بيروت تتأرجح بين سيطرة الدويلات المختلفة
بدأت بيروت تتأرجح تحت سيطرة الدويلات المختلفة التي نشأت في ظل الدولة العباسية
الدولة الطولونية (264-333هـ / 849-944م):
في سنة 264هـ/879 م، آلت بيروت وصيدا إلى الدولة الطلونية في مصر، فأقر أحمد بن طولون، الأمير النعمان على بيروت وصيدا، حتى وفاته سنة 325هـ/ 936م، فخلفه عليها إبنه الأمير منذر. وقد خضعت بيروت والمدن الساحلية للدولة الطولونية بحكم تبعيتها لدمشق.
ويذكر أن إبن طولون أستدعى جده من بيت المقدس ليبني ميناء عكا داخل البحر، ولم يقتصر هذا البناء على عكا بل تعداه إلى بيروت وصور، حيث ربطت السلاسل الضخمة لتمنع دخول المراكب غير المرغوب فيها لاسيما ليلاً.
الدولة الأخشيدية (333-360هـ / 944-968م):
وهكذا أصبحت بيروت التابعة لدمشق تقع تحت نفوذ المسيطر على مصر، فبعد أن، خضعت لسيطرة الدولة الطولونية، أصبحت بيروت والمدن الساحلية طرابلس وصيدا وصور، إضافة إلى دمشق وبعلبك، تابعة للدولة الأخشيدية في مصر. وذلك بعد أن حصل محمد بن طفج الأخشيد على تقليد من الخليفة المتقي لله سنة 333هـ/944م بولاية مصر والشام. وبوفاة الأخشيد تولى الحكم ولداه أنجور وأبو الحسن علي.
ثم تولى كافور حكم مصر والشام ومن بعده أحمد أبو فراس سنة 360هـ/ 968م، فلم يستطع الوقوف أمام الفاطميين، الذين قضوا على الدولة الأخشيدية، ودخلت بيروت تحت نفوذهم.
من هو الأخشيد، هو محمد بن طفج بن جف، أبو بكر، المُلقب بالإخشيد،، مؤسس الدولة الإخشيدية في مصر والشام والدعوة فيها للخلفاء من بني العباس، هو تركي الأصل مستعرب من أبناء المماليك، ولد ونشأ ببغداد وتوفي بدمشق ودُفن في بيت المقدس.
الدولة الفاطمية (360-503هـ / 968-1110م):
بعد موت كافور الأخشيدي سار القائد جوهر الصقلي من القيروان إلى مصر فدخلها سنة 358هـ / 9966م. وبعد عام على دخول القائد جوهر مصر فاتحاُ، سيّر حملة على بلاد الشام سنة 359هـ/967م، لتوطيد سلطة الدولة الفاطمية في مصر والشام. وكانت الحملة بقيادة جعفر بن ففلاح الكتاني، الذي استولى على دمشق ودخلها سنة 360هـ/968م. وقد أقر جعفر بعد دخوله دمشق، الأمير سيف الدولة المنذر التنوخي على إقليم الغرب، بما فيه بيروت وطرابلس وصيدا، لعد أن قدّم ولاءه للفاطميين. وبوفاة الأمير المنذر سنة 362هـ/970م، خلفه إبنه الأمير تميم على إقليم الغرب بما فيه بيروت.
وفي أوائل العصر الفاطمي، سقطت مدينة بيروت سنة 364هـ/975م، ولفترة قصيرة، في يد الدولة البيزنطية، فالملك يوحنا زيميسيس (Jean Zimisées) الذي يدعوه العراب إبن الشمشقيق، {غزا الشام ونزل على بعلبك وفتحها... وسار على طريق الساحل وفتح بيروت ,اسر أميرها نصر الخادم وحمله إلى بلد الروم} ويذكر إبن القلانسي، {فانتقل إبن الشمشقيق إلى ثغر بيروت فأمتنع أهلها عليه فقاتلهم وأفتتح الثغر عنوة ونهبه وسبى السبي الكثير منه}، وهكذا نهب بيروت وسبى سكانها. وهذا يدل أن بيروت والمدن الساحلية كانت معرضة دائماً أكثر من غيرها لآفات الحروب من قبل ملوك الروم، قبل مجيء الصليبيين، مما كان بعد ذلك لزيادة تحصين بيروت وغيرها من المدن الساحلية.
وقد ولى الحاكم بأمر الله الفاطمي (1) على بيروت سنة 405هـ 1014م، الفتح القلعي (2)، وأضاف إليه صيدا وصور، ولقّبه مبارك الدولة وسعد الدولة.
وسنة 439هـ 1047م، كان المتولي على بيروت، أبو سعيد قابوس بن فاتك أممير الغرب، وذلك من قبل المستنصر بالله الفاطمي (3) خليفة مصر.
وسنة 443هـ 1051م، أقطع المستنصر، عكا وبيروت وجبيل لمعز الدولة ثمال بن مرداس (4) . وكانت بيروت خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي تابعة لجند دمشق.
وفي شعبان سنة 438هـ 1046م تجّول رحالة فارسي يدعى خسرو في الساحل الشامي، ووصف القناطر في بيروت، مما يدل على أن الأبنية العديدة التي بناها الرومان في بيروت وضواحيها، لم تطمس آثارها في القرن الخامس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي. فقد ذكر أنه في بيروت قنطرة عظيمة وعلى رأسها أعمدة الرخام، وفوق الأعمدة سلسلة من قناطر. ولم تزل بيروت في أيدي الممسلمين تنتقل من دولة إلى دولة، من الدولة الطولونية إلى الدولة الأخشيدية فالدولة الفاطمية، والتي نشأت كل منها في مصر وسيطرت على بلاد الشام. وهذا الأمر يشير إلى أن بيروت والمدن الساحلية، كانت تخضع لسلطة كل من يتولى دمشق، فمن سيطر على دمشق ، دانت له السيطرة على بيروت والساحل.
وعندما ظهر السلاجقة، تمكنوا من إقتطاع عد كبير من مدن الشام وفلسطين منذ سنة 467هـ/1074م، وفقدت الدولة الفاطمية سلطانها، في الرملة وعكا وبيت المقدس وصيدا وبيروت وجبيل وعرقة وطرابلس ودمشق. ثم ضعف نفوذ السلاجقة في جنوب سوريا، بسبب الصراع على الحكم، فاستطاع الفاطميون إعادة المدن الساحلية حتى جبيل فقط، وذلك سنة 490هـ/1098م. وبذلك كانت بيروت وبيت المقدس، تخضعان للدولة الفاطمية حين دخول الصليبيين سنة 4911هـ/1099م.
(1) الحاكم بأمر الله الفاطمي، هو منصور بن نزار، العزيز بالله، إبن معد، المعز لدين الله،إبن إسماعيل بن محمد العبيدي الفاطمي، أبو علي، ولد في القاهرة، وأعلنت الدعوة إلى تأليهه سنة 407هـ في مساجد القاهرة، وقام بدعوته محمد بن إسماعيل الدرزي وحسن بن حيدرة الفرغاني. وأصاب الناس منه شر شديد إلى أن أغتيل.
(2) الفتح القلعي، كان دزدار القلعة في حلب في أواحر دولة بني حمدان وكان في خدمة صاحب حلب أبي نصر بن لؤلؤ وحشة بينه وبين أستاذه فعصاه واستولى على القلعة وكاتب الحاكم بأمر الله الفاطمي، فأرسل الحاكم نوابه فتسلموا حلب وقلعتها من الفتح وأقطعه الحاكم عوضها صيدا وبيروت ولقّبة مبارك الدولة وسعدها ثم ولاَّه على صور في السنة التالية.
(3) المستنصر بأمر الله الفاطمي، هو معد بن علي إبن الحاكم بأمر الله، أبو تميم، تاسع خلفاء الدولة الفاطمية بمصر، مولده ووفاته فيها، بويع وهو طفل بعد موت أبيه سنة 427هـ وتغلبت أمه على الدولة فكانت تعيَّن الوزراء ومن أستوحشت منه قتلته.
(4) معز الدولة ثمال بن مرداس، هو أبو علوان من ملوك الدولة المرداسية بحلب، كان كريماً حليماً شجاعاً، ولّي المُلك سنة 434هـ وهاجمه الفاطميون من مصر لكنه هزمهم، ثم غزا الروم وتُوفي في حلب.