البداية السريعة على امتداد شط العرب إلى الجنوب الشرقي من البصرة، وعلى مسافة تقطعها السيارة في خمس وأربعين دقيقة تقع أبو الخصيب التي تمثل مركز قضاء تابع للواء البصرة يضم عددا من القرى من بينها قرية لا يتجاوز عدد سكانها ألفا ومائتي نسمة تقع على ما يسمى نهر أبو فلوس من شط العرب تدعى جيكور تسير إليها في طريق ملتوية تمتد بالماشي مدى ثلاثة أرباع الساعة من أبي الخصيب وهي الزاوية الشمالية من مثلث يضم أيضا قريتين أخريين هما بكيع وكوت بازل، قرى ذات بيوت من اللبن و الطين، لا تتميز بشيء لافت للنظر عن سائر قرى العراق الجنوبي.
فهي عامرة بأشجار النخيل التي تظلل المسارح المنبسطة ويحلو لأسراب الغربان
أن تردد نعيبها فيها، و عند أطراف هذه القرى مسارح أخرى منكشفة تسمى
البيادر، تصلح للعب الصبيان ولهوهم في الربيع والخريف، وتغدو مجالا للنوارج
في فصل الصيف، فكل شخص يعمل في الزراعة ويشارك في الحصاد و الدراس، ويستعين
على حياته بتربية الدجاج والأبقار، ويجد في سوق البصرة مجالا للبيع أو
المقايضة، ويحصل على السكر و البن والشاي وبعض الحاجات الضرورية الأخرى لكي
ينعم في قريته بفضائل الحضارة المادية، وإذا كان من الطامحين إلى (الوجاهة)
فلا بأس أن يفتح ديوانا يستقبل فيه الزائرين من أهل القرية أو من الغرباء
ليشاركوه في فضائل تلك الحضارة المادية.
السياب - دراسة في حياته وشعره
والبلدة التي ولد الشاعر في إحدى قراها و أكمل دراسته الأولى فيها والتي بقي يتردد إليها طيلة عمره القصير، برز فيها شعراء كثيرون، وان لم يشتهروا كشهرته، لضعف وسائل الأعلام ولخلود أكثرهم إلى السكينة ولعزوفهم عن النشر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشعراء محمد محمود من مشاهير المجددين في عالم الشعر والنقد الحديث، ومحمد علي إسماعيل، زميل السياب في العالية وصاحب الشعر الكثير، وأبوه شاعر مشهور أيضا واسمه ملا علي إسماعيل، ينظم القريض والشعر العامي، والشاعر خليل إسماعيل توفي في 1961 الذي ينظم المسرحيات الشعرية ويخرجها بنفسه ويصور ديكورها بريشته.
والشاعر مصطفي كامل الياسين الدكتور و الموظف الكبير في الخارجية وعبد الستار عبد الرزاق الجمعة، وعبد الباقي لفته و عبداللطيف الدليسي وعبدالحافظ الخصيبي ومؤيد العبدالواحد الشاعر الوجدان بالرقيق ومن رواة شعر السياب، والشاعر الأستاذ سعدي يوسف هو من أبناء أبي الخصيب، ظهرت له عدة دواوين شعرية، ونال شهرة واسعة بين شعراء البلاد العربية، اشتهر كالسياب بشعره الحر ونذكر الشاعر الشعبي عبد الدايم السياب، من أقارب الشاعر ولشعره شهرة في المنطقة الجنوبية، والشاعر الشعبي كذلك عدنان دكسن وهو معلم.
ولد السياب في منطقة (بكيع) بكاف فارسية وجيكور محلة صغيرة فيها وهي كلمة فارسية تعني (بيت العميان) وتبعد عن أبي الخصيب بما يقارب الكيلوين و تقع القرية على شط العرب، وأمامها جزيرة جميلة اسمها (الطويلة) كثيرا ما كان السياب يقضي الساعات الطوال فيها، ونهر (بويب) الذي تغنى به الشاعر كثيرا، يسيل في أملاك عائلة السياب وهو يتفرع من النهر الكبير إنها قرية صغيرة اسمها مأخوذ من العبارة الفارسية (جوي كور) أي الجدول الأعمى وآل السياب يملكون أراضي مزروعة بالنخيل، وهم مسلمون سنيون عرفتهم جيكور لأجيال عدة. وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا من كبار الملاكين في جنوب العراق، فانهم كانوا يحيون حياة لائقة محترمة حسب المعايير المحلية إن أعضاء الأسرة من الذكور لا يزيدون على ثلاثين في الوقت الحاضر مصطفى السياب، في رسالة إلى المؤلف، بيروت 32 نيسان 1966 لكن الأسرة كان أكبر مما هي اليوم في أوائل القرن التاسع عشر إذ كانت تصم عائلة المير لكن كثيرين من أعضائها ماتوا في الطاعون الذي انتشر في العراق سنة 1831 وكان سياب بن محمد بن بدران المير أحد أعضائها، وكان قد فقد جميع أهله الأقربين.
وكلمة سياب بتشديدها بضم السين أو فتحها : اسم يطلق على البلح أو البسر الأخضر. لكن قصة تروى في العائلة تزعم أنه دعي بهذا الاسم لأنه فقد جميع أقربائه وسيب وحيدا. وهي تلفظ سياب في اللهجة المحلية بتسكين السين.
وفي عام تزوج شاكر بن عبد الجبار ابنة عمه كريمة،
وكانت أمية في السابعة عشرة من عمرها. وأسكنها معه في دار والده على ما
تقضي به العادات المرعية. وفي 1926
ولدت له ابنا دعاه (بدرا). وقد طار به فرحا وسجل تاريخ ميلاده حتى يتذكره،
لكنه ما لبث أن فقده وبقي تاريخ ميلاد بدر مجهول ولم تكن إدارة البلاد في
ذلك الوقت متفرغة لتنظيم تسجيل المواليد، ولا سيما في النواحي النائية. وفي 1928
ولدت له ابنا ثانيا دعاه عبدالله، وفي 1930
ولدت له ابنا ثالثا دعاه مصطفى وكان فخورا بأبنائه الثلاثة، واثقا من أنهم
سيكبرون ويساعدونه في عمله لكن أحدا منهم ما ساعده كما كان ينتظر ويأمل
أما في البيت فقد كان بدر يلعب مع أصدقائه فيشاركه أخواه الأصغران. وكان
الأماكن المحببة للعبهم بيت واسع قديم مهجور يدعى (كوت المراجيح) باللهجة
المحلية
وكان هذا البيت في العهد العثماني يؤوي عبيد الأسرة (مصطفى السياب، من
مقابلة مع المؤلف، بيروت 14
حزيران 1966)
و من هنا أسمه، إذا معنى (المراجيح) المراقيق أي الرقي أو العبيد وقد دعاه
بدر في شعره فيما بعد (منزل الأقنان) كانوا يلعبون في فنائه بالقفز على
مربعات ودوائر تخطط على الأرض وما شابه ذلك من العاب القفز، واكن يلذ لهم
كذلك أن يرووا عنه قصص الأشباح. وقد جعله بدر مقرا لجريدة خطية كان يصدرها
مدة باسم (جيكور) تتناقلها أيدي صبيان القرية، ثم تعود في ختام المطاف لتجد
محلها على الحائط في غرفة الإدارة وتشمل ذكرياته أقاصيص جده - على نحو
مبهم- وقصص العجائز من عمة وجدة وغيرهما، و من أقاصيصهما حكاية عبد الماء
الذي اختطف زينب الفتاة القروية الجميلة، وهي تملأ جرتها من النهر، ومضى
بها إلى أعماق البحر و تزوجها، و أنجبت له عددا من الأطفال، ثم رجته ذات
يوم أن تزور أهلها، فأذن لها بذلك، بعد أن احتفظ بأبنائه ليضمن عودتها، و
لكنها لم تعد, فأخذ يخرج من الماء ويناديها ويستثر عاطفتها نحو الأطفال، و
لكنها أصرت على البقاء، و أخيرا أطلق أهلها النار على الوحش فقتلوه، أما
الأطفال فتختلف روايات العجائز حول مصيرهم كذلك تشمل ذكرياته لعبه على شاطئ
بويب، وهو لا يفتأ يذكر بيتا في بقيع يختلف عن سائر البيوت، في أبهائه
الرحبة، وحدائقه الغناء، ولكن اشد ما يجذب نظره في ذلك المنزل الإقطاعي تلك
الشناشيل، وهي شرفة مغلقة مزينة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون غير أن
الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي
ولد فيه وعاش فيه سنوات طويلة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه
الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم (جيكور) على القريتين إذا ليست بقيع في
واقع الحال الا حلة من جيكور.
ولابد لنا من أن نشير إلى أن بعض الصحفيين زاروا هذا البيت في عام 1965
وكان مما قالوه في وصفه : البيت قديم جدا وعال، وقد تحللت جذور البيت حتى
أصبحت كأسفل القبر، والبيت ذو باب كبير كباب حصن كتب عليه بالطباشير اسم ؛
عبد المجيد السياب
وهو الذي يسكن الآن في الغرفة الوحيدة الباقية كان البيت قبل عشر سنين يموج
بالحركة والحياة، أما سبب هجر عائلة السياب لهذا البيت أو بالأحرى لجيكور
فهو بسبب ذهاب الشباب إلى المدن بعد توظيفه" جريدة الثورة العربية، بغداد
عدد 184
- 12
شباط 1965
دخل السياب في أول مراحله الدراسية مدرسة باب سليمان الابتدائية في أبي
الخصيب، ثم انتقل إلى المحمودية الابتدائية التي أسسها المرحوم محمود باشا
العبد الواحد في سنة 1910
في العهد العثماني، وبقيت تحمل اسمه حتى الآن وتخرج من هذه المدرسة في
تاريخ 1-10-1938 ولدى مراجعة محمود العبطة سجلات المدرسة المحمودية ،
عثر على معلومات خاصة بالشاعر نقلها من السجل رقم 6 وصفحة السجل 757
والمعلومات هي.
الصفحة الرئيسيّة للشخصيات العربيّة