1278-1306هـ/1860-1888م

بيروت تمتد خارج أبوابها لتضّم الضواحي والأحياء الجديدة :

بعد جلاء الجيش المصري سنة 1840م، بدأت بيروت تمتد خارج أبوابها، نحو نهر بيروت شرقاً ثم نحو الغرب والجنوب. وامتدت الشوارع الجديدة إلى الضواحي، بعد أن أصلحت وفرشت بالحصى وأعتني بها، وملأت المساكن الجديدة الحدائق وبساتين التوت الواقعة على التلال في الجنوب والجنوب الشرقي. وبذلك عمرت أحياء جديدة، كانت تعتبر من ضواحي بيروت، فأصبحت ضمن حدودها الجديدة، مثل المصيطبة وزقاق البلاط ومار متر والأشرفية والمدور ... أما الأحياء التي عمرت على بعد كيلومتر أو أكثر، فاعتبرت الضواحي الجديدة لبيروت.

وكان حي زقاق البلاط من أبرز الأحياء الجديدة، وقد سُمي كذلك منذ أن رصف إبراهيم باشا بعض أزقة بيروت بالبلاط، ومنها زقاق البلاط الذي كان من ضواحي بيروت زمن الحكم المصري، وكان يسكن فيه السيِّد عمر بيهم رئيس مجلس الشورى آنذاك.

أما منطقة الباشورة، فيقال إنها قديمة يرتقي عهدها إلى عصر الخليفة المنصور، وقد اشتهرت بوجود المقبرة الإسلامية فيها التي تفصل نحلة السور بينها وبين بيروت القديمة.

وبعد ذلك شيّد ضريح قبر الوالي وحوض ماء، ومن هنا تسمية المنطقة المجاورة بحوض الولاية. وشمال مقبرة الباشورة، بني مستشفى قلب يسوع سنة 1862م وسُمّي {المستشفى الفرنسي}، وأضيف إليه أبنية حديثة لجهة الجنوب الغربي، مما أدى إلى قيام منطقة البسطة ، التي تمتد على طول الربوة المواجهة للأشرفية . وفي قمة هذه الربوة، تقع منطقة برج أبي حيدر، وأصلها برج أبي هدير، سميت كذلك نسبة إلى البرج الذي كان يوجد فيها. ويجاورها منطقة المصيطبة ، التي كانت عبارة عن مسطبة عمّرها بيدر الخوارزمي لبناء السفن. كما كانت مصيفاً للسلاطين والأمراء، الذين اختاروها لأرتفاعها وأعتدال هوائها، وتكرَّر مجيئهم إليها حتى عُرفت بمنزلة السلاطين.

وشرق البسطة، كان يوجد سهل أخضر يقع في آخره رأس النبع، حيث يوجد ماء عذب ومن هنا تسمية المنطقة برأس النبع الذي تشرف عليه هضبة مار متر ومنطقة الأشرفية.

وبنيت منازل الأحياء الجديدة في أشكال هندسية جديدة، تغطي سطوحها العرائش وتحيط بها الحدائق المزروعة بالأشجار. وكانت النوافذ المزججة لا تزال نادرة في بيروت، فليس ثمة زجاج ولا نوافذ ذات فرجات، وإنما هي مصاريع أو شعريات من الخشب. فكانت الدفات اللازة الواسطة الوحيدة لإتقاء المطر والريح. وفي بيوت الأغنياء أثاث أوروبي فخم يختلط بالتحف الفنية الثمينة المستوردة من القاهرة أو من دمشق.

وتحسنت بيروت وضواحيها بفضل بناء المساكن الجديدة. وارتفعت أجور السكن بسبب وجود الكثير من الفرنسيين، فأجرة بيت يتسع لعائلة صغيرة، يبلغ ثلاثين ليرة إسترلينية، وأوقية اللحم بأربع {بنسات}.

وكانت الحمير والجمال والبغال وسائل النقل آنذاك، ولكن يستطيع المرء مشاهدة بعض العربات التي تتنقل في مناطق محددة من الأحياء الجديدة، بسبب رداءة الطرق. وكان رائف باشا متصرِّف بيروت سنة 1880م. كما كان رستم باشا متصرِّف جبل لبنان يسكن بيروت شتاءً وقد شاهده الشاعر محمد بيرم التونسي (1) ثناء زيارته لبيروت شتاء سنة 1880م، فقال: ( راجعاً من الجبل إلى داره، متخذاً أبهة فاخرة في عربة يجرها ثلاثة من الخيل العتاق، وأمامه فارس ووراءه أربعة من العساكر الخيالة متسلحين وبندقية كل منهم حاملها في وجهه).

(1) محمد بيرم التونسي 1840-1889م : من ألمع أدباء قومه، أشتهر برحلاته إلى الشرق والغرب ولا سيما رحلته التي حجّ فيها إلى بيت الله الحرام، نفي من مصر إلى فرنسا من قبل سلطات الاحتلال البريطاني في 26 شوال سنة 1296هـ/ صيف سنة 1879م، ومر بمالطة والإسكندرية والقاهرة ومكة المكرمة والمدينة المنورة ثم رجع بطريق ينبع، السويس، فبيروت. وقد وصف رحلته هذه في كتاب {صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار}.

 عودة للفصل الأول

عودة للباب السادس

عودة للصفحة الرئيسية