الفتح العربي الإسلامي لبيروت
13-41/634-661
بعد سبعة قرون من الحكم الروماني لبيروت، كانت شبه الجزيرة العربية تشهد حدثاً تاريخياً هو تجميع القبائل العربية تحت راية الإسلام، ثم نشر هذه الراية في العراق وفارس ومصر والشام... فكان هذا الحدث التاريخي نقطة تحوّل عظيمة في تاريخ بيروت وسائر المدن التي دخلت تحت راية الإسلام.
تاريخ فتح بيروت :
بدأ الجيش العربي الإسلامي فتوحاته خارج شبه الجزيرة العربية زمن الخليفة أبي بكر الصدّيق سنة 12للهجرة الموافق633 للميلاد. وفي الوقت كانت بيروت من المدن الساحلية التي تتبع إقليم دمشق، مثل مدن طرابلس وعرقة وجبيل وصيدا.
وقد عهِد أبو عبيدة بن الجرّاح إلى يزيد بن أبي سفيان بفتح بيروت والمدن الساحلية، بعد أن أتستخلفه على دمشق. وكان معاوية بن أبي سفيان قد أشترك مع أخيه يزيد في فتح السواحل. لم يحدد البلاذري تاريخ فتح بيروت، وما يذكره أن {يزيد أتى بعد فتح مدينة دمشق وصيدا وعرقة وجبيل وبيروت وهي سواحل وعلى مقدمته أخوه معاوية ففتحها فتحاً يسيراً وجلا كثير من أهليها}. أما إبن الأثير فيحدّد تاريخ فتح بيروت في سنة 13 للهجرة الموافق 634 للميلاد، في خلافة عمر بن الخطّاب، ويتفق مع البلاذري على أن فتح مدينة بيروت والمدن الساحلية ثم بعد فتح دمشق. في حين أن اليعقوبي يذكر أن فتح دمشق تمّ في رجب سنة 14 للهجرة الموافق 635 للميلاد.
والواقع أن فتح المدن الساحلية، باستثناء مدينة طرابلس، قد تمّ الفراغ منه أواخر سنة 16 هجري أو أوائل سنة 17 للهجرة، ثم تقررت الجزية على المدن الساحلية، بيروت وصور وعسقلان وقيسارية، وذلك في نفس العام. ومما يجدر ذكره أن إبن عساكر لا يذكر شيئاً عن فتح بيروت، في الوقت الذي يتحدث فيه عن فتح المسلمين لطرابلس والمدن الساحلية الأخرى.
ولعل عدم أهمية بيروت، وتواضع بيوتها وصغرها وقلة عدد سكانها عندما دخلها المسلمون، جعل المؤرخين لا يعيرونها اهتماما، أيام الفتوحات الإسلامية الأولى، فاكتنف تاريخها الغموض في تلك الفترة، وبالتالي لم تصلنا معلومات دقيقة عنها وعن عدد سكانها وعن كيفية فتحها وتاريخه. ومما يذكر أن دخول المسلمين إلى مدينة بيروت كان أمراً سهلاً، ولم تكن بيروت ذات شأن أو أهمية من حيث السكان والعمران، فقد كانت بيوتها قليلة ومتواضعة، منذ أن ضربها زلزال سنة 560م، أي مثل قرية صغيرة. ومع ذلك نعلم أن الخليفة عمر بن الخطّاب زار البلدان المفتوحة، وعقد مع قواده مؤتمر الجابية سنة 17 للهجرة الموافق 638 للميلاد، حيث قسّم سوريا إلى أربع مناطق عسكرية {جند}، هي دمشق وحمص والأردن وفلسطين، وأقام عليها عمالاً، وبذلك يكون قد طبّق التنظيم البيزنطي لسوريا.
وكانت بيروت تابعة لجند دمشق، فيقول صفي الدين: {بيروت بالفتح ثم السكون وضم الراء وسكون النون والتاء فوقها نقطتان.. مدينة مشهورة على بحر الشام، تُعّد من أعمال دمشق، بينها وبين صيدا ثلاثة فراسخ}. ويذكر المقدسي أن: {بيروت من مدن دمشق ... والمسافة من دمشق إلى بيروت هي يومين}. ويذكر الاصطخري: {بيروت مدينة على شط بحر الروم حصينة من عمل دمشق}. وهكذا دخلت مدينة بيروت، منذ أن أفتتحها المسلمون، في نطاق جند دمشق، الذي كان يضّم إضافة لها: طرابلس وعرقة وصيدا وصور والبقاع وحصن الصرفند وعزنون وبصرى عمّان والجابية والحولة.
ويُذكر أن طاعون عمواس أنتشر في سوريا سنة 18 للهجرة الموافق 639 للميلاد، ومات فيه 25 ألفاً من جيش المسلمين، من بينهم القادة أبو عبيدة بن الجرّاح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان، ولا نعلم مدى تضرر بيروت بهذا الوباء.