999-1109هـ/1590-1697م

كان ظهور الأتراك العثمانيين فاتحة عصر جديد للأمراء المعنيين. فبعد دخول بيروت والشام تحت سيطرة السلطان سليم الأول، ذهب الأمير فخر الدين الأول مع وفد أمراء الجبل لمقابلته في دمشق، ودعا له بالعّز والتخليد، فخلع عليه السلطان سليم يُلقّب {سلطان البر}، وأقره على بعقلين والشوف، كما أقر سائر الأمراء على إفظاعهم، وسمح لهم بنوع من الاستقلال الداخلي مقابل جزية طفيفة.

وحكم بنو عساف شمال لبنان، وقد شهدت بيروت مقتل حسن وحسين من أبناء الأمير عساف على يد أخيهما الأمير قائد بيه سنة 928هـ/1522م، وذلك بسبب الصراع على حكم كسروان. وفي سنة 981هـ-1572م، أمتد حكم الأمير منصور العساف من نهر الكلب إلى حماه، وسكن بيروت في مقر عُرف بالسراي، وبجانبه أقام جامع السراي المعروف اليوم باسم جامع الأمير عساف . وتُوفي الأمير منصور سنة 986هـ/1580م، فخلفه إبنه الأمير محمد. وأستطاع بنو سيفا القضاء على آل عساف والسيطرة على طرابلس والشمال، وأصبح التنافس بينهم وبين آل معن في الشوف. ودبّر يوسف سيفا مكيدة لقرقماز بن فخر الدين الأول 1542هـ/1585م، تمثلت باتهامه بحادثة السطو التي وقعت في جون عكار سنة 993هـ/1584م حيث هوجمت القافلة التي تحمل الضرائب من مصر إلى السلطان مراد الثالث في اسطنبول، وأستغل الأتراك هذا الأمر فوجهوا حملة تأديبية إلى الشوف، لمقاتلة قرقماز بن فخر الدين الأول، الذي فرّ إلى قلعة نيحا {شقيف تيرون}، وتُوفي فيها سنة 994هـ/1585م. وهرب ولداه فخر الدين الثاني ويونس.

بيروت ضمن إمارة فخر الدين الثاني

اختبأ فخر الدين بعد وفاة والده، وعندما هدأت الأمور، استدعاه خاله الأمير سيف الدين التنوخي سنة 999هـ/1590م، وسلّمه ولاية الشوف، لتمتد سيطرته من نهر الكلب إلى جبل الكرمل. ففي سنة 1001هـ/1592م، حصل على بيروت وصيدا وصور وعكا.

وكان الأمير فخر الدين الثاني قد أتخذ مدينة صيدا حاضرة لإمارته ومقراً له سنة 1003هـ/1594م. ثم وسَّع إمارته، ففي سنة 1007هـ/1598م كانت وقعة نهر الكلب بينه وبين إبن سيفا، الذي أراد استرجاع بيروت، لكنه أنهزم وتشتت جيوشه، وتولى الأمير فخر الدين كسروان وبيروت. وبذلك ضمّ إليه بيروت، وكان عدد سكانها في ذلك الوقت لا يتجاوز الستة آلاف نسمة.

وجمع الأمير فخر الدين بعد موافقة ولاة الأمر العثمانيين، بين جبل لبنان وبيروت وصيدا. وبعد أن وسَّع حدود إمارته، جعل عاصمته دير القمر صيفاً وصيدا شتاءً. وبسيطرته على بيروت وصيدا تحكم في منفذ جبل لبنان إلى الخارج.

وعندما تضايقت الدولة العثمانية من الأمير فخر الدين لتحصينه القلاع وتوسيع إمارته، أرسلت عليه حملة بقيادة الحافظ أحمد باشا سنة 1020هـ/1611م، مما أضطره للهرب إلى إبطاليا حيث أقام فيها خمس سنين وشهرين {1020-1025هـ/1611-1616م}. ثم عاد بعد أن أطلع على طرف من الحضارة الأوروبية، مسطحباً معه كثيراً من المهندسين لبناء القلاع وعمل الذخائر الحربية، مما ساعد أيضاً على ازدهار بيروت في عهده.

تولى الأمير منذر التنوخي حكم بيروت سنة 1025هـ/1616م، بتعيين من الأمير علي أثناء وجود والده الأمير فخر الدين الثاني في إيطاليا. وأنشأ في بيروت مسجد النوفرة، ويُعرف باسمه، وترجع تسميته بالنوفرة لوجود نوفرة {فسقية} في صحن المسجد، كما هو الحال في أغلب المساجد التي أقيمت في أنحاء متعددة من الولايات العربية الإسلامية. وقد بني هذا المسجد سنة 1029هـ/1620م، ووصف الرحالة النابلسي هذا المسجد عند زيارته بيروت سنة 1112هـ/1700م. وأقام الأمير منذر التنوخي سكناً شتوياً له في بيروت، يتكّون من طابقين، وملاصقاً للحد الجنوبي الشرقي للمسجد، وفيه برج منيع.

وفي سنة 1029هـ/1620م، تعرضت بلاد الشام لوباء الطاعون الذي أفنى الكثيرين من سكان بيروت وصيدا وصفد، حتى قيل إن هذه المدن الإسلامية كانت تشيَّع كل نهار نحو خمسين جنازة.

عودة إلى الفصل الثاني

عودة إلى الباب الخامس

عودة للصفحة الرئيسية