بيروت من أولى مدن العالم القديم
تعتبر بيروت من أقدم المدن على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وبالتالي من أولى المدن في العالم القديم. ويعود تاريخ تخطيطها إلى أقدم القرون، وكانت رقعة بيروت تضيق وتتسع باختلاف الدول التي مرت عليها من زمن لآخر.
والحقيقة أن الكنعانيين استوطنوا الساحل الشرقي للبحر المتوسط، ثم نمت تلك القبائل وتفرقت واتخذت لها المستعمرات على طول الساحل، وصارت كل منها شبه مملكة صغيرة مستقلة بالحكم والتدبير عن سواها. وأشهر هذه الممالك، مملكة أرواد ومملكة جبيل ومملكة بيروت ومملكة صيدون ومملكة صور. والمرجح أن الجيليين هم الذين تقدموا إلى الجنوب، فبنوا أولاً مستعمرة بيروت قبل صيدون، وجعلوها مملكة متاخمة لمملكة جبيل، كان طولها يبلغ من الشمال إلى الجنوب 36 كلم بين نهري الكلب والدامور. أما عرضها فكان معدَّله لا يتجاوز عشرة كيلومترات. من شاطئ البحر إلى سفح الجبل. ومع ذلك كانت بيروت ميناءً متواضعاً في تلك الفترة، حيث كانت جبيل هي المدينة الهامة.
واعتبر الكنعانيون بيروت مدينة مقدسة، ومكرسة لعبادة {بعل بريت}، حيث كان أهل بيروت يدينون بالوثنية. وإلى عصر الكنعانيين يعود بناء سور بيروت، فيذكر صالح بن يحيى أن {بيروت مدينة قديمة جداً يستدل على قدمها بعتق سورها، ومع عتقه فهو محدث عليها، استخدموه الأولين من خرايب كانت مقدمة أقدم منه بمدد كثيرة لأننا نجد في السور المذكور قواعد من الرخام وأعمدة كثيرة من الحجر المانع، الذي قد تعب عليها الأولين في عملها وجلبها، ونفقوا عليها أموالهم، فدل ذلك على أنها من خرايب قديمة، كانت عظيمة البناء، جليلة المقدار، فاستهانوها الذين جاؤوا بعدهم وجعلوها في السور المذكور مكان الحجارة التي لا قيمة لاستغنائهم عنها بكثرة أمثالها، ودل ذلك على أن العماير الأولى كانت أعظم من الثانية}، ثم يردف قائلاً: {ومما يستدل على قدم بيروت، من قدم صيدا وصور بالمجاورة لها، يقال إن صيدا مدينة عمرت بعد الطوفان. وقد أدى تعدد الممالك الساحلية إلى قيام التنافس والحروب فيما بينها، وقد سعى الصيدونيون أكثر من مرة إلى قهر سلطة أهل بيروت واستعبادهم فردهم البيروتيون خاسرين}.
وكان الخطر الكبير على مدينة بيروت وحكومات المدن الساحلية، من جانب الدول الكبرى التي كانت تحاول السيطرة عليها، بدءاً بمصر الفرعونية، مروراً بالآشوريين والفرس، فاليونان والرومان.