قال أبو البقاء الرندي عندما تغلّب النصارى على بلاد الأندلس، فقام محرضاً على الجهاد ومخاطباً لأهل الإسلام :
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ | لكل شيء إذا ما تم نقصان |
من سرّه زمنٌ ساءته أزمانُ | هي الأمور كما شاهدتها دولٌ |
ولا يدوم على حالٍ لها شانُ | وعالم الأكوان لا تبقى محاسنه |
وما لما حلّ بالإسلامِ سلوانُ | وللمصائب سلوانٌ يهونها |
هوى له أحدٌ وانهدّ ثهلانُ | دهى الجزيرة خطب لا عزاء له |
حتى خلتْ منه أقطارٌ وبلدانُ | أصابها العين في الإسلام فامتُحِنت |
وأين قرطبة أم أين جيانُ |
فسل بَلنْسيّة ما شان مُرسيَة |
ونهرها العذب فياضٌ وملآنُ | وأين حمص وما تحويه من نزه |
من فاضلٍ قد سما فيها له شانُ | هذا طليطلة دار العلوم فكم |
أْسْدٌ بها في الحربِ عقبانُ | وأين غرناطة دار الجهادِ وكم |
عسى البكاءُ إذا لم تبق أركانُ |
قواعدٌ كنّ أركانُ البلادِ فما |
في كل وقتٍ به آيٌ وفرقانُ | وأين جامعها المشهور كم تُلِيَتْ |
مُدَرِسٌ وله في العلمِ تبيانُ | وعامٌ كان فيه للجهولِ هدى |
والدمعُ منه على الخدينّ طوفانُ | وعابدٌ خاضعٌ لله مُبتهلٌ |
وأين يا قوم أبطالٌ وفرسانُ | وأين جارتها الزهراءُ وقبتها |
بدا له في العِداءِ فَتْكٌ وإمعانُ | وكم شجاعٌ زعيمٌ في الوغى بطلٌ |
تبكيِه من أرضه أهلٌ ووِلدانُ | وكم جندلتْ يدهُ من كافرٍ فغدا |
ورد توحيدها شركٌ وطغيانُ | وواديار من غدت بالكفرٍ عامرة |
كما بكى لِفراق الإلفِ هيمانُ | تبكي الحنيفيةُ البيضاء من أسفٍ |
حتى المنابر تبكي وهي عيدانُ | حتى المحاريب تبكي وهي جامدةٌ |
قد اقفرّت ولها بالكفرِ عمرانُ | على ديارٍ من الإسلام خاليةً |
بها إلا نواقيسٌ وصلبانُ | حيثُ المساجد قد أمست كنائسٌ ما |
وما لها مع طويل الدهرِ نسيانُ | تلك المصيبة أتت ما تَقدمها |
كأنها في مجالِ السَبْقِ عُقبانُ | يا راكبينَ عتاق الخيلِ ضامرةً |
كأنها في ظلام الليل نيرانُ | وحاملين سيوف الهند مرهفة |
لهم بأوطانهم عِزٌّ وسلطانُ |
وراتعين وراء النهر من دعةٍ |
فقد سار بحديث القوم ركبانُ | أعنكم نبأٌ من أمرِ أندلس |
أَسرى وقَتلى فلا يَهتزُ إنسانُ | كم يستعيث صناديدُ الرجال وهم |
وأنتم يا عباد الله إخوانُ | لماذا التقاطع في الإسلام بينكم |
أما على الخير أنصارٌ وأعوانُ | ألا نفوس أبيّاتٌ لها همم |
سطا عليهم بها كفرٌ وطغيانُ |
يا من لنصرةِ قوم قُسِمُوا فِرقَاً |
واليوم هم في قيودِ الكُفرِ عُبدانُ | بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم |
عليهم من ثيابِ الذلِ ألوانُ | فلو رأهم حيارى لا دليل لهم |
لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ | فلو رأيت بكاهم عند بَيعهم |
كما تُفَرَقُ أرواحٌ وأبدانُ | يا ربّ طفل وأم حِيلَ بينهما |
كأنما هي ياقوتٌ و مرجانُ | وغادة ما رأتها الشمسُ بارزةً |
والعين باكيةً والقلبُ حيرانُ | يقودها العلجُ عند السبي صاغرةً |
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ | لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ |
تزخرفت جنةُ المأوى لها شانُ | هل للجهادِ بها من طالبٍ فلقد |
فازت لعمري بهذا الخير شجعانُ | وأشرفَ الحورُ والولدانُ من غرفٍ |
ما هبّ ريحُ الصبا واهتزَّ أغصانُ |
ثم الصلاةُ على المختار من مضرٍ |