غنوة جلول
اكتشفت بيروت، ومعها اللبنانيون جميعاً، وجه غنوة جلول ومعدنها الحقيقي: امرأة ملتزمة صلبة لا تساوم على اقتناعاتها العميقة ولا تهادن في البحث عن الحقيقة.
السيدة ذات الاطلالة الناعمة، والوجه الهادئ، والجاذبية الدائمة، أطلت مثل نَمِرة غاضبة لتقول بالفم الملآن: لن نبيع دم الرئيس الشهيد بأي موقع سياسي. هناك في عين المريسة التي شهدت الزلزال، وفي ساحة الشهداء التي احتضنت التفاف اللبنانيين وتوحدهم حول الضريح، وفي القصر الذي زارته حاملة مطالب المعارضة، وفي مجلس النواب، كما في كل اطلالاتها الاعلامية الواثقة، لم تكن غنوة جلول تشبه أحداً، كانت تشبه نفسها، ولم تكن تنوب عن أحد، بقدر ما كانت تؤدي ذاتها وقناعاتها وأصالتها الحقيقية.
دخلت منزل السيدة ذات
الجبين العالي، وأصغت اليها.....
أنا ابنة بيروت... نشأت في عائلة بيروتية
من
العائلات المتوسطة الحال... عائلة محافظة كانت تسكن منطقة «المزرعة» التي تتميز
بتعدد الطوائف اللبنانية الموجودة فيها وبتعايشها وانفتاحها على بعضها البعض،
وبذلك، تكون نشأتي الاولى قد جمعت بين البيئة العائلية المحافظة والانفتاح على
الآخر.
هكذا بدأت النائبة عن بيروت، عضو كتلة قرار بيروت غنوة جلول تعريف
نفسها.
وتابعت: تربيت في مدرسة خالد بن الوليد التابعة لجمعية المقاصد الخيرية
الاسلامية حيث قضيت جميع سنوات الدراسة، وكنت متفوقة في المراحل التعليمية كلها،
خاصة في المواد العلمية، اضافة لمشاركتي الفاعلة في النشاطات الاجتماعية التي كانت
تجري في المدرسة، وقد كان للمربية السيدة احسان المحمصاني رحمها الله الفضل في
تربيتنا على أحسن وجه... وبعد انهاء مرحلة الدراسة الثانوية، التحقت بالجامعة
الاميركية، حيث نلت الاجازة في الرياضيات.
وحول تخصصها في مادة الرياضيات لدى التحاقها بالجامعة الاميركية، ذكرت النائبة غنوة جلول انها اختارت هذا الفرع استنادا لتفوقها في هذه المادة عبر كافة مراحل دراستها التي سبقت دخول الجامعة، وحرصها على الحصول على العلامة كاملة €100€€، موضحة ان اهتمامها وتفوقها في المواد العلمية لم يحرمها من المشاركة في المجالات الاخرى.
وعن تأثير البيئة العائلية المحيطة بها في تحديد خياراتها التعليمية ودراستها الجامعية، تقول نائبة بيروت انها كانت الابنة الوحيدة بين اخوتها الشباب الثلاثة، وكانت تفكر بدراسة الطب في البداية إلا ان ظروف خطوبتها أملت عليها اختيار الرياضيات لتستطيع المواءمة مع متطلبات حياتها الاجتماعية المقبلة، مؤكدة ان الوالدين كانا حريصين دائماً على توجيه كل اولادهم، وعلى ممارسة الرقابة عليهم مع الاشارة الى ان «هذه التوجيهات او الرقابة من الوالدين لم تكن في يوم من الايام ذات سمة قسرية او تحمل اي نوع من الاملاءات، او فرض الرأي، بل من منطلق الحرص علينا والتأكيد على ضرورة اهتمامنا بمواصلة التعليم والتفوق لكي نستطيع تحمّل المسؤولية بشكل جدي. فالوالدان كانا يعاملانني كبقية اخوتي الذكور، من دون تمييز ولا شك ان اهتمام اسرتي الذي تأثرنا به كان بلا شك تشجيعنا دوماً على امتلاك العلم، والانضباطية وحمل المسؤولية، وبذلك، نال اخوتي الثلاثة نصيبهم الوافر من التعليم حيث تخرّج أخي الاكبر السيد رهيف جلول كطبيب، واخي الثاني عائد في ادارة الاعمال ويعمل حالياً كمسؤول عن جميع فروع البنك الاهلي الدولي، كما نال اخي الاصغر مني سناً ماجستير ادارة اعمال وهو الآن مسؤول أحد الفروع في أحد المصارف اللبنانية.
وتضيف النائبة غنوة جلول: لذلك، استطيع القول بأنني واخوتي حققنا الى حد معقول، طموحات وتمنيات والدينا، وجسدنا المفاهيم التربوية التي نشأنا عليها، خاصة لجهة التعلم والانضباطية وتحمل المسؤولية، وكان مما ورثناه و تأثرنا به عن الوالدين الدقة في المواعيد والتنظيم والترتيب، والأهم صلة الرحم.
وعن الفترة التي بدأت النائبة جلول الانطلاق منها والاعداد للدخول لمعترك الحياة السياسية، تقول بأن ميولها السياسية كانت، ومنذ بداية مراحلها الدراسية الاولى، مبنية على قاعدة حبها لبلدها لبنان والعمل من اجل تقدمه وازدهاره ومستقبله، خصوصا وان ظروف الحرب اللبنانية الاهلية المأسوية التي حدثت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، تزامنت مع كونها واخوتها في سن المراهقة.
تروي: كنا نتحسس بألم شديد اهوال الحرب والمدافع والقذائف التي تتساقط فكان جل تفكيري ينصب حول ما يمكنني ان اقدمه لبلدي للخروج من هذه الكوارث والازمات، ومدى امكانية مساهمتي، وتحملي لمسؤوليتي تجاه وطني وشعبي للانتقال الى واقع افضل. وبفضل التوجهات والاهتمام الذي كان يبديه الوالدان لنا، ترسخت في ذهني فكرة ضرورة التمسك بسلاح العلم وامتلاك الكفاية والمقدرة التي تمكننا من تقديم شيء يفيد بلدنا لإخراجه من معاناته، ولذلك، كنا، مثلنا مثل الغالبية العظمى من اهالي بيروت، ننبذ حمل سلاح التقاتل في الشوارع، ونصمم على اللجوء الى استخدام العلم، وحب الخير لهذا البلد ومستقبله، كوسيلة افضل وأسمى، من اجل تجسيد محبتنا له وحرصنا عليه.
يصل اللقاء مع النائبة غنوة جلول الى بدايات نشاطاتها واهتماماتها السياسية في المراحل التعليمية وتقول: بالرغم من النشاطات السياسية، والتظاهرات التي كانت تسود اوساط المدارس والجامعات، بقيت، مثل اخوتي بعيدة عن هذه الاجواء، استجابة لتوجيهات وطلب الوالدين ونصيحتهما لنا باعطاء الاولوية للتفوق والنجاح في التعلم وتأجيل التعاطي في الامور السياسية في تلك المرحلة، لأن ما يحتاجه بلد يغرق في اتون الحرب مثل لبنان هو لبنانيون متعلمون مثقفون قادرون على انقاذه من معاناته. اما دخولي معترك الحياة السياسية فجاء في مرحلة لاحقة، لأن مسؤوليتي تجاه اسرتي، وبيتي، وانخراطي في العمل في وقت مبكر، عوامل شكلت ظروفاً موجبة، أملت عليّ تجنب المشاركة في النشاطات السياسية €مرحلياً€ وتركيز كل اهتمامي على مواصلة التعليم والايفاء بمتطلبات الحياة الاجتماعية والواجب الأسري.
بعد حصولها على الليسانس في الرياضيات من الجامعة
الاميركية حصلت على الماجستير في مادة الرياضيات التطبيقية، وكانت أطروحتها حول
استخدام الكمبيوتر في الرياضيات التطبيقية، وبعد ذلك نالت اجازة اخرى في مجال
الكمبيوتر في الولايات المتحدة الاميركية ثم الماجستير، ثم عادت لتحضير «الدكتوراه»
في
مجال «تكنولوجيا المعلومات على شبكات الاتصالات». وبقيت تعمل كمدرّسة متفرغة
بشكل كامل لهذه الوظيفة في الجامعة الاميركية قبل ترشيحها لعضوية البرلمان، حيث
اصبح عملها جزئياً بعد فوزها بالانتخابات، ومن ثم أنهت عملها في الجامعة، للتفرغ
كلياً لمسؤولياتها كنائبة عن بيروت.
نقاطعها متسائلين ان كان لدورها التعليمي في
الجامعة الاميركية تأثير معين على طلابها لجهة توجيههم نحو تيار سياسي معين، وتجيب
بأن العكس كان يحدث، وان توجيهاتها لطلابها كانت دائماً مطابقة للتوجيهات التي
استقتها من بيئتها العائلية والأسرية والقائمة على محبة البلد، والتسلح
بالعلم.
وتصل الى محطة بداية مرحلة التعاون مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فتذكر ان الامر يعود الى فترة تسلم الرئيس الحريري للحكم، والتحاقها في المجال التعليمي الاكاديمي في الجامعة الاميركية.
تقول: لكن مجال تخصصي في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنواحي التطبيقية كان له علاقة مباشرة بعمل المؤسسات وكيفية ضبط العمل بهذه المؤسسات في المجالات المختلفة وكعنوان عريض في مجال الاصلاح بشكل عام والاصلاح الاداري، ومن هنا كان لي عدد من المشاركات كمستشارة، ومن ثم، كانت لي مشاركة عملية في مجال تطبيق الاصلاحات، كما كنت قد اسهمت في اعادة تأهيل صندوق المهجرين، وايضاً، كنت من ضمن المجموعة التي وضعت الخطط الاساسية الاصلاحية لشركة الميدل ايست.
لم
تكن يومذاك على علاقة مباشرة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري،
ولكن غنوة جلول كانت تتابع نهج ورؤى وتطلعات الرئيس الحريري، لمصلحة إعمار وبناء
البلد، ولذا، استخدمت خبرتها وتجاربها المتراكمة التي مارستها في بعض البلدان
العربية الاخرى في مجالات تخصصها من اجل المساهمة في خدمة وطنها، وكانت ترى ان هذه
المساهمة لا تكتمل ولا تحقق الهدف المنشود بدون العمل في المؤسسات. وانطلاقاً من
كوننا في بلد ديمقراطي، فإن المجلس النيابي هو ارقى المؤسسات الديمقراطية التي يمكن
للانسان ان يمارس من خلالها عملية البناء والاصلاح لاوضاع هذا البلد، ومن هنا، كان
السعي لدخولها المجلس النيابي من هذه البوابة، والهدف: تحقيق الاصلاح وخدمة المصلحة
العامة.
كثيراً ما كانت غنوة جلول تشير في مداخلاتها خلال جلسات المجلس النيابي
الى اننا نستطيع ان نقدم الكثير لهذا البلد، وان نحقق نتائج ايجابية مع تركيزها على
الحرص بأن نكون عمليين في طروحاتنا، ومن هذا المدخل، كانت تطرح خياراتها الاصلاحية
والاجتماعية والاقتصادية.
اما في الخيارات السياسية، فكان امامها جانبان، الاول يتعلق بالسياسة العلمية عندما يتم الدخول في اتجاه معين، وهناك ما يتعلق بالخط السياسي العام الذي يحدد التطلعات على المستوى الوطني، وهي، في هذه الخيارات، كانت ترى في الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن خلال طريقة عمله، وعطائه، المثل الأعلى للانسان الذي يبذل كل ما في وسعه لتقديم الخير لمصلحة بلده.
حول بداية العلاقة المباشرة مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ذكرت انها استطاعت ان تحصل على موعد للقاء الاول به، وتضمن ذلك اللقاء، اطلاعه على «من انا» و«ماذا اعمل» و «ماذا اعرف». وفي ختام الحديث، سألني عما اريده، فقلت له انني اريد ترشيح نفسي للانتخابات النيابية، وبالتحديد على قائمة الرئيس الحريري وانني لن ارضى سوى بالترشح على تلك القائمة. وقد تفاجأ بهذا المطلب حيث لم يكن يتوقعه، إذ ربما كان يتوقع مطالبتي بالحصول على مساعدة في مجال تحصيل وظيفة ما ، او امر مختلف عن الترشح للنيابة، لكنه في النهاية، كان مرحباً بي.. حدث لقاء آخر، وهكذا، نلت موافقته فيما بعد على ادراج اسمي في لائحته الانتخابية.
لقد حددت ابنة بيروت غنوة جلول خيارها بالانضمام الى قائمة الرئيس الحريري الانتخابية. لكن هل تم الامر بناءً على تقديم ضمانات لها بالنجاح، ام على قاعدة قناعاتها بنهج الرئيس الحريري وخطه السياسي؟ لقد اكدت انها لم تكن حاصلة على اي ضمانات، بل كانت تبدو كمغامرة، في ظل الجو العام الذي كان يطغى على الجو السياسي العام في البلد يومذاك، وكثرة الاحاديث عن التكهنات حول من سيأتي مع الرئيس الحريري الى المجلس النيابي؟
تعلق: معرفتي بالرئيس الحريري كانت حديثة العهد، وكمواطنة عادية تطمح للوصول الى عضوية المجلس النيابي، لم تكن تتوافر لي ضمانات اكيدة، الى ان ظهرت النتائج النهائية للانتخابات وتحقق فوزي بعضوية المجلس النيابي. لكنني كنت امتلك الشجاعة والجرأة الكافية للرد على التشكيك والمقولات التي تستبعد وصول امرأة الى عضوية المجلس النيابي عن منطقة بيروت التي تعج بأسماء السياسيين الكبار والمخضرمين المرشحين للانتخابات، وكنت واثقة من قدرتي على تحمل هذه المسؤولية بجدارة.
كيف قرأت غنوة جلول فوزها في الانتخابات، وحصولها على ثقة الناخب اللبناني، سواء خلال جولاتها الانتخابية لممارسة الدعاية الانتخابية، او بعيد الاعلان عن النتائج النهائية لتلك الانتخابات؟ انها، وفيما كانت تعاين الحملات المضادة لها من قبل المنافسين المرشحين، وما يقولونه عبر التلفزيونات والوسائل الاعلامية عن عدم توافر حظوظ النجاح لها، رغم كونها مسجلة على قائمة الرئيس الحريري الانتخابية، إلا انها كانت مهتمة بالدرجة الاولى بالتوجه الى الناخبين لاطلاعهم على برنامجها الانتخابي، والكشف عن امنياتها وتطلعاتها لخدمة البلد ومصالح المواطنين، وتوضيح خياراتها وقناعاتها. ومما لا شك فيه انه كان لها مناصرون ومؤيدون في كل بيوت بيروت التي قامت بزيارتها، الامر الذي شجعها وزودها بالمعنويات العالية، فقد كانت لها جولات عديدة ومكثفة خلال حملتها الانتخابية.
تقول: على ما اذكر، فانني عملت ما يزيد على 80 لقاء قبل ان يعلن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان اسمي سيكون مدرجاً على لائحته الانتخابية، وهو ما شكّل دعماً وتشجيعاً اضافياً لي الى اقصى الحدود، لا سيما وانني كنت اؤكد دائماً على الحرص بأن اكون على قائمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد وجدت تجاوباً وتشجيعاً كبيرآً من عنصر الشباب، الذكور والاناث، واقتناعهم التام بأن غنوة جلول المرأة المثقفة المنفتحة المتحدرة من عائلة محافظة ومن أسرة بيروتية معروفة من الطبقة الوسطى، يمكن ان تكون هي المرشحة المعبرة عن ارادتهم وطموحاتهم وتستحق ان تتبوأ مكانها الطبيعي كعضو في المجلس النيابي اللبناني، وكان هذا هو الشعور الذي تملكني تجاه نظرة الناخبين لي خلال حملتي الانتخابية. ومن اجل مصلحة بيروت التي هي مصلحة كل لبنان، كان على اهالي بيروت ان يصوتوا للخيار السياسي الذي تمثله قوائم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو الامر الذي تم بالفعل، انطلاقاً من خدمة مصلحة الوطن.
وهكذا، وصلت ابنة بيروت الى المجلس النيابي، عبر القرار السياسي الذي اتخذه اهالي بيروت، بالتصويت لقائمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكذلك عبر قناعاتهم بالتصويت لغنوة جلول كمرشحة عن بيروت ومستعدة لتحمل المسؤولية. ولأنها تعلم ان لبيروت مطالب اخرى اضافة لمطالبها السياسية، فهي تعتبر انها وصلت الى المكان الذي تستطيع من خلاله خدمة بيروت.. بل اكثر من ذلك، فقد كان مطروحاً ان تصبح وزيرة في حكومة الحريري.
وتتحدث غنوة جلول عن تجربة عملها مع كتلة الرئيس الحريري النيابية قبل استشهاده، فتذكر انها استفادت كثيراً من هذه التجربة، ومن الخط السياسي الذي كان ينتهجه الرئيس الحريري، ومن مقدرته على معالجة الامور، واستيعاب جميع المشاكل، والتصميم على مواصلة الاصلاح والاعمار وبناء مستقبل افضل لهذا البلد.
وعن كونها المرأة الوحيدة على قائمة الرئيس الحريري الانتخابية، اوضحت انه كان يختارها لتمثيله في العديد من الامور التي تتعلق بالنشاطات الاجتماعية السياسية.
اما عن مدى تأثير عملها في المجال السياسي على الجوانب الأسرية وكيفية التوفيق بين المهمتين، فقالت: ما ساعدني على النجاح في هذا المجال هو عدم وجود وقت فراغ في حياتي، حيث كان معلوماً انشغالي بالعمل في الجامعة، وحرصي على تنظيم وقتي وتقسيمه بحيث تتم الاستجابة لمتطلبات البيت والاسرة، مع مواصلة العمل المنتج في الوقت ذاته، ولكن مما لا شك فيه ان متطلبات العمل السياسي كانت دائماً تؤدي الى خلق مناخات ضاغطة اكبر، نظراً لتشعبها واتساع مجالها، وهنا كان دور زوجي بتحمّل المسؤولية، لأننا اتخذنا القرار سوية ولم أقم باتخاذ القرار لوحدي، وهو شاركني في الحملة الانتخابية، الامر الذي ساعدني كثيراً. ولا شك ان السنة الاولى من ممارستي للعمل السياسي شكلت عاملاً ضاغطاً، حيث اخذت الكثير من وقتي.
وعن برنامج العمل الذي يتضمن مشاريع مستقبلية بشأن لبنان والذي كانت تتبناه كتلة قرار بيروت قبل استشهاد الرئيس الحريري، تقول: عندما خضنا الانتخابات، كان لنا خطابنا السياسي الوطني، وايضاً الخطاب المتعلق بالعمل في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. كانت جميع هذه الامور مدرجة ضمن برنامج سميناه «برنامج وطن»، وهو رؤيا شاملة فيما يتلعق بالرؤيا الاقتصادية والتقنيات والتربية والتعليم والاصلاح الاداري في مؤسسات الدولة اضافة الى ملف العلاقات مع الدول العربية، والى الانفتاح، الى آخر ما هنالك من قضايا ومشاريع طرحناها. ولترجمة هذه الرؤية، كان لا بد من صياغتها في سياق مشاريع معينة، وفعلاً كانت هناك مجموعة من المشاريع التي تم تحضيرها، واخرى كانت قيد التحضير. وخلال السنوات الاربع الماضية، كانت هناك طموحات كبيرة لترجمة هذه المشاريع عملياً على ارض الواقع. قبل العام 2000 تم تنفيذ اجزاء من هذه الرؤى والمشاريع، ولكن بعد العام 2002 توقف تنفيذ العديد منها لأسباب لم تعد خافية على أحد.
في
14 شباط €فبراير€ 2005، وقع
الزلزال واستشهد الرئيس رفيق الحريري، وتوحدت بالتالي كل قوى المعارضة حول مطالب
اساسية، تم توكيل نائبة بيروت غنوة جلول وزميلها نائب جبيل فارس سعيد بنقلها الى
رئيس الجمهورية ومن ثم الى رئيس الحكومة المستقيل المكلف، وهي مطالب وصفت بـ
«دفتر
شروط» رفض الرئيس اميل لحود تسلمها.
وتوضح غنوة جلول: انطلقت من نهج
الرئيس الحريري لجهة التعامل بصدقية مع الامور التي تهم مصلحة البلد ومستقبله. وقد
اوضحت للرئيس اميل لحود انني وعدداً من نواب كتلة قرار بيروت، وكذلك الرئيس الشهيد،
صوّتنا لصالح التمديد. ولكن المطالب التي احملها تعني البلد ومستقبله، كما تعني
القرار الامني واهمية كشف الحقيقة بالنسبة الى جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق
الحريري. لكن للأسف، لم يستجب الرئيس لحود لهذه المبادرة ورفض تسلم المذكرة.
اما موقف الرئيس كرامي، فوصفته النائبة غنوة جلول بأنه لم يكن اكثر ليونة من موقف الرئيس اميل لحود وانها تعتبر ان موقف الرئيس كرامي كان اكثر سلبية حيث ان الرئيس لحود تذرع «بأن الامر غير دستوري» وطلب الينا تسليم المذكرة لرئيس الحكومة، فيما موقف الرئيس كرامي كان شخصياً، وبأنه ضد الموضوع، حيث ذكر «انا شخصياً لا استطيع السير بهذه المطالب»!!
وتعلق نائبة بيروت: لذلك اعلنت بكل صراحة انه ليس لدينا
مطالب بأثمان سياسية لاغتيال الرئيس الحريري واذا كان رئيس الحكومة المكلف يرفض
تسلّم هذه المطالب فمن اجل ماذا يدعونا للحوار؟ وهل يدعونا كي نتحاور على دم الشهيد
رفيق الحريري؟
وتضيف: لقد ذكَّرت الرئيس كرامي كم كان الرئيس الحريري ايجابياً
مع
حكومته التي كانت سلبية جداً تجاهه، واوضحت له اننا ما زلنا نتعاطى بالايجابية
التي أوصانا بها الرئيس الشهيد، لكنه اكتفى بالقول بما معناه ان «استقالة الحكومة
هو
الثمن السياسي»!؟
واستبعدت النائبة جلول ان تكون حياتها، او حياة أسرتها
مهددة، لكنها في الوقت ذاته تتمنى ان يكون في لبنان اجهزة أمنية تقوم بواجباتها
الوطنية للحفاظ على حياة المواطنين، وقادرة على وضع حد للمخططات الاجرامية التي
استهدفت حياة الشهيد الحريري المعروف بوطنيته عربياً ودولياً، واخلاصه وحبه لبلده،
كما استهدفت بعضاً من رفاقه. فنحن اناس، وطنيون، ومؤمنون بالله وبقضائه وقدره، وكل
ما
نتمناه هو الأمان والاستقرار لهذا البلد، وان يبعد عنا كل الاذى والشرور التي
يسعى المجرمون لتنفيذها.. نحن ندعو دائماً ان يلطف الله سبحانه وتعالى بوطننا، وان
يقيه ويقينا البلاء، والعواصف السوداء...
نغادر منزل غنوة جلول عضو كتلة قرار
بيروت النيابية، ويلفت انتباهنا، ان المبنى الذي يقع فيه منزلها، خالٍ من اي حراسة
رسمية او خاصة، اللهم سوى البوابة التي تفتح كهربائياً من الداخل.. فنتذكر على
الفور حديثها عن قضاء الله وقدره الذي لم يغب عن لسانها طوال فترة اللقاء.
حاورها عبد الرحمن سلام