بطليوس
تقع على ضفاف نهر وادي آنه مدينة بطليوس المؤسسة برمتها من قبل المسلمين. تاريخها يذكر بأمجاد أمراء بني الأفطس المتوكل والمظفر المغرمين بالشعر والفنون.
ترك تاريخ الأندلس الإسلامي بصماته
المفحمة على قصبة بطليوس، وهي مجمع دفاعي بنى معظم أجزائه الموحدون. وولدت بطليوس
بمبادرة من مولّد اعتنق الإسلام وينتمي إلى عائلة محلية عريقة: عبد الرحمن بن مروان
الجليقي الذي أسسها في سنة 875 في عهد الأمير محمد الأول.
وصل إلينا من
الأسوار المبنية في القرن العاشر الجزء الجنوبي منها المحاذية لحدائق غاليراGalera
.
بلغت بطليوس أوج أمجادها ما بين العامين1022 و1094 كعاصمة لمملكة بني الأفطس، وهم بربر من قبيلة مكناسة، فقد ضم ملكهم ماردة ولشبونة وشنترين وقمبرة. وفي عهد المظفر، المقاتل والمغرم بالشعر، عاشت بطليوس أزهى أيامها.
قام أبو محمد، أول ملوك بني الأفطس، بتعزيز أسوار القصبة مستخدمًا في البناء الحجارة والكلس. وعندما أصبحت بطليوس من ثغور التخوم شهدت التقلبات المترتبة على ذلك الظرف إلى أن سقطت في يد النصارى في العام 1230.
كان سادة الصحراء هم الذين أنجزوا تغييرات كبيرة في قصبتها واسوارها في القرن الثاني عشر. أصبح للقصبة في زمنهم ثلاثة أبواب ذات مداخل منعطفة وبويبات ملحقة بها. كما أنشأوا عدة أبراج خارجية يربطها بالأسوار ممرات ومنها برج الطليعةAtalaya واسبانتابيرّوس Espantaperros التي غدت رمزا للمدينة وهي على علاقة، معماريا، بأبراج قصرش الموحدية وبرج الذهب في اشبيلية. وكان في المدينة قصور قيمة وسط تزاحم بيوت القصبة. وفي القلب منها كان المسجد الجامع الذي أتى على ذكره البكري والحميري والذي حلّ محله المعبد المسيحي بعد سقوطها.
التيار الثقافي
بالتوازي مع الدور المتميز الذي لعبته بطليوس في أحداث ما بين القرنين11 و 13 سطعت المدينة ببريق إبداعي جعلها من مراكز الأندلس الثقافية في ذلك العصر، فقد تبوأت دور البلاط في القرن الحادي عشر ورعت العلماء والشعراء في عهدي المظفر والمتوكل. قائمة الأدباء الذين توافدوا عليها طويلة، نذكر منهم الشاعر الأمّي ابن جاخ البطليوسي وشاعر دانية ابن اللبانة الذي أطنب في مدح المعتمد بن عباد، وابن عبدون، شاعر بلاط بني الأفطس المولود في يابرة. ولا بد من ذكر ابن السيد البطليوسي الذي يعتبر أول أندلسي سعى إلى إثبات انسجام الدين الإسلامي مع الفكر الإغريقي.
الزلاقة
كانت السهول الممتدة شمالي بطليوس بعد سنة من سقوط طليطلة في يد الفونسو السادس مسرحا لمعركة عظيمة بين المسلمين والنصارى. فموقعة الزلاقة التي جرت في23 أكتوبر من سنة 1086 تعتبر أول معارك العصور الوسطى. فللمرة الأولى تواجه الجيشان المتساويين قوة وعتادا، كما كانت متشابهة قدرتهما العسكرية والدوافع التي كانت تؤجج مطامح قائديهما.
كان ملك النصارى قد حصد قبل أشهر انتصارات باهرة إبان غزواته على ممالك الطوائف. ومن جهته كان يوسف بن تاشفين يتابع مسيرته المظفرة عبر شمال أفريقيا باستيلائه على طنجة (1077) وتلمسان (1081) وسبتة (1084) قبل آن يبدأ العبور إلى عدوة الأندلس في يونيو سنة1086 متجها بقواته في نهاية الصيف صوب وادي آنه.
أخبار قدوم جيش المرابطين تسانده قوات مالقة التي أرسلها عبد الله، ملك غرناطة الزيري، ودعم المعتمد بن عباد الاشبيلي دفع الفونسو السادس الى رفع حصاره لسرقسطة والتوجه لملاقاة جيش المسلمين على رأس قوة بلغت خمسين ألف محارب.
يذكر الأمير عبد الله في مذكراته ان جيش المسلمين تجمّع مقابل مدينة بطليوس بانتظار قدوم العدو. شمس الثالث وعشرين من شهر أكتوبر من سنة 1086 ، وكان يوم جمعة، أنارت معركة دامية استمرت حتى حلول العتمة وملأت البطاح ما بين نهري خيبورا Gevora ووادي آنه بأشلاء القتلى والجرحى.
وكان النصارى قد باغتوا معسكر المسلمين قبيل الفجر، الأمر الذي اعتبره المسلمون غدرا لكونه يوم جمعة. لكن يوسف بن تاشفين نظم بنفسه كمينا وقع فيه الملك الفونسو السادس وأدت الى أصابته بجروح بليغة اضطرته الى الفرار لتتفرق حشود جيشه متمزقة تحت ضربات جيش المسلمين. مع انقشاع خطر النصارى تفرّغ المرابطون للقضاء على ملوك الطوائف.