رثاء في الأندلس
هو صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي. من أهل (رندة) قرب الجزيرة الخضراء وإليها نسبته. من حفاظ الحديث والفقهاء. كان بارعا في منظوم الكلام ومنثوره, مجيدا في المديح والغزل والوصف والزهد ولكن شهرته ترجع إلى قصيدة نظمها بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية. وفي قصيدته التي نظمها يستنصر أهل العدوة الإفريقية من بني مرين لما أخذ ابن الأحمر محمد بن يوسف أول سلاطين غرناطة يتنازل للإسبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في أن يبقى له حكمه المقلقل في غرناطة وتعرف قصيدته بمرثية الأندلس وفيها يقول :
فـلا يـغر بـطيب العيش إنسان | لـكل شـيء إذا مـاتم نـقصان |
مـن سره زمـن سـاءته أزمـان | هـي الأمـور كما شاهدتها دول |
ولا يـدوم عـلى حـال لها شان | وهـذه الـدار لاتـبقى على أحد |
وأيـن مـنهم أكـاليل وتـيجان | أين الملوك ذوي التيجان من يمن |
وأين ما ساسه في الفرس ساسان | وأيــن مـا شاده شـداد في إرم |
وأيـن عـاد وشـداد وقـحطان | وأيـن مـا حازه قارون من ذهب |
حـتى قضوا فكان القوم ما كانوا | أتـى عـلى الـكل أمـر لامرد |
كما حكى عن خيال الطيف وسنان | وصـار الأمر من مَلكٍ ومن مُلك |
سبب يوماً ولا ملك الدنيا سليمان | كـأنما الـصعب لـم يـسهل له |
ولـلـزمان مـسرات وأحـزان | فـجائع الـدنيا أنـواع مـنوعة |
ولـما حـل بـالأسلام سـلوان | ولـلـحوادث سـلوان يـسهلها |
هـوى لـه أحـد وأنـهد ثهلان | دهـى الـجزيرة أمر لا عزاء له |
حـتى خـلت مـنه أقطار وبلدان | فـي الـعين في الأسلام فارتزأت |
وأيـن شـاطبة أم أيـن جـيان | فـأسأل بـلنسية ما شان مرسية |
مـن عـالم قد سما فيها له شان | وأيـن قـرطبة دار الـعلوم فكم |
ونـهرها الـعذب فياض وملآن | وأيـن حمص وماتحويه من نزه |
عـسى الـبقاء إذا لم تبق أركان | قـواعد كـن أركـان البلاد فما |
كـما بـكى لـفراق الإلف هيمان | تبكي الحنيفية البيضاء من أسف |
قـد أقـفرت ولها بالكفر عمران | عـلى ديـار مـن الأسلام خالية |
مـا فيهن إلا نـواقيس وطـبان | حـيث المساجد قد صارت كنائس |
حـتى المنابر تبكي وهي عيدان | حتى المحاريب تبكي وهي جامدة |
إن كـنت في سنةٍ فالدهر يقضان | يـاغافلاً وله في الدهر موعضة |
أبـعد حـمص تغر المرء أوطان | ومـاشياً مـرحاً يـلهيه موطنه |
ومـالها مـن طوال الدهر نسيان | تـلك الـمصيبة أنست ماتقدمها |
كـأنها فـي مجال السبق عقبان | يـاراكبين عـتاق الخيل ضامرة |
كـأنها فـي ظـلام النقع نيران | وحـاملين سـيوف الهند مرهفة |
لـهم بـأوطانهم عـز وسلطان | وراتـعين وراء الـبحر في دعة |
فـقد سـرى بحديث القوم ركبان | أعـندكم نـباء مـن أهل أندلس |
قـتلى وأسـرى فما يهتز أنسان | كم يستغيث بنا المستضعفون وهم |
وأنـتـم يـا عـباد اللهأخـوان | لـماذا التقاطع في الأسلام بينكم |
أحـال حـالهم جـور وطـغيان | يـا من لـذلة قـوم بـعد عزتهم |
والـيوم هم في بلاد الكفرعبدان | بـالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم |
عـليهم فـي ثـياب الذل ألوان | فـلو تـراهم حيارى لادليل لهم |
كـمـا تـفـرق أروح وأبـدان | يـارب أم وطـفل حـيل بينهما |
طـلعت كأنما هي ياقوت ومرجان |
وطـفلة مـثل حسن الشمس إذ |
والـعين بـاكية والـقلب حيران |
يـقودها الـعلج لـلمكروه مٌكرة |
إن كـان في القلب إسلام وإيمان |
لـمثل هـذا يبكي القلب من كمد |