قصر الحمراء
قصر الحمراء درة غرناطة وعنوانها وشعارها التاريخي الأول ، يكاد يكون هو المعلم العربي الأبرز في الأندلس راهنا. يطل على المدينة الحديثة من هضاب عالية تشكل جزءا منها، أو على الأصح هي في موقع القلب من المدينة .. والقصر ولا شك شاهد معجز على عظمة عرب الأندلس ورقيهم الحضاري ونهضتهم العمرانية والهندسية والفنية وقتذاك .
بناه سادة الأندلس في العام 1238: وأول من وضع حجر الأساس فيه هو السلطان محمد الأول ابن الأحمر 1203 -1273 مؤسس السلالة الناصرية .. ثم أضاف على البناء فيما بعد كل من يوسف الأول ومحمد الخامس . ومن بعدهما جاء خلفاء آخرون ليوسعوا ويحسنوا فيه ما ارتأوا إلى ذلك سبيلا.
وبعد سقوط غرناطة ،تعرض القصر إلى شيء من الهدم والتحوير، بخاصة على يد شارل الخامس 1500 -558 الذي أحب على ما يبدو أن يتشفى من رموز الحضارة العربية الماثلة بقوة هناك ، فبنى فوق جزء من أطلال الحمراء قصرا على طراز عصر النهضة ، لكنه ولحسن الحظ لم يخرب باقي الأجزاء التي لم يتبق منها اليوم سوى بضع قاعات أو أجنحة كبيرة .. مع الحدائق التي كان تم تشكيلها وهندستها ببراعة فائقة في ذلك الزمان العزيز.
والحقيقة أن المتجول في قصر الحمراء لا يخاله مجرد قصر مميز، وإنما مدينة إسلامية متكاملة في كل شيء.. وهي تقتض منه يوما كاملا ليتجول في أرجائها، متفحصا الأجنحة ومعالم وظائفها السابقة في الحماية والتخزين ونقل المياه .. علاوة طبقا في المقام الأول على معاينة آيات فن الرقش والحفر والتعشيق ، وأول ما يلفت هو اختيار موقع القصر أساسا، والطريق الوحيدة إليه .. فهو مبني كما أسلفنا على هضبة مشرفة على المدينة : ومن يقصده ، عليه أن يجتاز طريقا متدرجة الارتفاع تشكل بدورها حماية طبيعية للقصر.. وهذه الطريق تشق غابة رهيبة متكاثـفة الأشجار، وتغطي الهضبة كلها، وتمتد لتعانق بخضرتها الهرمة العتيقة أسرار القصر من كل جانب .
طبعا، الطريق إلى القصر معبدة، والسيارة تحملك إليه عبر تعرجات لافتة ..لا تسمع من حواليك، باستثناء هدير السيارة سوى غناء السواقي المائية الغزيرة، والتي تستطيب الشرب منها نظرا لنقائها وعذوبتها الفضية الباردة .
تصل القصر العالي المنيف وتبدأ جولتك ذات الرهبة فيه، من أول باب تدخله ثم تتوالى المفاجآت المبهرة فصلا تلو آخر، بخاصة عندما تنتقل من جناح إلى آخر؟ فكل جناح مثلا يتوسطه فناء ولا أجمل، وله بالطبع خصائصه المتميزة، فناء الرياحين، فناء السباع .. وتتوسط الأول بحيرة مستطيلة ذات اخضرار نظيف وعميق .. أما فناء السباع ففيه تلك البركة الشهيرة، والتي لم يعرف إلى الآن كيف توصل العرب إلى اختراع طريقة توزيع المياه فيها بقوة قذف متساوية من فم كل سبع يحيط بها. السر ظل غامضا واندفن مع غموضه حين حاول بعض المهندسين حل اللغز. إذ توقفت البركة عن العمل وفق نظامها "التكنولوجي" العربي القديم.