بيروت مركز الأسطول البحري الإسلامي

أعتمد معاوية بن أبي سفيان على المسلمين من أهل الشام، وبالذات سكان السواحل مثل بيروت وصيدا وصور وجبيا وطرابلس، الذين برعوا في صناعة السفن وتمرسوا في ركوب البحر ونبغوا في قيادة الأساطيل منذ أقدم العصور، بحكم تطلعهم إلى البحر واحتكاكهم التجاري بعالم البحر المتوسط القديم.

وكان أول عمل قام به في هذا السياق، أن عيّن جادة بن أبي أمية مالك الأزدي الزهراني في منصب {أمير بحر الشام}، فأقام في بيروت. واتضحت أهداف البحرية الإسلامية، بالدفاع عن السواحل الشامية ضد غارات البيزنطيين، ثم بالهجوم على مراكز إعداد هذه الغارات، وخاصة في الجزر البحرية، مثل قبرص ورودوس وأرواد. وعلى هذه الأساس خرج أمير البحر جنادة بالأسطول البحري الإسلامي من بيروت سنة 52هـ 671م، واستولى على جزيرة رودوس، التي كانت نقطة انطلاق الأسطول البيزنطي ضد السواحل الإسلامية، وأستوطنها المسلمون، {زرعوها واتخذوا بها أموالاً ومواشي، يرعونها حولها فإذا أمسوا أدخلوها الحصن... وكانوا على حذر من الروم، وهم أشد عليهم فيعترضونهم في البحر فيقطعون الطريق على سفنهم حتى أخافوهم. وكان معاوية يعاقب بين الناس فيها، ويمدهم بالعطايا والأرزاق...}.

وإضافة إلى رودوس، يبدو أن الأسطول البحري الإسلامي تمكن من فتح جزر أرواد وقبرص واقريطش، انطلاقا من بيروت. لكن الأسطول الإسلامي الناشئ وجد نفسه عاجزاً عن حماية السواحل الشامية كلها، فضلاً عن الجزر التي أحتلها، أمام الأسطول البيزنطي الذي أخذ يقوم بغارات سريعة، وبقطع قليلة، على المدن الساحلية الإسلامية، كما قام بمحاصرة الجزر الإسلامية. لذلك أتبع المسلمون سياسة بحرية جديدة، تقضي بتجميع الأسطول البحري الإسلامي كله في بيروت وصور، والانسحاب من الجزر البحرية والاكتفاء بالإغارة عليها من بيروت. فتحولت بيروت إلى مركز للأسطول البحري الإسلامي من جهة، وإلى مركز لتوطين الفرس وغيرهم من السكان إلى جانب رجال الحامية البحرية من جهة ثانية. لأن الدفاع عن بيروت والمدن الساحلية لا يكون إلا إذا كانت مشحونة بالسكان والحاميات الكثيفة، إضافة إلى قطع الأسطول البحري الإسلامي.

 عودة للفصل الأول

عودة للباب الثاني

عودة للصفحة الرئيسية