إذا كان التنجيم يغزو بعض المجتمعات الفقيرة والمتخلفة، فالعجب أن يغزو المجتمعات المتقدمة صناعياً وتكنولوجيا مثل فرنسا، فمن يصدق أن ثلاث مليارات أورو أوروبي يصرفها الفرنسيون كل عام على التنجيم، ويعمل حوالي 30 ألف محترف في هذه المهنة تحت ظل القانون، والسؤال المحير: لماذا يعتقد الناس بالتنجيم والتنبوء والتبصير كلما أوغل العصر في العلم والتقدم؟
فالقانون الفرنسي سمح بوجود عيادات متخصصة للمنجمين مع أنه يحرم السحر والشعوذة، ويعاقب من يفتعل الأكاذيب والأضاليل.
لكن رغم ذلك يشكل التنجيم واقعاً اجتماعياً موجوداً في أوروبا وتحديداً منذ عهود الملوك القدماء لاسيما منذ عهدي الملكين (لويس الثالث عشر) و(لويس الرابع عشر) ففي القرن الخامس عشر كان يوجد في فرنسا أكثر من ثلاثة آلاف ساحر وساحرة، وكان لكل نبيل ونبيلة أو شخصية مرموقة ساحرها الخاص، وهكذا ينسحب التفصيل من كل هذه العلوم القديمة ويمتد إلى عصرنا هذا، إذ يجد له آذاناً صاغية لدى العديد من رجال السياسة الفرنسيين وفي طليعتهم الرئيس الراحل (ميتران).
تأثير التنجيم على السياسيين الفرنسيين
العرافة الفرنسية (إليزابيث تيسيه) أصدرت كتاباً تحدثت فيه عن علاقتها بالرئيس (فرانسوا ميتران) معلنةً أنها كانت المستشارة الروحية له طيلة السنوات الست الأخيرة من حياته لدرجة ذهب فيها البعض إلى حد التساؤل: هل كانت هذه السيدة في قائمة عشيقات (ميتران)؟ هي تنفي ذلك، لكنها تشير تلميحاً إلى أن الرئيس كان يشعر بالغيرة من زبائنها الآخرين، في البداية لم يكن ميتران مقتنعاً بما ترويه له المنجمة إلى أن اقتنع أخيراً بأخبارها نتيجة كل ما سردت له من وقائع وأحداث اعتبرها متطابقة مع دورة الأفلاك في برجه برج العقرب.
ثم تعززت مكانة العرافة أكثر فأكثر بعدما تنبأت له بوقوع حرب في بداية التسعينات فكانت حرب الخليج الثانية، وهناك من يستغرب ويسأل: هل يمكن لرئيس بلد مثل فرنسا أن تتأثر بعض قراراته بما يمكن أن تراه بصارة أو منجمة؟ إليزابيث تيسيه أصبحت معروفة في أوساط حاشية ميتران، غالباً ما كان يدعوها إلى تناول الطعام معه، وتعود حراس القصر الجمهوري على زياراتها المتكررة، فهي كانت تدخل من الباب الرئيسي للقصر مثل أي زائر آخر، واحتلت أخبارها عناوين العديد من الصحف والمجلات هي والمنجمة (دجونا) منجمة الرئيس الروسي السابق (بورليس يلتسين) لدرجة قيل إن الرئيسين وثقا فيهما أكثر من ثقتهما بالمستشارين، ورغم إقبال رجال السياسة على المنجمات فهم يعرفون أن ذلك قد ينعكس سلباً على شعبيتهم ويفضلون دائماً أن تكون زياراتهم للمنجمات أو زيارات المنجمات إليهم في الخفاء على عكس ما كانت تفعله (تيسيه) يشار إلى أن الإعلان عن وجودها في حياة الرئيس وعن زياراتها المنتظمة إليه كانت في آخر أيامه ولم يُعلن عنها في زمن الاستشارات أو أثناء لقاءاتها الأولى بميتران منذ نهاية الثمانينات من هنا كان التكتم محيطاً بالسياسيين الذين يزورون المنجمات.
وإذا كان البعض يهزأ مما يقوله المبصرون إلا أن للتنجيم –كما يرى آخرون-أصولاً وعلماً ومعرفة دقيقة بكل التفاصيل المحيطة بالإنسان، والتنجيم غير التبصير، فهو مرتبط بالنجوم ودرة الأفلاك والكواكب ومدى تأثيرها على البشر، فالمنجمة هي متخصصة فيعلمها، وتطلب من الزبون تاريخ ولادته باليوم والشهر والسنة والساعة التي وُلد فيها والمكان، وعند حصولها على هذه المعلومات والأرقام ومكان الولادة يرسم الكمبيوتر في مكتبها صورة توزيع الكواكب، فتعمد المنجمة إلى المقارنة وتحديد العلاقة بين الكواكب والأبراج وانعكاس كل ذلك على التصرفات البشرية وعلى أمزجة الأشخاص، فلكل كوكب علاقة بالنجاح والفشل، والحياة العاطفية والجنسية، والقرارات التي يمكن أن يتخذها كل إنسان وما إذا كان رجل السياسة مثلاً مُحقاً في اتخاذ قرار في هذه الفترة الزمنية من السنة أو ما إذا كان يتوجب عليه تأجيل قراره إلى وقت آخر.
نادين ليديكيرك (منجمة فرنسية): إذا أردنا أن نعرف مثلاً الحد الذي يتمتع به أحد رجال السياسة فيجب أن نعرف جيداً مدى مطابقة قراراته لدورة الأفلاك وانسجامها مع برجه الخاص، (شيراك) مثلاً عندما اتخذ قراراً بحل مجلس النواب لم يكن هذا القرار مناسباً له، وأدى إلى ضرر سياسي كبير لحق به، لأنه اتخذه في وقت غير منسجم مع حدود النجاح في حياته، أما (جوسبان) فهو من برج السرطان، وهو يخفي لديه منطق الوصول إلى السلطة، ثم سرعان ما يكشف عن ذلك.
والمدافعون عن التنجيم يرون فيه علماً خصوصاً وأن هذا التنجيم دخل في أحدث أدوات التكنولوجيا كالكمبيوتر والمينتال والإنترنت، وأصبحت أجهزة الكمبيوتر تقوم بمهمة المنجم في بعض العيادات أو المقاهي أو المحال الخاصة، وصدرت في فرنسا عشرات الكتب التي تتحدث عن التنبؤات التي صحت والتي رواها العديد من المنجمين والمنجمات، لاسيما التنبؤات الخاصة بوقائع وأحداث سياسية وأمنية عالمية فضلاً عن شهادات يُدلي بها رجال معروفون ومشهورون في هذه الكتب علماً أن رجال السياسة بقوا دائماً بعيدين عن الأضواء رغم استشاراتهم الكثيرة للعرافين والعرافات، ومن أبرز الكتب الموجودة في فرنسا ما كُتب عن العرافة (ياجيل ديدييه) التي دخلت إلى قلب أسرار بعض الأوساط السياسية فكتب عنها العديد من الصحفيين الفرنسيين ونشروا شهادات لبعض الأشخاص الذين استشاروها، ونقصد هذه العرافة الشهيرة في باريس التي استشارها العديد من رجال السياسة الفرنسيين لكي يتعرفوا أو يكتشفوا مستقبلهم السياسي إذا صح القول، نزورها هنا لنسألها عن الطريقة التي تعتمدها في آلية التبصير، ولماذا يهتم السياسيون بشكل خاص.. بكل ما تقوله العرافات؟
ياجيل ديدييه (عرافة فرنسية): في الحقيقة أن السياسيين يهتمون بالتنجيم في أوقات الانتخابات بشكل خاص، ويريدون معرفة ما إذا كانوا سينتخبون، ويريدون أيضاً معرفة خصمهم السياسي. لكل رجل من رجال السياسة مطلبه الخاص، ولا يمكن تعميم بعض الأمور والمسائل على جميع رجال السياسة لكل شخصية منهم خصوصياتها.
وتختلف أساليب التنجيم عند كل منجم أو مبصر، فهناك الورق الذي يعتمده الكثيرون منهم والكرة الكريستال، وتحاول هذه العرافة بالذات من خلال كلمات معينة أو كلمات مفاتيح تحاول قراءة عناوين عريضة لأحداث سياسية أو أمنية، ماذا قرأت ياجيل ديدييه سابقاً؟
ياجيل ديدييه: لقد وضعوا لي في ظرف مغلق كلمة أجهلها، كانت هذه الكلمة (بوتين)، لقد حاولت وصف ملامحه وملامح وجهه، لكنني رأيت أمراً غريباً أنه تصادم، ورأيت ما يشبه الجنود ونساءً تعول وعشرات (....)، أحسست بالأكاذيب، لكن الحقيقة ظهرت بعد أسبوع، وفهمت أن الأمر يتعلق بعرق الغواصة (كورسك).
بالنسبة للانتخابات الأميركية لم أكن بلهاء، عندما شعرت بالفارق الضيق جداً.. جداً وبصعوبة فوز (بوش) في هذه الانتخابات.
لكن أروع تجربة مررت بها كانت عندما تنبأت باغتيال السادات، وقد رويت هذا التنبوء في كتابي عندما استشارني أحد رجال السياسة اللبنانيين فجأة قلت له: إن السادات سيُقتل، وفعلاً حدثت عملية الاغتيال.
وإذا كانت هذه العرافة نقلت الكثير من قراءاتها إلى رجال السياسة، إلا أنها ترفض ما كانت فعلته زميلتها العرافة (إليزابيث تيسيه) التي فضحت الرئيس السابق (ميتران) والذي تأثر بها نتيجة لكل ما قالته له بشأن حرب الخليج الثانية قبل وقوعها، معتبرة أنه يتعين على العرافة أن تحترم أسرار المهنة وهذا من أبرز واجباتها، وألا تفضح من يأتي إليها سواء كان سياسياً أم غير سياسي.
ياجيل ديدييه: لا أحب أن أقول أشياء يمكن أن تشيء إلى من يمارس المهنة نفسها التي أمارسها، لكنني أعتقد أن ما قامت به زميلتي (تيسيه) حول فضح (ميتران) هو أمر غير مقبول، منافٍ للأخلاقيات، كما أنه منافٍ لأحوال المهنة مع كل ما تناولته الصحافة حول هذا الموضوع، وأعتقد أنه سواء تعلق الأمر برجل سياسي أو فنان أو أي شخص آخر، لا يجب أبداً فضح هويته، حتى لو سمح لنا الشخص المعني بالأمر بأن نكشف عنه، إلا أن أحد خصائص تطبيق هذا العمل هو الحفاظ على سر المهنة، إنه عمل يشابه تماماً عمل الكاهن ويجب الحفاظ على سريته مهما كلف الأمر.
التنجيم بين الموهبة والعلم والاحتيال
وترفض العرافة بالطبع أن ينظر إليها نظرة ازدراء أو هزء بما تقوله، وينساق وراء أقوالها أو أقاويلها العديد من رجال السياسة في فرنسا وفي غيرها من الدول، وإذا كانت فضائح رجال السياسية في دول أخرى مثل الولايات المتحدة اقترنت بالعلاقات العاطفية أو الجنسية للرجل السياسي، إلا أن ما أثير في فرنسا مؤخراً من فضائح للسياسيين هو ارتباط بعضهم بعلاقات مع منجمات وعرافات، من هنا تريد كل عرافة أن تحافظ على مصداقيتها خصوصاً العرافات المشهورات اللواتي دخلن إلى بيوت رجال السياسية، فلهن مصداقيتهن ويردن الحفاظ عليها بأي ثمن، فالعرافة الفرنسية الشهيرة التي زرناها(ياجيل ديدايية) تؤمن مثلاً بأن تنبؤاتها هي عطاء وموهبة مما، ولذلك علاقة -كما تقول- بالحاسة السادسة والقدرة على الغوص بعيداً في بعض المعطيات التي تكونها من الشخص الموجود أمامها لتكشف أموراً تتعلق بمستقبله ربما، وأكثر من ذلك فهناك بعض المتخصصين في مجالات العلم المتعلق بالدماغ والأعصاب، فهؤلاء يعتبرون أن للتبصيراً والتبصر في الأمور المستقبلية علاقة بقدرة الدماغ على اكتشاف المستقبل، ولا يتمتع كل البشر بنفس القدرة الدماغية كما يقول أحد الأطباء المتخصصين في الدماغ، وهو طبيب فرنسي من أصل مغربي، الدكتور إلياس أتياس وهو أيضاً صديق للعرافة (ياجيل ديدييه)، قصدنا عيادته حيث نجده منهمكاً بين آلاته التي يقول إنها لقياس القدرة الدماغية لدى الأشخاص، فهو اكتشف أن لصديقته العرافة (ياجيل ديدييه) قدرة دماغية تصل حسب المقياس الموجود لديه إلى حوالي 80 أو أكثر كما تشير هذه الساعة، في حين أن المعدل الطبيعي للأشخاص العاديين الآخرين يبلغ حوالي 50 حسب القياس المذكور، خضعنا جميعاً للتجربة على مقياس الدماغ –كما يقول الدكتور أتياس- وتراوحت النتائج كلها بين 50 أو أكثر بقليل أو أقل، ولم يصل أي منا للدرجة التي وصلت إليها العرافة (ديدييه) فأنا مثلاً وعندما خضعت للتجربة كانت النتيجة أقل من 50، ورغم هذه النتيجة المتدنية بادرت العرافة وصديقها الطبيب الذي يقول إنه اكتشف هذه الآلية بادرا فوراً إلى طمأنتي بأنني في حدود أي شخص عادي، بمعنى آخر لا يمكنني أبداً أن أكون مبصراً، المهم أن النتيجة عادية ومرضية كما هو الحال لدى أي شخص آخر.
هل صحيح هي موهبة أم غش واحتيال، وهكذا فإن ممارسة مهنة التنجيم أو التبصير متشعبة وقد تكون خاضعة لكل احتمالات التزيين والاستغلال، ومهما كانت التحليلات لواقع التنجيم وما إذا كان علماً برأي البعض، أو تبجيلاً برأي البعض الآخر، إلا أن رواد التنجيم والمقبلين عليه في الدول الغربية لا سيما في فرنسا كثر، لدرجة غزا فيها العديد من محطات الأثير الفرنسية، كذلك هناك بعض الاذاعات التي تقدم على الهواء مباشرة ضمن بعض برامجها حلقات تحتوي في موادها الأساسية على فقرات خاصة بالتبصير أو التنجيم، وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المستمعين والمعلنين على السواء، حيث تقوم المنجمة ضمن برنامج يومي بالرد على أسئلة المستمعين واستفساراتهم حول العديد من القضايا كالحب والزواج والمال والعمل.
عمليات التنجيم بين التربح المادي والرفض الديني
وبغض النظر عن التبصير ومفاعله إلا أن هدف الإذاعات التي تقدمه لمستمعيها هو في الدرجة الأولى هدف تجاري خصوصاً وأن آلاف المكالمات الهاتفية تنهال على برامج التنجيم كل ساعة.
الأديان السماوية حسمت موقفها من المبصرين والمشعوذين والدجالين، والموقف متشابه بين الكنيسة والإسلام حول هذا الموضوع، وجاءت مقولة "كذب المنجمون ولو صدقوا"، وحذر الإسلام من اللجوء إلى العرافين، فالغيب هو في علم الله، ومن يقع في إغراءات التنجيم فإنما ذلك نتيجة لفراغ روحي وانهماك في الأمور الدنيوية وحدها.
وموقف الكنيسة لا يختلف كثيراً عن موقف الإسلام بشأن التبصير، إذ يعتبر رجال الدين المسيحيون اللجوء إلى مثل هذه الأعمال بأنه مناف للإيمان لأن لا أسس علمية أو واقعية لهذه الأعمال التي لا تتوافق مع العقيدة المسيحية.
بالنسبة إلى كثيرين في الغرب سواء أكانوا يعتقدون بالتنجيم أو لا يعتقدون به هو هروب من حالة إلى حالة، هو إطلاق العنان لعالم الخيال الواسع وكثيراً ما يرغب الإنسان بالحلم ويتعلق به خصوصاً إذا كان الواقع الذي يعيش فيه هو واقع بشع ومشوه، فالغربيون والفرنسيون على وجه التحديد يتأثرون بما هو آتٍ من المشرق العربي ومن المغرب الغربي، فالفن والخيال هما عنصران أساسيان في حضارات الشعوب وتقاليدها، وفرنسا تشهد على مزيج واختلاط كبيرين بين التقاليد والعادات لاسيما مع دول المغرب العربي، فالفرنسيون يعرفون الكثير من تقاليد المغرب، وما يُروى عن الشفاء وعن الرقية وغيرها، حتى أن المسرح الفرنسي ينقل هذه العادات في لوحات نشاهدها مع فرقة مغربية.
وهكذا يطلق العنان للخيال بأفقه الواسع، فالغرب متأثر – ولا شك – بكل قصص الشرق عن السحر وحكايات وحكايات ملؤها الخيال مثل "ألف ليلة وليلة" وغيرها، وهذا كله واقع جميل بالطبع يريد الإنسان من خلاله أن يشرد بعيداً عن همومه وحياته اليومية فيهجر واقعه الحزين إلى عالمٍ من الحلم والخيال.
والمتعاطون بالفن لهم نظرهم الخاصة لكل ما يتعلق بالتبصير أو التنجيم، فلهذه الظاهرة المتنامية في المجتمعات الغربية ارتباط بالخيال، ولكل ما يمكن لهذا الخيال أن يبدعه.
مخاطر التنجيم وغرائبه
ونتيجة لتزايد أعداد المقبلين في الغرب على استشارة المنجمين والعرافين أصبح الدجل ملازماً في أحيان كثيرة لممارسات واستشارات معينة في ضوء ارتفاع تكاليف الاستشارة ووصول السعر تقريباً إلى آلاف اليوروات، وبما أن التبصير أصبح آفةً -إذا صح القول- مع إقبال بعض السياسيين على الاعتقاد به نجد أن المجتمع الفرنسي ينبه ويحذر من مخاطره، فالسينما الفرنسية مرتبطة إلى حدٍ كبير بتقاليد المجتمع وحياة الفرنسيين، لذلك تناولت السينما ظاهرة التنجيم في فيلم أنتج مؤخراً في باريس وعنوانه "Voyance et Manigance" الذي يحاول إظهار أشكال التدجيل في التنجيم ومختلف أنواع التبصير من خلال أسلوب تهكمي بهدف إبعاد الناس وبعض المسؤولين عن اللجوء إلى التنجيم، وإذا كان محترفو المهنة يقولون إن عملهم هو لمساعدة من يلجأ إليهم ممن يعانون مشكلات نفسية وحياتية، فهناك من يعتقد بأن عمل المبصر قد يتحول إلى نوع من السحر والأذية للآخرين، ولا يُفك السحر إلا بسحر آخر، والقضية تتعقد.
السحر الأسود والسحر الأبيض، طيب السحر الأسود.. الشيطان.. هذا هو الشر بعينه، وهنا في فرنسا أناس يمارسون التبصير بشكل سلبي مما يؤدي إلى شرور وأذية مثل بعض الأفارقة، وعدد آخر من المبصرين من جزر الأنتيل والكاريبي الذين يمارسون طقس الفودو، وأعتقد أنه إذا مارس المبصر هذا السحر الأسود فإن الأمر سيرتد عليه وسيدفع الثمن.
وفي فرنسا تستمد بعض أشكال التنجيم أصولها من تاريخ طويل عمره مئات السنين، فلا يمكننا أن نغلق هذا الملف من دون ذكر المنجم الفرنسي الشهير (نسرا داميوس) الذي عاش في القرن السادس عشر، والذي أدلى بتنبؤات دقيقة إذا صدقت تنجيماته بالنسبة إلى العديد من ملوك فرنسا، وهناك من يحاول في عصرنا هذا أن يطابق تنبؤات (نسرا داميوس) على أحداث ووقائع في تاريخنا الحديث مثل الصراع العربي الإسرائيلي وغيره من النزاعات، وهناك أيضاً من يفسر تنبؤات (نسرا داميوس) كما يحلو له ربما لاعتبارات وأسباب معينة.
فكما أن قوى الخير موجودة هناك أيضاً قوى الشر من الناحية الفلسفية والدينية، والكون واسع ومليء بالحقائق والأسرار والخزعبلات للمستفيدين، وفي كل الأحوال تدفعنا الفضولية أو الحشرية للتطلع إلى الأفق البعيد البعيد، لكن من دون أن تعرف أبداً ماذا يخفي وراءه، وإذا كانت نظرة البعض إلى الغد تفاؤلية، لأنه يعني المستقبل إلا أن الغد أيضاً يبقى مجهولاً للكثيرين.