الخيانة الزوجية
خنجر في قلب الحياة الزوجية
إذا كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، فإن مشكلة الخيانة الزوجية تقع بسبب تباعد
مشاعر الزوجين أو سوء التفاهم أو الفهم المتبادل فيما بينهما، وإهمال أحدهما أو
كلاهما للحقوق الزوجية، عندئذ تكون بداية الغرس غير المشروع لفكرة الخيانة، عند
توافر الظروف المناسبة، وفي المكان المناسب وبطريقة أو بأسلوب قد لا يخطر على بال
شريك أو شريكة الحياة، فقد "يؤتى من مأمنه الحَذِر" أو الحريص... وما دام أحد
الزوجين قد رضخ لسُعار الشهوة، ولم يتمكن من إشباعها بصورة مشروعة في ظلال الزوجية،
فإنه قد يسارع إلى إمضائها وإفراغها بصورة غير مشروعة، عندما تحين الفرصة، وإذا
كانت كل بداية صعبة، فإن التواصل على طريق التبادل الطبيعي للمشاعر الإنسانية، خير
من التردي إلى هاوية الانحراف أو الانجراف إلى الحرام، وهو بطبيعته، يشعل سُعار
الغريزة البهيمية ويلهبها بوسائله وإغراءاته الشيطانية، لتظل مستعرة على الدوام ولا
تنطفئ ولا ترتوي من هذا المستنقع الضحل.
لذلك ينبغي على الزوجين أن يضعا نصب أعينهما، أسباب وبواعث تفشي سرطان الخيانة، في
حياة بعض الأسر، لأن من يتعرف إلى أسباب الفساد والشر لا يقع فيها، بل يعمل قدر
طاقته على تلافي هذه الأسباب، وتحصين أهله منها، ليتجنب جمارها وأهوالها في الوقت
المناسب.
حسن الاختيار وحده لا يكفي
إذا أحسن كلا الزوجين الاختيار للآخر، فلا يعتمد على هذا الأمر وحده، لأنه مجرد بداية صحيحة، يعقبها حسن رعاية وعناية متبادلة بين الطرفين، وليحرص كل طرف على إعفاف الطرف الآخر بكل وسيلة مشروعة حتى وإن كانت رغبة الزوج وشهوته غير مولعة بزوجته في وقت معين، وهي في حاجة إليه فعليه تلبية رغبتها، بل إذا انعدمت لديه الشهوة ينبغي عليه إعفاف زوجته، إعمالاً لقول رسول الله {: "مباضعتك أهلك صدقة"، قلت: يا رسول الله: أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال: أرأيت لو وضعه في غير حقه كان عليه وزر؟ قال: قلت: بلى، قال: أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير"، لأنه يؤجر على فعله هذا، وإن كان على غير رغبة منه بمقتضى هذا الحديث الشريف، بل لا يجوز للزوج أن ينشغل عن زوجته بعبادة أو عمل أو يتغيب عنها لفترات طويلة بلا عذر أو ضرورة.
وقد شغل أمر غياب الأزواج عن زوجاتهم لفترات طويلة، بال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سمع في جوف الليل، أثناء تجواله في المدينة لتفقد أحوالها، صوت امرأة تقول:
تطاول هذا الليل وازورَّ جانبه |
وليس إلى جنبي خليل ألاعبه |
فو الله لولا الله لا شيء غيره |
لزعزع من هذا السرير جوانبه |
مخافة ربي والحياء يكفّني |
وأكرم بعلي أن تنال مراكبه |
سارع أمير المؤمنين إلى ترك تجواله ثم سأل عن هذه المرأة، فقيل له: هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة تكون معها، وبعث إلى زوجها فأقفله- أي أرجعه إليها مما كان فيه- ثم دخل على أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها فقال: يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله، مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: خمسة أو ستة أشهر، فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرا، ويقيمون أربعة، ويسيرون راجعين.
وعليه لا يكفي حسن اختيار الزوجة، وإنما ينبغي معاشرتها بالمعروف، وإرضاء رغبتها،
وكذلك الشأن بالنسبة للزوجة تجاه زوجها، فإن دعاها إلى فراشه من ليل أو نهار، فلا
تمتنع عليه إلا لمانع شرعي أو صحي ضروري وقطعي، لأن تحصين الزوج وإعفافه أيضاً من
مهام الزوجة.
الرعاية والمحبة بين الزوجين
إن
الرعاية وبث روح التفاهم والحب بين الزوجين، يعملان على استقرار الحياة الزوجية
بينهما، وعلى الرجل يقع العبء الأكبر في رعايته لزوجته، استجابة للتوجيه النبوي
الكريم، فقد روى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله { قال في خطبته في حجة الوداع:
"اتقوا الله في النساء، فإنهن عَوَانٍ عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم
فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألاّ يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن
ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
الداء والدواء
في
حال التعرف بعد الفحص والتشخيص إلى أسباب الداء، يمكن بسهولة وصف الدواء المناسب
للتعافي من المرض وإن كان عضالاً وجل المشكلات الأسرية سببها العلاقات السريرية
الحميمة بين الزوجين، أو فقد عنصر التفاهم والتوافق، أو الإشباع للغريزة الطبيعية
لدى أحد الزوجين، وقد يتصور بعض الرجال أو النساء أن طول العشرة أو تقدم العمر،
يغني تماماً عن ممارسة هذه العلاقات المشروعة، لإشباع الرغبات، بدرجاتها المتفاوتة،
مهما كانت الأسباب، من يتصور ذلك يقع في خطأ كبير، ويفتح المجال لشريك أو شريكة
حياته للوقوع في حبائل العلاقات المحرّمة، وخصوصاً بعد أن أصبحت معظم المجتمعات
الإسلامية مفتوحة أو مفتَّحة الأبواب على كل الثقافات العالمية، والدعوات المشبوهة،
والإغراءات التي بلغت حد تحريك الساكن وبعث الكامن عند من بلغوا من الكبر عتياً،
فضلاً عن الوصفات المشجّعة على إلهاب سُعار الغريزة وإشعالها حتى لدى كبار السن من
الجنسين (الرجال والنساء).
والدواء النافع لإرواء غلة الرغبة المضطرمة، هو إشباعها بلا إفراط أو تفريط، ورفض
جميع المغريات التي تدعو إلى إشباعها بوسائل غير مشروعة أو اصطناعية، لأن الدواء
الذي يناسب غير المسلمين، قد يتعارض تماماً مع القيم الإسلامية، أو يدخل ضمن دائرة
المحرَّمات المقطوع بها في الشرع الحكيم، لذلك ينبغي عرض كل وسيلة للتداوي على
المنهج الإسلامي وأحكام الشريعة الغراء، قبل استخدام هذا الدواء، أو تطبيقه، مهما
كانت البواعث أو المغريات.
الحل المشروع للمشكلة
إن
مشكلة الخيانة الزوجية لن تجد حلها المشروع سوى في رحاب الإسلام بأحكامه وقيمه،
والتأسي برسول الله { في معاملته ومعاشرته لزوجاته أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن
فلا ينبغي للرجال أن يرتموا على نسائهم كالبهائم، بل ينبغي أن يجعلوا بينهم وبينهن
رسولاً، من مقدمات الجماع، لتهيئة نفسية الزوجة، وبعث رغبتها، لتتمكن من إشباع رغبة
الزوج، لأن سوء المعاشرة أو الانحراف بها، يهدد عرى الزوجية، ويفتّ في عضدها،
ويعرّض حصن الزوجية للاختراق من شياطين الإنس وإخوانهم، فإذا تنافرت الطباع،
واستعصى الحل في أخص خصوصيات العلاقات الزوجية الحميمة، فلا مفر من اللجوء إلى آخر
أنواع العلاج وهو الطلاق، لأنه أبغض الحلال، ولكنه أيضاً بمنزله الكي الذي يتم
اللجوء إليه عند تعذر التداوي بما عداه.
هذا أفضل من التغاضي عن حل هذه المشكلة، سواء كانت قديمة أو مستجدة، لأنها من أخطر
المشكلات الأسرية، وقد يضعف أمام متطلباتها ومغرياتها بعض الأزواج من الرجال أو
النساء، وقد يجد الرجل فسحة في تعدد زوجاته ليشبع رغباته بصورة مشروعة، لكن المرأة
لا مجال أمامها سوى أن تقضي حاجتها عند زوجها فحسب، لذلك لا مفر في حال عجز الرجل
عن مجاوبة المرأة أو التفاهم معها بصورة تحقق رغباتهما المشروعة، أن يتفق معها على
حل عقدة النكاح بالطلاق أو التطليق، فهذا أكرم لهما، ويسد باب الفساد والانحراف تحت
ستار الزوجية، فلعل المرأة تجد زوجاً آخر أصلح من طليقها، ولعل الرجل يجد زوجة أخرى
تطيب له، وتشبع رغبته.
وبغير المصارحة والوضوح بين الزوجين لن يتم حل هذه المشكلة والقضاء على جميع
تبعاتها، وكل حل خارج أحكام الشريعة الإسلامية لن يكون حلاً حاسماً، بل قد يؤدي إلى
تفاقم المشكلة، من خلال توالد مشكلات أخرى أخطر وأعقد، تفتّ في عضد المجتمع، وتشيع
الفساد في جنباته، ما لم يتم حسمها بالحل الشرعي، في الوقت المناسب. ودور المرأة
هنا أن تتعالى على كل الدعوات المشبوهة للانحراف، وليكن قدوتها هند بنت عتبة زوجة
أبي سفيان، عندما أخذت مع غيرها العهد على يدي رسول الله { بلا مصافحة، وكان من بين
بنوده: النهي عن ارتكاب جريمة الزنا، فقالت هند في عزة وإباء: "أوَتزني الحرة؟".
حقاً إن الحرة لا تقبل الزنى، ولا تُقبل على الخيانة الزوجية مهما كانت المغريات،
لكننا لا نعيش في مجتمع المثالية، لذلك ينبغي على كل زوجة بالذات إذا استشعرت
حاجتها الماسة لحياة زوجية أخرى، لسوء معاشرة زوجها، أو لمعاناتها من الحرمان
العاطفي، أن تلجأ إلى طلب الطلاق أو التطليق، عندما تغلق جميع الأبواب الأخرى في
وجهها، وبعد أن تستنفد كل السبل والوسائل لاستمرار حياتها الزوجية، بعيداً عن أخطار
الانحراف أو الخيانة، فهذا خير لها.
كما يجب على الزوج أن يسارع إلى تلبية رغبة زوجته بتطليقها اختياراً، إذا لم يستطع
إشباع متطلباتها المشروعة، أو صعبت الحياة على الاستمرار بينهما، وذلك بدلاً من
إشعال المعارك والحروب في المحاكم، فلربما ينتهي الأمر عندئذ إلى ما لا تحمد عقباه،
ويتغلب شيطان الشهوة بسبب طول مرحلة التقاضي، فيحدث الانحراف، وتقع الخيانة، ويأتي
الدواء بعد استفحال الداء، فلا يفيد ولا ينفع. والعاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من
اتعظ بنفسه... هذا وبالله التوفيق، والله من وراء القصد..