الجزء الأول

دعونا نتأمل -أيها الأحبة - ثمانية قرون، وماذا كانت النتيجة بعد سقوط الأندلس في عام ثمانمائة وسبعة وتسعين هجرية. 
بعد معاهدة سنشير إليها بعد قليل ـ إن شاء الله ـ أعطاها النصارى، ولكنهم خانوا كعادتهم، بدأت الخيانة بعد سنوات معدودة، بعد سبع سنوات من انتهاء الأندلس، ماذا حدث؟
بدأت محاكم التحقيق ودواوين التفتيش، وبدأ التعذيب الوحشي، الذي لم يمر بتاريخ البشرية كهذا التعذيب أبدا، من يقرأ كيف واجه المسلمون تعذيبا رهيبا وشديدا ومؤلما على يد من؟ على يد النصارى. أشكال وألوان من التعذيب، لم تصل إليها البشرية حتى الآن. كانوا يلاحقون المسلمين ملاحقة، ويلاقون منهم، ويلاقي المسلمون ألوانا من العذاب والوحشية تقشعر لها الأبدان، إذا علموا أن مسلما اغتسل ليلة الجمعة عرفوا أنه مسلم، فقضوا عليه إذا وجدوه لبس الزينة في يوم العيد، عرفوا أنه مسلم فقضوا عليه. كيف يقضون عليه؟ قلت لكم بأساليب وحشية تدمي القلوب.

 
استخدموا جميع ألوان التعذيب والبطش والتنكيل على مدى ثلاثة قرون متواصلة، حتى محوا المسلمين من الوجود، وقد يكون هذا الأمر مستغربا، ولكنها الحقيقة كانوا يأتون بالمسلم ويعذبونه، حتى إنهم يأتون به ويخلطون لحمه وعظامه، ولا تميز بين اللحم والعظام بعد عذاب شديد، يستمر أياما وأشهرا، كانوا يتفنون ويتلذذون في تعذيب المسلمين، هؤلاء اليهود، وهؤلاء النصارى كانوا يأتون بالنماذج، تعذيبهم بما يسمونه:

العروسة أتدرون ما هي العروسة؟ صورة فتاة جميلة مصنوعة من البرونز أو من النحاس، موضوعة في تابوت، ويوضع ويخرج منها خناجر على شكل خناجر، ويقال للمسلم هذه زوجتك، فيلقى في التابوت عليها، ويغلق عليه التابوت والخناجر تمزق أمعاءه وأحشاءه، كانوا يأتون بالمسلم، ويقطعونه أوصالا، وهو حي يبدءون من قدميه حتى يصلوا إلى وسطه، ثم يبدءون من أطرافه، ثم رأسه حتى ينتهي وهو يتأوه ويتعذب.

صور التعذيب، صور الوحشية، الخروج من الحياة الإنسانية ما لا يخطر على بال.

نقول: بعد ثلاثة قرون من هذا الأمر، قضوا على عدد من ملايين المسلمين بهذه الطريقة، واضطر بعض المسلمين أن يعلن التنصر، وأنه نصراني، وأن يربي أبناءه على النصرانية علنا، ولكنه يخفي الإسلام وهؤلاء الذين سموا "بالمرويسكيين. ولكن تابعوهم متابعة دقيقة، حتى إنهم كانوا يفتشون عن عورة الصبي، أو الرجل فإن وجدوه مختونا علموا أنه مسلم، فبطشوا بأهله وبزوجته وبأبنائه بأشد أنواع البطش والفتك. هذا ما حدث أيها الأحباب، وهنا تعتبر أوروبا الآن من آخر بلاد أوروبا وجودا للإسلام فيها.


البلد الذي عاش فيه الإسلام ثمانية قرون، نجد أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وبعض دول أوروبا، قد نجد أثرا للمسلمين فيها. أما أسبانيا، فإلى الآن، فأثر المسلمين ضعيف وكأن هذه المدينة، وكأن هذه الدولة لم يعش فيها الإسلام ثمانية قرون متلاحقة، ما السبب في ذلك؟ ولهذه المأساة، بل أثناء هذه المأساة، بكى المسلمون وتباكى كثير من المسلمين قبل سقوط الأندلس، وممن بكى الأندلس كما تعرفون أبو البقاء الرندي بقصيدته المشهورة.

نقرأ لكم بعضا منها، تبين هذه المأساة التي حلت بالمسلمين:

 فلا يغر بطيب العيش إنسان لكل شيء إذا ما تم نقصان من سره زمن ساءته أزمان هي الأمور كما شاهدتها دول ولا يدوم على حال لها شان وهذه الدار لا تبقي علـى أحد وأين منهم أكاليل وتيجان أين الملوك ذوي التيجان من يمن قضوا فكأن القوم ما كانوا أتى على الكل أمر لا مرد له حتى وللزمان مسرات وأحزان فجائع الدهر أنواع منوعة لما حل بالإسلام سلوان وللحوادث سلوان يسهلها وما هوى له أحد وانهد ثهلان دهى الجزيرة أمر لا عزاء له كما بكى لفراق الإلف هيمان تبكي الحنيفية البيضاء من أسف أقفرت ولها بالكفر عمران على ديار من الإسلام خالية قد ما فيهـن إلا نواقيس وصلبان حيث المساجد قد صارت كنائس حتى المنابر ترثي وهي عيدان حتى المحاريب تبكي وهي جامدة إن كنت فـي سنة فالدهر يقظان يا غافلا وله في الدهر موعظة وأنتـم يا عباد اللـه إخـوان ماذا التقاطع في الإسلام بينكم على الخير أنصار وأعوان ألا نفـوس أبيـات لها همم أما واليوم هم في بلاد الكفر عبدان بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم عليهم من ثياب الذل ألوان فلو تراهم حيارى لا دليل لهم إن كان فـي القلب إسلام وإيمان لمثـل هـذا يذوب القلب من كمد هذا جزء من هذه القصيدة الرائعة المبكية المحزنة أيها الإخوة:

إن كان في القلب إسلام وإيمان لمثـل هـذا يذوب القـلب من كمد

عودة لصفحة دروس وعِبر

عودة لصفحة الفردوس المفقود