أتمنى أن تكون جينات موهبته وانسانيته انتقلت لأولاده ولأصدقائه الفنانين من بعده.أخيراً، المرحوم الفارس، كان يتميز بأخلاق الفارس، وأولها الشهامة والكرم والعطاء.

ورغم أن ابراهيم كان فقيراً، لكنه كان كريماً جداً، لم يكن يحب أن يجمع الأموال، بل كان رصيده محبة الناس وبذل كل الامكانات في سبيل اسعادهم واضحاكهم وخصوصا في الحروب.

بالطبع لم يكن، يمد يد العوز، لكن معروف كم كانت حالة الفنانين اللبنانيين والممثلين خصوصاً بعد انتهاء الحرب الأهلية على أمل حدوث نهضة فنية وثقافية ولكن العكس هو الذي حصل، حيث زاد افلاس الممثلين والناس والتلفزيونات التي صارت تعتمد على البرامج المغلقة في الاستديوهات وهي غير مكلفة بدلا من التوسع ونقل نبض الناس من الشارع.

أخيراً، الفنانين عموماً، هم شموع الحياة اجمالاً، لكن كثيرا من صفحات الحياة، حزينة، بائسة وغير مشرقة وأحياناً تعيسة.وإذا كان هؤلاء الفنانون يبدعون أي شيء لازالة التعاسة واسعادنا أو رسم الابتسامة على شفاهنا على الأقل، فإن ذلك  على حساب صمتهم ووقتهم ولذا فإن ابراهيم المرعشلي كان يرتشف كأس الحياة المرة من مرارة أيامه المرة ويعيش لنا مبتسما تحت إسم المر .. عش .. لي.