محاضرة أدونيس في مسرح المدينة <<بيروت اليوم، اهي مدينة حقا أم انها مجرد اسم تاريخي>> تستفز بدءا من العنوان، غير ان الاستفزاز اذا عدنا الى المحاضرة يبقى في معظمه نوعا من العنف اللفظي. اذ يبدو ان صور ادونيس تستفز غالبا اكثر من معانيه اذا جاز القول <<مأوى لا وطن، مدينة بلا مدينة، مكان تجارة لا حضارة>>، أما المعاني نفسها فهي في الاغلب مما يتقاسمه هامش كبير من المثقفين، ولا شك في ان نبرة الاحتجاج الادونيسية ضد التنابذ الطائفي والتكتل الطائفي ليست أعلى من نبرات الذين يعانون ذلك ويذوقون ثماره المرة كل يوم. لكن العنف اللفظي يستجر غالبا عنفا لفظيا موازيا وقد يكون هذا من مقاصده على كل حال. لا ضرر في قليل من الاستفزاز من هنا وهناك لكن قد يستغرق الامر كله ولا نفوز إلا بمشهد الغضب وصوته دون شيء آخر. اول الغيث ما قرأناه في صحيفة لبنانية من ان ادونيس غادر بيروت عند الطوفان وذهب يلاطف عواصم اخرى ولا يفهم احد من هذا الا ان محاضرة ادونيس جزء من هذا التخلي والعقوق. ربما كانت لهجة ادونيس مسؤولة عما سيتلقاه من ردود غير أننا لسنا في وارد ان نوازن بين لهجتين. اخشى ان كلام ادونيس سيبتعث شوفينية بيروتية ولنقل لبنانية شوفينية لا تتكتل ولا تتراص الا في وجه الخصم. لا غبار على اللبناني المقيم اذا طفح كيله من لبنان اليوم، وضاق بشعبه وحكومته وفنونه وثقافته. اما ان يفعل هذا آخر فأمر لا يطاق. يذكِّر هذا بنقاد السينما الذين يغضبون كثيرا اذا ظهرت في السينما الاجنبية صور عن قذارة شوارعهم وأحيائهم وهي ليست سرا بالطبع وفي متناول بصر الجميع، والآخر الادونيسي متعدد فالرجل الذي يحمل هوية مثلثة سورية لبنانية فرنسية هو الآخر من اي وجه اتيته. إنه السوري في مواجهة لبنان ولا ضرر في ان نحاسبه على تبعات الوجود السوري في لبنان. الناس الذين يحاسبون العمال السوريين على أفعال حكومتهم لا يفعلون غير ذلك وثمة بالطبع من يشجعونهم عليه. إنها الوطنية اللبنانية التي تربت على الشعور بفوقيتها على المحيط وها هو واحد من الداخل العربي يجد القوة ليقول للبنانيين في وجههم وعلى أرضهم انه لا يعبد بيروت. لقد دلل العرب بيروت ولا نزال نسمع نزار قباني يسميها ست الدنيا، ومحاضرة ادونيس ترشح بدرجة من الاستهانة بست الدنيا وقد يظن كثيرون انه ثأر متأخر من رجل جعلته عالميته يرى نفسه اكبر من بيروت. هذه العالمية تستفز الذين يرون ان الكوسمولوليتية اللبنانية تثمرت في مكان آخر، ثم ان آخرين قد يجدون في ادونيس لبنانيا عاقا تخلى وقت الضيق عن بلد أنجده وقت اليسر. الأرجح ان الاشخاص انفسهم قد ينكرون لبنانيته او يتهمونه في الآن نفسه بأنه لبناني سيئ. هذا ضرب من الردود التي لا أظن ان ادونيس لاه عنها. لا اعرف دخيلته بالطبع لكني لا أبرئه من تقصد الاستفزاز. من رآه تلك الليلة على مسرح المدينة لم يشك في انه في عمق موقعه جاء ليقول <<انها اكذوبة تعالوا لنفضها وننفض منها>> لقد وعى بالتأكيد ماذا يعني هذا الكلام على لسانه هو، ادونيس، بكل تاريخه وما يمثل، في بيروت وغير بيروت، وجاء ليقوله لهذا السبب بالضبط. رفض النقاش لأنه شاء ان يستمع اكثر فأكثر الى ترددات كلامه وليشاهد كيف يتفاعل ذلك ويتحول بالتدريج الى عاصفة، لقد شاءها قاصدا متعمدا معركة وإن لم يكن، فمشهدا صاخبا.
تقصد ادونيس في الغالب استفزاز الشوفينية اللبنانية التي خبرها جيدا. وليس صعبا استفزاز الشوفينية لولا انها لم تكن حاضرة ولا مهيمنة على الاقل بين مستمعيه، هذه الشوفينية المقتنعة بلا تحفظ بأن لبنانية الدم اعلى وأهم من الحضور العالمي الكبير لأدونيس، والتي لا تعدل بالولادة والدم اي قرابة فكرية او ثقافية او انسانية. والحال انني أجد في حضور ادونيس قبل كل شيء نجاحا لبنانيا اذ ان الجسر الذي يقيمه شعره بين تبحر عربي وأفق غربي هو رؤيا لبنانية اولا. كما ان في رؤوية هذا الشعر ونبويته وحي لبناني لاحظناه في سيماه الاولى في ادب الجيل اللبناني الاول الذي أخرج رائين وأنبياء بقدر ما هم شعراء وأدباء (جبران، نعيمة، الريحاني، ابو ماضي...) ولا أزيد لكن لبنانية ادونيس التي هي لبنانية بالروح والفكر اقوى بالتأكيد من لبنانية الدم وأجدى.
على خط مستقيم
لو شئت ان اجمع ما قاله عدد من كتاب السفير وحدها في لبنان اليوم، لما تركت لأدونيس ما يقال، لقد قيل بالتأكيد، ليس هنا وحسب ولكن في اماكن سواه ان <<اللبنانيين اشتات وثقافات متنابذة وفسيفساء طوائف ومتحدات طائفية>> وان لبنان <<مأوى لا وطن والدولة هيكل خارجي تتحرك فيه التنابذات والتضادات في شكل مشرع له>> قيل ان لبنان <<ليس واحدا وبيروت ليست واحدة وانها مدن عديدة>> قيل هذا عن الثقافة اللبنانية نفسها، تبسيطها الكوسموبوليتي ومهارتها في تسويق الماركة العالمية، قيل مثله في فوروم اشكال ألوان الاول بنبرة لا تقل احتجاجا، لكن أن نقول ان بيروت <<تراكمات او تجمعات بشرية>> او انها <<مدينة بلا مدنية>> وانها نوع <<من سرقة الفضاء واغتصابه، نوعا من العنف ضد الارض، نوعا من اغتيال الارض، واغتيال الفضاء>> كما قال ادونيس، فإن الكلام يفيض عن اي معنى ليغدو عنفا صوتيا ولفظيا ولكي يبقى بالدرجة الاولى استفزازا. انه غضب ولعنة في آن بل غضب ونبذ في آن. ثمة هنا ما يستدعي الكلام الذي رجم به حزقيال واشعيا اسرائيل. ذات العنف النبوي المتعالي وذات النذير بالاضمحلال والتبدد. لكن ادونيس الذي رأى في ختام محاضرته ان بيروت صورة مصغرة عن المشرق كله لم يختر بيروت لغضبته هذه عن عبث. لا اظن انه كان ليختار دمشق وبغداد والقدس وخاصة القاهرة. انه يعلم انه يكفي في بعض هذه العواصم ان يتعسف احدهم ويصرخ جزافا انها في خطر ما ليتكتل الجميع دون ان يتحرى أحد الصيحة. يعلم ان لهذه المدن من الوطنية لنفسها والعصبية لذاتها ما لا يتسامح مع اي نقد وما ينبذ على الشبهة. سبق لأدونيس ان جوزي على نميمة كاذبة لم يتقصّها احد ولم ينفع معها إنكاره. بيروت وحدها لا تجازي هكذا وقد ألقى ادونيس محاضرته على 500 شخص ونيف من مثقفي لبنان ووقفوا جميعهم يصفقون له مرارا وتكرارا. صفقوا احتراما لأدونيس الكبير، وصفقوا احتراما للكلمة. وصفقوا احتراما للرأي. اظن ان في هذا الموقف بارقة لم يرحب لها نص ادونيس الذي يذهب على خط مستقيم في تحليله او اتهامه. خط مستقيم لا يلوي على شيء.
لا اريد ان أجادل ادونيس في رؤياه الهندسية، فلست كفئا لذلك. هو ايضا ليس معماريا، لكني أحسب ان عواصم العالم الثالث لا تتسع لمثاله المعماري، بل أحسب ان بعض مدن اوروبا ايضا ليست على هذا المثال. وهو على كل مثال اوروبي. لست محتاجا لأن اقول لمثل ادونيس ان المدن لا تبنى على مثال واحد. ولا ان هندسة لا تكون لهذا السبب وحده اغتصابا للفضاء. الأرجح ان هندسة مدن العالم الثالث هي سياق تاريخي كامل. ثم إن التجانس الهندسي وغير الهندسي لم يعد فتنة منظري ما بعد الحداثة الذين يجدون في التنافر والتنوع والتوزع الفوضوي جماليات اخرى بل إنهم يجدون في اللاتزامن ايضا جمالياته، وفي الكيتش والابتذال والفظاظة احيانا جمالياتها. لا احسب ان هؤلاء يجدون مثالهم في باريس السيمترية المنمنمة، وأحسب انهم يجدون في العجيج البيروتي، على الاقل، مثلا غير مرفوض. لا أحسب ان ادونيس وضع حقا عين المريسة والاشرفية والجميزة ازاء الحمرا والروشة والمزرعة والضاحية وبرج حمود. لقد وضع بعضها في جوار بعض ولم يتخيّلها بعضها نصب بعض، او بعضها حيال بعض، ولو فعل ذلك لبدت <<رؤياه الهندسية>> اكثر تماسكا. ولا اكتم ادونيس انني اعيش من سنوات في بيروت ولا أراها. وانني وجدت ان هذا ليس ذنبها بالطبع ولا ذنبي لكن الالفة والعادة يعميان، ثم إن المثال الاوروبي نفسه حجاب فإن فيه من السخاء والتفنن ما يصرف عن سواه. كان عليّ ان اشحذ بصري كلما مررت تحت اشجار الصنايع ولا اكتفي بتلك الراحة التي تداخلني حين استظلها بدون وعي مني، ذلك ما جعلني اجدد رؤيتي لا للصنايع فحسب ولكن لبعض مناطق الحمرا ولبلس والجامعة الاميركية وللروشة وبعض زقاق البلاط والجميزة والاشرفية.. الخ ولا اكتم ادونيس انني وجدت في بعض ذلك فتنة احسب ان الاوروبيين الذين يزورون بيروت يستشعرونها ايضا لكن هذا على كل حال حديث آخر فأنا ابسط نفسي وأبسط ادونيس، وماذا فعلنا للآن غير التبسيط.
يلقي ادونيس الاجتماعي على المعماري وأحسب ان استخلاص الاجتماعي من الهندسي واستخلاص الثقافي من احدهما ليس أمرا محمودا دائما. الطائفية هي كل ما يجده ادونيس في الاجتماع اللبناني. الطائفية التي يحيلها ادونيس الى العقل الديني ليبدأ من هنا محاكمته للمقدس والماضوية والتأبيد. الطائفية هي كل المجتمع اللبناني في رؤية سياسية او لنقل هي كذلك في نوع من الخطاب التعبوي الذي تلجأ إليه الاحزاب اللبنانية صادقة او مرائية. ويلجأ إليه الحكام اللبنانيون صادقين او مرائين. لكن الانعزال الطائفي هو نوع من تكتل فاشي يرتدّ لأوضاع اجتماعية تاريخية مأزومة. ولعجز متفاقم عن صناعة المجتمع، ولتذرر اجتماعي كامل. اي ان المسألة ليست تماما في الكنيسة والجامع، ثم إن المجتمع اللبناني بالنسبة لشاعر في اهمية ادونيس هو مستويات اخرى. هو الديمقراطية المأزومة بالطبع مع صمود تقاليدها التي أطاحت مرة بحكم عسكري بالانتخابات وحدها، هو الجسر الثقافي الذي لم يزل ومدرسة الكوادر التي لم تغلق تماما. هو علاقة بالوقت والعمل. هو الفسيفساء الثقافية التي ليست كلها تجزئة. هو التحرر الاجتماعي والاخلاقي. هو درجة افضل من تحرر المرأة وتشدد اقل تجاه الفروض الدينية وهو المساكنة والحب الحر احيانا وعدم أخذ المثليين بالقسوة، وهو التعليم المكثف واللغات الثلاث (العربية الانكليزية، الفرنسية)... لا أريد ان استرسل في ذلك ولا ان احوله مديحا لمجتمع لم يتكلم ادونيس بما يكفي عن فساده المتأصل وبهوراته وعنصريته المستترة واستعداده القاسي وخبثه الاخلاقي الى حد النفاق، وازدواجيته الفطرية. لا اريد ايضا ان ادخل موازنة كهذه، لكن اقول ان خطاب ادونيس كان في دويه الصوتي نبويا، وفي بنيته الداخلية سياسيا. والمرء ينتظر من الشاعر الكبير اكثر من ذلك، ينتظر رؤية شعرية فهذه ابقى وإن لم تكن بالضرورة عملية ولا مباشرة. ثم ما بال ادونيس يخوض في السياسة الى حد الإفتاء في مسائل هي مجال أخذ ورد سياسيين <<ولا تعود عطالة بيروت المدينة الى هيمنة الخارج عليها كما تعودنا ان نسمع اقوالا في هذا الصدد>> ألا يعلم ان ادونيس ان ماءً كثيرا سكب ولا يزال يسكب على مسألة كهذه وأن الإفتاء فيها يدرجه نهائيا في حبكة الصراعات اللبنانية وسياساتها.
أي ثقافة
من السياسة الى الثقافة. لا اعرف كيف انتقل ادونيس من المعمار والسياسة فجأة الى الثقافة. <<وكما ان بيروت مدينة بلا مدينة فإن الثقافة السائدة فيها، تبدو هي كذلك نوعا من الاستزلاف لكثرة ما تنطوي عليه من الرياء والزخرفية والتبجح والبعد عن القضايا الكبرى في مختلف المجالات..>> بأي سرعة وأي جزم يضع ادونيس المثقف او الثقافة اللبنانية بين قوسين ويصمها بعدد من التهم الاخلاقية، الاخلاقية الصافية: الاستزلاف، الرياء والتبجح. وأظن ان الزخرفية ايضا قد تكون تهمة اخلاقية فتجري مجرى التزيين، وقد تكون اشارة الى نضوب الابداع. أما البعد عن القضايا الكبرى فهو الوحيد الذي يملك حدا ثقافيا. الاستزلاف الرياء التبجح الزخرفية امور لا نعرف إن كانت في الثقافة ام أهلها. إن كانت في اهلها كان الموضوع موضوع الاشخاص لا الآثار، ومن الصعب في الواقع ان تتحرى شيئا كالاستزلاف في نصوص أدبية. قد تجده في تعليقات مجاملة، في مقالات صحافية نقدية. في بعض الترهات الثقافية لكن هل كل الثقافة في لبنان هي هذه التعليقات الصحافية والحزازات والأقاويل والمسايرات.. هل كل الثقافة في لبنان هي في هذا الحانوت الضيق الذي قد لا يكون سوى سوق النمائم والصغائر والترهات. مثل هذا السوق يوجد في كل مكان، في الغرب والشرق. فهل نحن لا نجد الثقافة في لبنان إلا فيه. ليس في حصرها هنا شيء سوى العنف الصوتي والاستفزاز ولنقل التصغير ان لم نقل الازدراء. لم يكلف ادونيس نفسه سوى دوس هذه الثقافة على طريقه كما فعل فيل ابن المقفع بصغار الطير.
لأمر ما لا يريد ادونيس ان يرى في الثقافة اللبنانية شيئا بعد الستينيات وأوائل السبعينيات. لعله الرياء والاستزلاف والتبجح. امور يقوم بها اشخاص تؤذي اشخاصا. لا يبعد عن الظن ان يكون أدونيس أوذي لكني ارجو ان لا يعميه ذلك عن رؤية الأهم الذي يقع بالكامل خارج السوق. الارجح ان ثقافة ما بعد الحرب اللبنانية قد انتجت غثاءً كثيراً بالطبع، لكنها انتجت ايضا بعض افضل ما في ثقافة العرب اليوم. لن افصل كثيرا لكني اقول ان تجربة الحرب هدمت اصناما وأطاحت برطانات، ووضعت على المحك طوباويات كبرى. وأجهزت ميدانيا على لغات وأفكار. هذا ما جعل الرطانة القوموية اليساروية تستمر ملعلعة في كل مكان تقريباً إلا هنا. وأظن ان شيئا كهذا يسر ادونيس ان يعرفه، وأن يعلم انه رغم سوق النمائم الذي تكلم عنه فإن اشباهه الاول هنا وقد ولدت هنا ثقافة نقدية. فكر نازع اوهام صارم في ذلك. تحليلي ميداني تفصيلي. رواية ساخرة قاسية انتي رومانطيقية مبنية على محاكمات صلبة للفكر والواقع وقد تكون جديد الرواية العربية في الحقبة الاخيرة. هنا ايضا لا تزال قصيدة التفعيلة ذات طاقة على التجديد فيما تتأصل قصيدة النثر وتراكم تجربة كما لا تفعل في مكان آخر. لا اريد ان اسمي فأدونيس يعرف. لكنه لأمر ما لا يجمع الشتات الذي يعرفه في صور متكاملة.
ما فات ادونيس لم يكن ينبغي ان يفوته. لقد رأى على خط مستقيم. فاته الوجه الآخر، التركيبة المزدوجة، فاللحظة اللبنانية لم تكن في يوم بسيطة ولن تكون بسيطة. تحت الهراء الايديولوجي وتحت التجزئة الطائفية وخارج سوق النمائم وأبعد من المعمار المتنافر يمكن ان نجد امورا اخرى <<الوجود ولو الكامن لقوى الضغط الاجتماعي، الممانعة للسلطة الصورية والوحدانية. الاقلوية الثقافية، التقليد الديمقراطي ولو مأزوما، التحرر الاخلاقي والتعليم المكثف. التعدد اللغوي، العلاقة بالغرب، الثقافة النقدية...>>. هذه مجرد عناوين ترد بلا انتظام على الذهن وهناك دائما ما يقابلها في الجهة الاخرى. هناك دائما ما يشتبك بها ويعيقها ويحولها احيانا، لكن ذلك ان عنى شيئا فيعني ان اللحظة اللبنانية مركبة، وأننا لا نستطيع ان نحلها في عنوان واحد: الطائفية.
ثم إنني لا اعرف كيف غلب غضب ادونيس هنا حكمته ولياقته فآذى حقا بهذا الكلام كثيرين هم اقرب ما يكون إليه، لا اشخاصا فحسب بل نتاجات وآثارا. صفق 500 شخص ونيف لأدونيس بعد ان انهى محاضرته. صفقوا مرارا وتكرارا. لم يوافق اكثرهم على ما سمع لكنهم امتلكوا الرحابة والنزاهة ليقدروا صراحة ادونيس، وليقدروا حضوره وليقدروا ايضا موقعه ومكانته واسمه. كانوا 500 على الاقل وليسوا قلة بالطبع. اظهروا أخلاقاً لا توصف بالرياء والاستزلاف والتبجح. ابدوا تواضعا وشجاعة وترفعا عن الترهات. كانوا سعيدين بأدونيس سعادتهم بالشعر والثقافة واستقبلوه بالتأكيد كابن او أب عائد لا كضال ولا كخصم. لن يحار ادونيس حتى يعرف لماذا. لأنهم أشباهه الذين لا يعرفهم غالبا ولو عرفهم اكثر لوجد خيراً اكبر فيهم وفي أعمالهم.