مقدمة
تعرضت بيروت للخراب والدمار عشرات المرات في حقب متمادية وكان ذلك يحدث بفعل نوازل طبيعيّة تارة، وتارة أخرى بالهجمات الحربيّة التي كانت تشنها عليها الجيوش من كل حدب ومن كل صوب طمعاً بها أو انتقاما منها.
بيروت برهنت في صراعها مع النوازل الطبيعيّة وكذلك في مواجهتها للوقائع الحربيّة أنها أقوى من النكبات التي كانت تنزل بها واستطاعت أن تضمد جراحها وأن تنهض من تحت أنقاضها وتستأنف مسيرتها العُمرانيّة وانطلاقتها الحضارية من جديد بهمة أبنائها الذين لم يعرف اليأس الطريق إلى نفوسهم الأبيّة، كذلك هو شأنهم في الماضي كما هو شأنهم في الحاضر.
وهكذا ذهبت الكوارث والنكبات وبقيت بيروت مستمرة أبداً على طريق الحضارة.
أقدم حصار عرفته بيروت
ليس بين أيدينا مرجع تاريخي يخولنا الجزم بتعيين أقدم حصار عانته بيروت في الأزمنة السحيقة، إلا أن بعض المعلومات التي تناقلها المؤرخون حول الأحداث الحربيّة التي كانت بلادنا مسرحاً لها تشير إلى أن ملك بابل الكلداني نبوخذ نصّر لما حارب المصريين وأجلاهم عن البلاد السوريّة، إصطدم بمقاومة شديدة من أهل مدينة صور، ولما تمكّن من التغلب عليهم سنة 586 قبل الميلاد، اندفع بجيشه المنتصر شمالاً وصّب جام غضبه على المدن الساحليّة وجعلها قاعاً صفصفاً، ولم يتركها إلا وهي فريسة للدمار والخراب، وبالرغم من أنّ إسم مدينة بيروت بالذات لم يرد صراحة خلال تلك الأحداث إلا أن الكلام الذي تناول تلك الفترة يوحي بأن هذه المدينة أصابها آنذاك ما أصاب سائر المدن الساحليّة من التدمير والتخريب على يد الجيش الكلداني بقيادة ملك بابل نبوخذ نصّر.
وعلى هذا يكون نبوخذ نصّر الكلداني البابلي أول حاكم أجنبي أناخ بكل حصاره على مدينة بيروت ثم إجتاحها بجيوشه وأنزل بها الدمار والخراب.