استمرار القتال لتحرير بيروت والمدن الإسلامية

في هذه الفترة تعرض الصليبيون لهزات عنيفة من نوع آخر، وذلك من الأمراء المسلمين الذين لم يتركوا الصليبيين ينعمون بالهدوء. فاستمرت المعارك ضد الصليبيين، وبرز آل زنكي وأشهرهم عماد الدين زنكي الذي قاتل الصليبيين من أجل تحرير المدن الإسلامية، وطرد الصليبيين منها. كما أشتهر إبنه نور الدين محمود بن زنكي في قتال الصليبيين أيضاً.

ويذكر أسطفان الدويهي أنه في سنة 540هـ/1145م وهي سنة وفاة عماد الدين زنكي، {كتب مجير الدين ملك دمشق إلى المير بحتر إبن شرف الدولة إبن تنوخ المشهورين بأمراء الغرب في ثغر بيروت، أنه يتصرف في القرى الذين بجبل بيروت كما كانوا تصرفوا والرية بالضياع الذين بالقرب}.

وأصبح جبل بيروت تحت نفوذ حاكم دمشق، وهذا هو أمر ثغر بيروت في تلك الحقبة، تتبع كل من يحكم دمشق، وأصحاب دمشق هم الحكام على جبل بيروت وأعمالها، أما مدينة بيروت نفسها فكانت بيد الصليبيين.

فعندما يكتب حاكم دمشق مجير الدين آبق، إلى إلى أمير الغرب بحتر إبن شرف الدولة، يوليه التصرف في قرى جبل بيروت، يوضح سيادة حاكم دمشق على أمير ثغر بيروت.

وعندما أخذ الملك العادل نور الدين محمود ببن زنكي دمشق من مجير الدين، انتقلت بقية إمارة الغرب إليه، وذلك سنة 549هـ/1154م.

وهكذا نجد أمير الغرب يحكم القرى الجبلية حول بيروت في فترة الاحتلال الصليبي، في حين أحتفظ الصليبيون بمدينة بيروت نفسها. وكان أمراء الغرب، رغم سيطرة الصليبيين على بيروت، يتمسكون بحكام دمشق، خاصة عندما تقوى شوكة المسلمين فيها، كما حصل باستيلاء الملك العادل نور الدين على دمشق، فأعطى أمير الغرب كرامة بن بحتر مرسوماً مطاقاً، يشكره فيه على تعاونه معه ضد الصليبيين، عندما أتجه الأسطول الفاطمي نحو بيروت سنة 552هـ/1157مم، وأنتصر على سفن الصليبيين، وأسر منهم أعداداً كبيرة، وغنم غنائم لا حصر لها. كما هاجم عكا وأسر نحو سبعمائة من الصليبيين. وفي سنة 554هـ/1159م، أقلع الأسطول المصري أيضاً إلى سواحل الشام، تلبية لدعوة الملك العادل نور الدين محمود زنكي، ومسندة له في مهاجمة السواحل الشامية المحتلة، ومنها بيروت.

وفي سنة 556هـ/1161م، أقر الملك العادل، أمير الغرب كرامة بن بحتر على قرى الغرب والقنيطرة وتعلبايا في البقاع وظهر حمار في وادي التيم وبرجا من صيدا وبعاصير… وبما أن الملك العادل نور الدين كان مشهوراً بقتاله الصليبيين، فإن أمير الغرب كرامة بن بحتر، المتعاون معد ضدهم، أضطر إلى التحصن في حصن سرحمور.

وقد دفع أمراء الغرب الثمن غالياً لوقوفهم ضد الصليبيين، فقد أستطاع صاحب بيروت الأمير البيزنطي اندرونيكوس كومنينوس، أن يهادن أولاد كرامة بن بحتر، ويستدرجهم ويخدعهم بصداقته لهم، فكانوا يجتمعون معه في الصيد. وذات مرة دعاهم إلى زفاف ولده، فقصد بيروت الثلاثة الكبار من أبناء كرامة بن بحتر، أما الرابع ويدعى حجي، فبقي مع أمه في حصن سرحمور. وأقام صاحب بيروت حفل الزفاف في بستان خارج المدينة، وحضره الكثير من أمراء الفرنج، ثم أدخل الثلاثة إلى مجلس خاص وقتلهم.

ولم يكتف بهذه الجريمة، فهاجم عند الصباح، حصن سرحمور، ونهبه وهدمه، ثم أحرق قرى الغرب وأسر من تخلف عن الهرب، وكان ذلك في أواخر حكم الملك العادل نور الدين. وهكذا شهدت بيروت والجبال المحيطة بها، أبشع مجزرة نفذها الصليبيون في أبناء كرامة بن بحتر، وكأنهم يريدون القضاء على نسل أمراء الغرب. ولم ينج من أسرة كرامة بن بحتر سوى إبنه الصغير حجي، وكان عمره يناهز السبع سنين عندما هرب مع أمه من حصن سرحمور.

واستمرت بيروت مدة 77 سنة في ظل الاحتلال الصليبي الأول، تقاسي وتهدر كرامتها، حتى أعاد السلطان صلاح الدين الأيوبي الكرامة إلى المسلمين فيها سنة 583هـ/1187م.

عودة للفصل الأول

عودة للصفحة الرئيسية