بهزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، أعلن قيام حكومة عربية في دمشق برئاسة الأمير سعيد الجزائري في 28 أيلول 1918، ورفع العلم العربي على سارية فوق مبنى البلدية.
والعلم العربي ألوانه الأسود والأخضر والأبيض، ويشمل الألوان الثلاثة مثلث أحمر. وفي بيروت إنهارت السلطة العثمانية، وسلم الحاكم التركي إسماعيل حقي بك مقاليد الحكم إلى عمر الداعوق رئيس بلدية بيروت في 30 أيلول 1918، ثم وصلت برقية من الأمير سعيد الجزائري في دمشق يطلب فيها تشكيل إدارة عربية في بيروت، باسم الحكومة العربية التي تأسست في دمشق. وعلى هذا الأساس تشكلت حكومة عربية في بيروت في أول تشرين الأول، برئاسة عمر الداعوق ورُفع العلم العربي على المباني العامة، وفي صيدا رفع رياض الصلح العلم العربي الذي أرتفع أيضاً على سراي بعبدا. وعن رفع العلم العربي فوق سراي بيروت يقول صائب سلام:{ما زلت أذكر ذلك اليوم التاريخي المشهود الذي تولت فيه رفع العلم العربي على سارية السراي الكبير، فاطمة المحمصاني شقيقة الشهيدين محمد ومحمود المحمصاني، وكيف عمّت البهجة والسرور الألوف المحتشدة من مسلمين ومسيحيين، يشتركون بالفرحة معاً ويتبادلون التهاني}.
ولكن بشارة الخوري يذكر رواية أخرى عن قيام الحكومة العربية في بيروت، فيقول: {كانت فصيلة من الجيش العربي قد دخلت بيروت مع الجند البريطاني يأمرها شكري الأيوبي (1)، فرفعت علم الشريف فيصل بن الحسين (2) على السراي والدور الرسمية، وعين شكري باشا عمر بك الداعوق حاكماً على بيروت، وحبيب باشا السعد حاكماً على جبل لبنان}. ويُسمّى هذا الأمر بالاحتلال العربي.
وفي رواية ثالثة أن أعيان مدينة بيروت، بعثوا ببرقية إلى القيادة العربية العليا في دمشق، طلبوا فيها إرسال ممثل للشريف حسين لينظم أمر الحكومة العربية في بيروت، فبعث نوري باشا السعيد برقية جوابية طلب فيها رفع العلم العربي على جميع المباني الحكومية، بعد أن وصف شكله وألوانه، ثم أرسل الأمير فيصل قوة عسكرية إلى بيروت بقيادة شكري باش الأيوبي.
وعلى كل، شكّل عمر الداعوق حكومة عربية مؤقتة مع أعضاء مجلس بلدية بيروت، لتتولى أدارة الشؤون الضرورية، وقد شاركه في المسؤولية لفيف من وجهاء البلد مسلمين ومسيحيين دون تمييز. وتمّ أختيار أحمد مختار بيهم مديراً للأمن العام ويعاونه سليم الطيارة وجان فريج، كما تمّ أختيار حسن قرنفل ونسيم مطر مديرين للإعاشة، وشارك في مسؤولية الحكومة سليم علي سلام وألفرد سرسق ورامز سركيس... كما أحتفظ عمر الداعوق لنفسه بإدارة المؤسسات الخيرية يعاونه محمد فاخوري ويوسف عودة.
لكن الحكم العربي لم يدم في بيروت سوى أحد عشر يوماً، فما أن دخل الأمير فيصل دمشق حتى أرسل شكري باشا الأيوبي إلى بيروت، وأستلم حكم جبل لبنان باسمه على أن تكون مدينة بيروت هي مقر حكمه، ودخل الأيوبي بيروت كما توجه إلى بعبدا حيث رفع العلم العربي هنا وهناك كما ذكرنا، لكن حكم الأيوبي لم يدم إلا أياماً قليلة أسوة بالحكومة العربية في بيروت، ذلك أن فرنسا كانت قد أتفقت مع إنكلترة بموجب معاهدة سايكس ـ بيكو على أن تكون ولايتا دمشق وحلب وولاية بيروت {ألوية بيروت وطرابلس واللاذقية} ومتصرفية جبل لبنان، من نصيب فرنسا بعد إنتهاء الحرب، كما أن المسيحيين في جبل لبنان أمتعضوا من سيطرة الحكم العربي على بيروت وبعبدا.
(1) شكري الأيوبي {1267-1340هـ/1851-1922م} : ولد وتُوفي بدمشق تخرَّج من الكلية الحربية في اسطنبول وأتهم في الحب الأولى بالخروج على سياسة تركيا فسجن في {خان البطيخ} بدمشق. وبعد الحرب عيَّنه الأمير فيصل بن الحسين نائباً عنه في بيروت ولم يرض عنه الفرنسيون فعاد إلى دمشق وعُيّن حاكماً عسكرياً في حلب إلى أن تُوفي.
(2) فيصل الأول {1300-1352هـ/1883-1933م} : فيصل بن الحسين بن علي الحسني الهاشمي، أبو غازي، ملك العراق، ولد بالطائف وأختير نائباً عن {جدة} في مجلس النواب العثماني سنة 1913م، وتنقل بين الحجاز والآستانة وزار دمشق وعندما ثار والده على الأتراك تولى قيادة الجيش الشمالي ثم سُمِّي {قائداً عاماً للجيش العربي} في فلسطين ودخل سوريا سنة 1337هـ/1918م، بعد جلاء الترك عنها وناب عن والده في مؤتمر الصلح في باريس وفشل في إقامة ملك له في سوريا حيث سيطرت فرنسا وبمساعدة إنكلترة أصبح ملكاً على العراق سنة 1921م وتُوفي بالسكتة القلبية في سويسرا.