هذه المدينة المحصنة التي تحافظ خلف أسوارها على مبان ما زالت تحمل سمات عمارة القرون الوسطى، كانت موقعا عسكريا بالغ الأهمية إذ تولى الدفاع عن تخوم الأندلس زهاء قرنين من الزمن.
تنتهي جولتنا عبر مسالك المرابطين والموحدين في غرب الأندلس عند تخوم نهر تاجه، في سهول أعالي اكستريمادورا. خلال اكثر من مئتي عام كانت تلك البقاع مسرحا للمناوشات بين المسلمين والممالك المسيحية، ولم تخترق تلك الحدود نهائيا سوى في القرن الثالث عشر. موقع قصرش جعلها في حالة حرب دائمة، فبدءا من سنة 1141 تبادلتها الأيدي مرارًا وتكرارًا الى ان استولى عليها نهائيا الفونسو التاسع، ملك ليون.
خلال تلك القرون اكتسبت المدينة تحصينا يميزها عن غيرها من الحواضر الأندلسية ويعتبر نموذجا للعمارة العسكرية الموحدية. إلا أن بداياتها كانت ما قبل الفتح، فأساسات أسوارها تعود إلى عهد الرومان عندما كان تسمى كولونيا نوربا سيسارينا Colonia Norba Caesarina. أما العرب فأسموها حصن القصر أو قصرش وكانت في زمن الطوائف قاعدة مهمة.
بنى الموحدون فوق الأسوار الرومانية، التي رممت وأعيد بناؤها على الأغلب في عصر الخلافة الأموية في القرن العاشر، نظاما دفاعيا مدهشا ما زالت ملامحه بيّنة في يومنا هذا. تحيط الأسوار المبنية بالطوب والحجارة بالمدينة التي كانت تبلغ مساحتها ثمانية هكتارات، وكانت كثيفة العمران.
غاب التوزيع العمراني الذي اتسمت به في تلك الأزمنة ويفترض أن تكون كنيسة سان ماتيو في الموقع الذي شغله المسجد الجامع، وربما كان القصر أو القصبة بالقرب منه، في أعلى مكان من الهضبة، وهو حيز تعرض لتغييرات كثيرة ولا ريب انه احتوى مزيجا من المنشآت الدفاعية والقصور المختلفة. كان بالقرب من القصر برج ضخم يعرف اليوم باسم لوس بوثوس Pozos أو برج الغجر، أما مركز القصر-القلعة فكان في موقع دار لاس فيليتاسVeletas الحالي، وهي مقر متحف قصرش. وكان يطلق على المبنى المذكور اسم دار الجبّ نظرا للصهريج الأندلسي العظيم الواقع في أقبيته والذي يعتبر من جواهر العمارة الأندلسية.
ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر كان حول قصرش قواعد وقلاع غاية في الأهمية مثل ترجلة Trujillo التي ما زالت تحافظ على قلعتها المنيعة ذات الأبراج المربعة وقد بنيت في تلك الفترة وكذلك القسم الكبر من الأسوار التي كانت تحيط بالمحلة. ونصادف بالقرب من ترجلة بلدة مونتانتشيث Montanchez وكانت أيضا من القواعد الحدودية المهمة. متشبثة بسفح مرتفع تعلو قمته قلعة إسلامية تعرضت فيما بعد لتعديلات شتى.