القصر هذا يقع جنوب مدريد، ويبعد عنها نحو ثمانين كيلو متراً، أصله قصر ملكي أندلسي، له أربعة أدوار، وفي كل طابق حوالي خمسين غرفة، وكلها مفتوحة إلى بعضها، حتى ليمكن للزائر أن يدخل من الأولى ويخرج من الأخيرة، ويمر خلال هذه الغرفة على أجنحة الملوك السابقين، وأجنحة الملكات، وولاة العهد مع توالي الأزمان، ومن جملتها غرفة الملك العربي، وأجنحة نسائه وخدمه وحَشمِه.
في الأسكوريال مكتبة عربية ضخمة وفخمة، تحوي مجلدات مخطوطة، ولها فهرس بمجلدين ضخمين، ومن عجب أن كثيراً من هذه المخطوطات لم نسمع بها، ولم نعرفها، ولم تحقق، أو تنشر، وقليل من هذه المخطوطات من تأليف المشارقة، ولا سيما الأعلام، في جميع العلوم والفنون.
أروع ما في الأسكوريال تلك اللوحة المرسومة في سقف الصالة الكبرى، وهي بيضاوية الشكل، وتمثل أبا عبد الله الصغير، آخر ملك عربي من بني الأحمر حَكَم الأندلس، ووراءه جيش كله معمم أو على رأسه عقال، وأبو عبد الله مترجل من على فرسه، وفرسه الأحمر مطرق الرأس، كذلك الجيش العربي وفي يد أبي عبد الله مفتاح كبير، هو رمز الأندلس، يقدمه إلى فرديناند، الراكب عل فرس، وزوجته إيزابيلا على فرس آخر، وفرساهما يشمخان برأسيهما، ويمد فرديناند يده ليتسلم المفتاح.
وفي طرف اللوحة صورة لإسباني يرفع رجله فوق رأس جندي عربي، ويركله برجله، فيسقط العربي على ظهره، وينزلق رأسه إلى جهنم المرسومة خلفه، وعيناه جاحظتان، ويداه مرفوعتان إلى أعلى من الرعب. وتحدق في الصورة أكثر وأكثر، وتعيش معها فترة، فتنسى نفسك أنك أمام صورة، وترى أنك تراجعت إلى وراء، خشية أن يقع الفارس عليك، وحين تعود إلى نفسك تجد دموعك غسلت وجهك، وتقول في نفسك: ترى أهذه آخر لوحة ترسم في تاريخنا، أم أن لوحات كثيرة سوف ترسم وترسم؟.