التقسيم الإداري في الأندلس
اللقاء الحضاري بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي
التقسيم الإداري في الأندلس
إن من يدرس جغرافية شبه وجزيرة "أيبيريا"، يجد أن حدودها الطبيعية تصلح تماماً لأن تكون حدوداً سياسية إدارية،فسلاسل الجبال ووديان الأنهار التي تقطعها في خطوط مستعرضة من الشرق إلى الغرب أو العكس، قد قسمتها إلى أقسام طبيعية يمكن تحويلها إلى وحدات إدارية وعسكرية واضحة المعالم. فما كان على المنظم أو الإداري إلا أن يثبت حدود هذه الوحدات ويعين قواعدها، فلا يجد صعوبة في إدارتها وجباية خراجها. وهذا ما فعله الرومان والقوط. ثم جاء المسلمون فاحتفظوا بهذه التقسيمات الإدارية ولكنهم سموها مدناً بدلا من كيفتاس Civtasا ، " وكورا " بمعنى ولايات- بدلاً من بروفنكياس Provingias، وأضافوا إليها عدداً من المنشآت التي تعطيها الطابع الإسلامي المميز لها كالمسجد الجامع، وقصر الإمارة أو الخلافة، والأسواق والقيساريات إلى غير ذلك مما يناسب طبيعة دولتهم الإسلامية. هذا إلى جانب ما أضافوه من مدن جديدة لأن البناء والعمران من مستلزمات التحضر ومثال ذلك:
(1) الجزيرة الخضراءAlceciras التي بناها "طارق بن زياد " بجوار جبل طارق، وكانت تعرف بجزيرة أم حكيم محلى اسم زوجته التي تركها هناك أثناء قيامه بفنج الأندلس.
(2) طريفTarifa، غربي الجزيرة الخضراء، وهي على اسم "طريف بن مالك " أحد قوادا، موسى بن نصير" الذي أغار على هذه المنطقة فسميت البلدة باسمه.
(3) قلعة أيوب Calayud في شمال أسبانيا. بناها "أيوب بن حبيب اللحنمي الذي ولي الأندلس بعد مقتل ابن عمته "عبد العزيز بن موسى بن نصير".
(4) مدينة سالم Medinaceli في شمال أسبانيا. بناها "سالم بن ورعمال المصمودي " أحد قواد البربر الذين شاركوا في فتح الأندلس.
(5) تطيلة TUDELA على وادي الأبرو في شمال أسبانيا، بناها الأمير!الحكم بن هشام المعروف بالربضي ، وينسب إليها الشاعر "أبو العباس القيسي المعروف بالأعمى التطيلي (ت 532 هـ1127 م) ".
(6) مرسيةMURCIA في شرق الأندلس وقد تعني المرساة التي أرسيت قواعدها. بناها الأمير "عبد الرحمن الأوسط الأموي سنة 216 هـ/ 83 م) " وينسب إليها علماء كثيرون مثل "ابن سيده اللغوي الصنوير (ت 08 4 هـ/065 م) "صاحب المخصص في اللغة، والعالم "ابن سبعين (ت 669 هـ ) صاحب الرد العلمي المشهور على الإمبراطور "أفريدريك الثاني "، والفيلسوف الصوفي "محيي الدين بن عربي (ت 638 هـ)،ا صاحب كتاب الفتوحات الملكية.
(7) مجريط MADRID عاصمة أسبانيا الحالية، بناها "الأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط (338- 373 هـ) "، وينسب إليها الرياضي الفلكي " مسلمة المجريطي (ت 394 هـ) ".
(8) المريةALMERIA قاعدة الأسطول الأندلسي في شرق أسبانيا، بناها المسلمون الأوائل وازدهرت في عهد الخليفة "عبد الرحمن الناصر،"، وينسب إليها "بنو ميمون " قادة ا لأسطول الأندلسي والمـغربي على عهد، المرابطين " و " الموحدين ، والعالم الزاهد "أبو العباس بن العريف (ت 535 هـ) " صاحب كتاب محاسن المجالسة. وقد يكون اسم المرية يعذي المرئية أي التي ترى من بعيد في البحر عن طريق مناراتها.
(9) سهلة بني رزينALBARRACIN في شمال شرق مدريد، نسبة إلى أمراء بني رزين المغاربة الذين حكموا تلك المنطقة. ولا يفوتنا أن نشير إلى اسم البرانس الذي أطلق على بعض جبال أسبانيا الشمالية، وهو اسم قديم لكتلة البربرالبرانس " في المغرب التي تنتمي إليها قبيلة "صنهاجة". هذا إلى جانب المنيات والحصون والقصور والقرى التي ما زالت أسماؤها العربية والمغربية تزخر بها الأراضي الأسبانية.
هذا، ويلاحظ أن كلا من الكور والمدن في الأندلس، كان لها استقلالها الإداري عن العاصمة قرطبة، وهذا يدل على أن الأندلسيين لم يحرصوا على نظام المركزية في جهازهم الإداري، لأن طبيعة البلاد الجبلية تتنافى مع هذا التركيز سواء في الكور أو المدن. فولاة الكور وقواد المدن كان لهم قسط كبير من النفوذ المحلي وحرية التصرف دون الرجوع إلى الخليفة في "قرطبة". ولكن القول بأن هذه اللامركزية كانت صفة عامة في تاريخ أسبانيا الإسلامية والمسيحية بوجه عام حتى اليوم.