خالد أبو عدس من ألمانيا: استدرجوا أخي أحمد... صوّروه وقتلوه!
عائلتنا مؤيدة لرفيق الحريري وأنا أنتمي لشبيبة "الحسام"
("مسرحية" الإنتحاري الذي اغتال رفيق الحريري كذبة لم تنطلِ على أحد. وهي تحمل توقيع الأجهزة الأمنية اللبنانية-السورية. وربما يكون فتح ملف الإنتحاري المزعوم مقدّمة لفتح ملفّات سابقة، منها "أحداث الضنية"، واعتقالات "الأصوليين" في البقاع، وأحداث أخرى مشابهة و"مشبوهة"..)
يتهم تقرير لجنة تقصي الحقائق سوريا بأنها خلقت مناخا مؤاتيا لوقوع جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، فإلى أي مدى كان مناخ عائلة أبو عدس مؤاتيا كي يرتكب المتهم أحمد أبو عدس جريمته؟ هل كان مناخا من الكراهية والحقد على الرجل، كما جاء في نبرة أحمد أبو عدس في شريط الفيديو، أم كان مناخا من المحبة والتقدير لشخصية الرئيس رفيق الحريري ودوره السياسي والاقتصادي، كما يكشف أخوه خالد المقيم في ألمانيا؟
خالد أبو عدس أصيب بالذهول والانهيار وهو يشاهد صورة أخيه أحمد على شريط الفيديو يهدد الرئيس الحريري بالقتل. سارع خالد إلى الهاتف واتصل بعائلته في بيروت وبقي الهاتف يرن من دون إجابة. لقد خرجت العائلة، تاركة أبواب المنزل مشرعة والتلفزيون مفتوحا. خرجت إلى الطرقات هائمة على وجهها مذهولة ومرعوبة ولا تعرف تقديرا لحجم المصيبة ولصورة ابنها الشاب أحمد، المتواضع والحنون والمؤمن والذي لا يعرف إلا التقوى والصلاة والمحبة، يطل من على شاشة التلفزة ليعلن انتقامه من الرئيس الحريري باسم جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام...
تدريجيا أعاد الأقارب والمعارف عائلة أبو عدس إلى المنزل، حيث كانت الشرطة بانتظارهم وليغيبوا معا في معتقلات التحقيق الطويل والتحاليل الجينية وأسئلة عن الماضي والحاضر والمستقبل، بينما بقيت الطفلة رانيا (12 عاما)، شقيقة أحمد وخالد وصفية، تبكي وترتجف من الرعب...
يقول خالد أبو عدس: <<شاهدت شريط الفيديو أكثر من عشر مرات.. من حيث الشكل هو أخي أحمد ولكن من حيث المضمون وطريقة التعبير ولهجة الصوت، كان إنسانا مجهولا غامضا، غريبا عني، على الرغم من عيشنا المشترك في بيت واحد>>. ويضيف خالد: <<أنا أجزم أن أخي أحمد تعرض لقوة خارجية فرضت عليه قراءة النصّ، بالتعذيب والإكراه أو بطريقة أخرى.. أخي أحمد بسيط جدا ومسالم ومن السهل استدراجه>>...
ويعطي خالد تفسيرا منطقيا لملابسات الجريمة، فيقول <<إن الجناة أرادوا عنوانا واضحا، إنسانا من لحم ودم، كي يدخل منه التحقيق ليضيع لاحقا في متاهاته. لقد استدرجوه وصوروه ثم قتلوه قبل وقوع جريمة الاغتيال.. هكذا يمكن أن تنسب الجريمة إلى معلوم مجهول ويطوى الملف>>.
وطرح خالد أبو عدس، من مغتربه في ألمانيا، أسئلة على المحققين: <<أين جثة أخي أحمد؟ أين نتائج الفحوصات المخبرية في سويسرا التي لا تتطابق مع العيّنات الطبية المستخرجة من أبي وأمي، والتي لا تتطابق مع أي جثة من جثث الضحايا التي اكتمل عددها؟>>... ويتساءل أيضا: <<كيف مات أو قتل والدي تيسير؟ هو لا يعاني من مرض القلب كما ذكروا ولم يدخل أي مستشفى في حياته>>...
وفي الحديث عن المناخ الذي تربت وترعرعت في ظله عائلة أبو عدس، فإن خالد يطرح اجابة مفاجئة: <<إن بيتنا يشبه المكتب الانتخابي للرئيس رفيق الحريري وصوره معلقة على الجدران الداخلية والخارجية، وأنا عضو في تنظيم <<شبيبة الحسام>> الذي يتكنى باسم ابن الشهيد رفيق الحريري الذي قضى في الولايات المتحدة الأميركية. وأنا من الذين يترددون باستمرار إلى مقر الرئيس الحريري في قريطم لتقبيله ومصافحته، وأنا من منظمي الكرنفالات باسم <<شبيبة الحسام>> وانا من منظمي جناح الحريري في معرض الكتاب، وأنا صاحب صياغة معظم الشعارات الانتخابية وشعار <<يا رفيق بتمون... وحياتك بتمون>> من تأليفي.
وبالإضافة إلى ذلك، يكشف خالد أبو عدس، ان شقيقه أحمد <<لا يملك جواز سفر ولم يغادر لبنان طوال حياته ولم يزر سوريا إطلاقا ولم يسجن>>. ويضيف: <<إن أخي أحمد لا يملك إجازة سوق سيارات ولا يحسن قيادتها ولا يدخل عالم الانترنت إطلاقا ولا يزور مقاهي الإنترنت>>. ويسأل عن هوية المدعو محمد الذي يتردد إلى المسجد المجاور والذي استدرج أخاه أحمد وخطفه...
خالد أبو عدس، يقضي شهر العسل مع زوجته، في منزل متواضع في شتوتغارت مؤلف من غرفة واحدة تحوي سريرا وثلاث مقاعد ومكتبة، ومعه كان هذا الحوار:
› منذ متى أنت في ألمانيا وماذا تفعل هنا وهل حقق معك أحد حتى الآن؟
أنا في المانيا منذ العام 2000 وأعمل في سوبرماركت وحياتي عادية وطبيعية جدا. تزوجت قبل حوالى أربعة أشهر من فتاة عراقية من أصل كردي ونعيش معا هنا في هذا البيت الصغير. لقد حقق معي الألمان وسألوني أسئلة عادية جدا تتعلق بهويتي ومدى الخطر على حياتي.
› متى تحدثت آخر مرة إلى أهلك في لبنان، وهل زارك أحمد في المانيا أو سافر إلى أفغانستان؟
أخي أحمد كان يرفض مغادرة لبنان والسفر إلى الخارج وآخر اتصال هاتفي بيننا كان عند اتصاله بزوجتي. الاتصال كان بتاريخ 10/1/2005 أي قبل اختفائه للتعليق على شريط فيديو يتعلق بحفلة زفافنا. وتمنينا له الخطوبة والزواج فقال إن الوالدة وجدت له عروسا وتسعى لزواجه قريبا وهو على استعداد لهذه الخطوة بعد العيد وانه حصل على عمل جديد. نحن بيتنا كبير (حوالى 6 غرف) وكان بإمكانه السكن في حال الزواج مع أمي وأبي واختي رانيا. أنا متأكد من أن أخي أحمد لا يعرف أفغانستان ولو كان غاب لفترة عن المنزل لأمكن قول ذلك، لكنه كان طوال الوقت ملازما لأهلي ولم يغادر المنزل إطلاقا، هذا بالإضافة إلى عدم امتلاكه جواز سفر. ولد أحمد في السعودية وعندما انتقلنا إلى لبنان كان عمره حوالى تسع سنوات.
› هل تحدثنا عن شخصية أخيك أحمد وطباعه؟
أخي أحمد بسيط جدا ولا يخاف أي شيء، لذلك يسهل استدراجه. إنه إنسان عادي جدا ولا يتعلق بالدين بشكل أعمى لكنه مؤمن مثل الجميع وهو يرتاد المسجد القريب من منزلنا والمجاور لجامعة بيروت العربية. هذا التحوّل الديني بدأ لديه منذ حوالى 3 سنوات. كان أحمد يرفض المجيء إلى ألمانيا لأنه يرفض ترك أهلي من دون معيل. مستواه الأكاديمي شهادة بكالوريا وهو درس التخطيط الهندسي والتصميم على الكومبيوتر في لبنان. إنه <<شاطر>> في الرسم. عشنا مع بعض فترة طويلة. أنا من مواليد العام 1973 وهو مواليد العام 1982، أي أصغر مني بكثير. أخي أحمد انطوائي وليست له علاقات اجتماعية واسعة.
› هل يملك جواز سفر أو رخصة قيادة سيارة؟
لا أبدا. أخي أحمد لم يغادر لبنان أبدا. هو لا يملك جواز سفر ولا يملك رخصة قيادة سوق وليست لديه أي هوية سياسية أو حزبية، كما ليست لديه أي توجهات عدوانية ضد أحد.
› هل كان يرتبط بشبكة معلومات على الإنترنت؟
لا أبدا. لا يوجد لديه خط إنترنت وهو لا يرتاد مقاهي الإنترنت إطلاقا. ليت التحقيقات تكشف ذلك في حال قامت بجولة على مقاهي الإنترنت.
› تقول بعض المعلومات الصحافية إنه كان مسجونا في سوريا. لماذا سجنوه؟
هذه كذبة كبيرة. هو لم يدخل سوريا في حياته. أنا سافرت إلى سوريا في رحلة مع الأصحاب وعدنا إلى لبنان بشكل طبيعي. لا صحة لهذه المعلومات.
› هل لديكم أقارب في المخيمات الفلسطينية في لبنان؟
أخي أحمد لا يعرف أحدا في المخيمات ولا يغادر إلى منطقة أبعد من الطريق الجديدة في بيروت، منطقة الجامعة العربية حيث نسكن.. أقاربي جميعهم في المهجر ومعظمهم في الولايات المتحدة الأميركية.. وقد طرح عليه أقربائي مساعدته للسفر إلى أميركا لكنه رفض من أجل البقاء مع أهلي. كان أحمد يذهب إلى المطابع لمتابعة اشغاله ولكنه ليس من النوع الذي يتمشى على الطرقات أو يزور مخيمات لتقطيع الوقت.
› هل لأحمد أي التزام سياسي؟ أي صحيفة يومية يطالع؟
نحن عائلة أبو عدس معروف عنا أننا لا نتعاطى السياسة. نحن ولدنا في السعودية وعشنا فيها فترة وكنا مرتاحين ماديا نحصل على ما نشاء من مشتريات. نحن لم نعش إطلاقا في المخيمات ولم نتدرب على السلاح وليس لنا أقارب في أي من المخيمات. إن الذي صوّر أخي في الفيديو كان يحاول إبراز صورة أخي كي يخفي هو هويته.
› عند مشاهدتك أخاك أحمد في شريط الفيديو يعلن مسؤوليته عن العمل، ماذا فعلت؟
انهارت أعصابي. اتصلت بأهلي فلم يرد أحد. غادروا المنزل والأبواب مشرعة والتلفزيون مفتوح.. لم يصدقوا القصة. خافوا، خرجوا إلى الشارع ثم عادوا مذهولين إلى أن ألقي القبض عليهم.
› باختصار.. إذا سألتك: أين أحمد أبو عدس الآن؟ ماذا تجيب؟
في مكان مجهول. وسنعرف في وقت ما إذا كان على قيد الحياة أم توفي، وأين. أنا مقيّد هنا ولا أستطيع السفر إلى لبنان لأمور تتعلق رسميا بإقامتي كلاجئ هنا.
› لو لم يتعرف أحد إلى شخصية أخيك في شريط الفيديو، هل كنت ستطلع الشرطة على شخصيته؟
بكل تأكيد، وهذا بهدف حمايته ولمعرفة حقيقة ما حصل. إن صورة أخي في شريط الفيديو شلّت قدراتي وانهارت أعصابي. لا يمكن تصديق هذا الشريط. إن التنظيم الذي تحدث أخي باسمه لا وجود له. وفي حالات تفجير جهادي معين، فإن الفاعل يفاخر بفعلته وهذه الجماعة التي تحدث باسمها في الشريط لم تصدر أي بيان آخر. أنا شاهدت شريط الفيديو الذي ظهر فيه أخي احمد أكثر من عشر مرات وأجزم أن تصرفاته كانت غريبة عن شخصيته التي أعرفها. ظهر لي كأنه يلقي الكلمة تحت الضغط والإكراه. أنا أؤكد أن أخي أحمد يكره اللون الأسود ولا يوجد بين ثيابه أي قميص أسود اللون ولا يعتمر شيئا على رأسه. صورته في شريط الفيديو مغايرة تماما لشخصيته التي نعرفها.
العلاقة مع الحريري
› ما هي نظرتكم في العائلة إلى دور وموقع الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟
من المفارقات الغريبة، والتي لا يمكن أن يتصورها أحد، أن عائلتنا تكاد تكون مكتبا انتخابيا للرئيس رفيق الحريري. نحن في العائلة نحبه ونقدّر دوره السياسي وموقعه الاقتصادي، وخاصة الدور والإمكانيات التي قدمها لإعادة إعمار لبنان وتعليم أبنائه ومساعدة الفقراء والمعوزين. إن صور الرئيس الحريري هي على جدران منزلنا والجيران يعرفون ذلك، وخاصة جارنا في المبنى الذي نقطنه الدكتور محمد شهاب، وهو من مؤيدي الرئيس الحريري. ومن المفارقات الغريبة أيضا أنني أنتمي شخصيا إلى تنظيم <<شبيبة الحسام>> (ابن الرئيس رفيق الحريري الذي قضى بحادث في الولايات المتحدة الأميركية). وكنت من المساهمين في هذا التنظيم بتأسيس جناح خاص في معرض الكتاب اللبناني حيث كنت في استقبال الرئيس الحريري وأخته النائبة بهية الحريري.. انظروا إلى صورتي وعليها صورة الرئيس الحريري على صدري أثناء كرنفال أعده تنظيم <<شبيبة الحسام>>، وانظروا إلى صورتي وأنا أستقبل الست بهية الحريري في معرض الكتاب، وأعرف شخصيات كثيرة مؤيدة للرئيس الحريري منها رئيس مكتبه محمد مملوك، المتزوج من قريبة لنا. أنا كنت أصوغ العبارات المؤيدة للرئيس الحريري في الانتخابات النيابية وأنا صاحب شعار <<يا رفيق وحياتك، وحياتك بتمون>>.. يعني باختصار أن مناخ العائلة هو لصالح الرئيس الحريري فقط. وفي هذه المناسبة أشير إلى أنني من الزوار الدائمين لمقر الرئيس الحريري في قريطم ومعروف من الجميع هناك، وكنت سعيدا بالسلام على الرئيس الحريري وتقبيله.. في ظلّ هكذا جو ومناخ عائلي هل يمكن لإنسان عاقل أن يفكر بأذية الرئيس الشهيد؟!
› هل وصلتكم مساعدات من الرئيس الراحل رفيق الحريري؟
إطلاقا. أنا لم أتقاض في حياتي أي فلس منه وكنت أخدمه لأنني أحبه. واعرف أن الكثير من زملائي في جامعة بيروت العربية وجامعات أخرى درسوا على نفقته.
› وهل اشتغل أخوك أحمد أيضا مع الرئيس الحريري؟
أخي أحمد كان صغير السن في حينه ولا يهتم لهذه الأمور، وأحب أن أؤكد أن عائلتنا، وتحديدا والدي رحمه الله، كانت أكثر حزنا على خسارة الحريري من أكثر الناس الذين عزوا به.
استدراج وخطف
› تقول استدرجوه.. ما هي برأيك الطريقة التي يمكن بواسطتها استدراج شخص مؤمن يحلم بمكتسبات الآخرة ولا رغبة لديه بملذات الدنيا؟ هل أغروه بمهمة جهادية؟
لا أعتقد ذلك. أخي احمد لا يمكن أن يتصرف من دون إطلاع أهلي على رغبته الجهادية. ولو كان يرغب في ذلك لكان أطلع أهلي ولكانوا احترموا رغبته ربما ولم يبادروا لإطلاع الشرطة اللبنانية على غيابه بعد يومين من اختفائه.
› من هو الشخص الذي استدرجه والمدعو محمد، وكيف جرت محاولة الاستدراج والخطف بالتفصيل؟
لهجته لبنانية، هذا ما تؤكده والدتي وزوج أختي بعد سماعه على الهاتف. اتصل المدعو محمد بأخي أحمد قبل يوم من اختطافه وقال له إن لديه مفاجأة سارة يرغب في إطلاعه عليها في اليوم التالي. وعند الساعة السابعة من صباح اليوم التالي، اتصل المدعو محمد فردت والدتي وطلب إليها التحدث إلى أحمد. وبعد حوار هاتفي غادر أحمد المنزل بعد ان طلب من والدتي ألفي ليرة لبنانية وأكد عودته في خلال ساعتين، لكنه اختفى. وعشية اليوم الذي غاب فيه أحمد عاود المدعو محمد الاتصال هاتفيا وقال لوالدتي: <<نحن في طرابلس والسيارة معطلة سنعود إلى بيروت غدا>>. وعندها أخذ زوج أختي سماعة الهاتف وقال له <<نحن نذهب اليكم ونصلح السيارة ونعود جميعا>>. فجأة أقفل الخط. وفي اليوم التالي، عاود الشخص ذاته (محمد) الاتصال، وقال لوالدتي: <<نحن كذبنا عليكم. نحن لسنا في طرابلس ونبلغكم أن أحمد سيذهب إلى أفغانستان في مهمة جهادية وهذه رغبته>>. وعندما طلبت والدتي التحدث إلى أحمد وسماع صوته أغلقوا خط الهاتف.. هذه هي كل التفاصيل التي نملكها.
› هل تتوقع أن يرن هاتف التلفون عندك ويكون أحمد على الخط؟
لا أبدا. إن طريقة مغادرته المنزل غريبة ومناقضة لأي تصرف يدل على نيته القيام بعمل ما يؤدي إلى موته. هو قال لوالدتي: سأذهب لملاقاة صديقي محمد (رجل يقطن في المسجد ويدعي أنه يتيم الأهل) لمدة ساعة تقريبا وأخذ منها مبلغ الفي ليرة. أحمد لا يكذب إطلاقا ولم يسبق له أن نام مرة واحدة خارج المنزل. ولو كان أخي ينوي القيام بعمل انتحاري لكان ودع أهلي وطلب منهم الإيفاء بالتزاماته المالية. قصة مغادرته المنزل غريبة. أنا أعتقد أنهم استدرجوه وخطفوه وصوّروه ثم قتلوه لإخفاء معالم جريمة اغتيال الرئيس الحريري. أعتقد أن الجناة كانوا يريدون استدراج التحقيق باتجاه معيّن حيث يتوقف ويعجز بعدها عن المتابعة لتفكك الحلقات.. هكذا يلقون بالتبعة على عنوان أولي واضح ثم تتوقف التحقيقات... في أحداث اغتيالات سابقة كان العنوان مجهولا لكن هذه المرة فتشوا عن عنوان يبعد الشبهة عنهم. ومن الممكن أن يكون اختيار أخي أحمد لهذا الدور هو بهدف توريط الفلسطينيين ودفع التحقيقات باتجاههم. يمكن لأجهزة استخبارات أن تختار رجلا متدينا وله لحية لتوجيه التحقيق في وجهة معينة.
› أنت تملك تحليلا جيدا ومنطقيا لسياق هذه الجريمة.. هل تجري اتصالات هاتفية مع أحد في لبنان، خاصة مع الذين تعرفهم شخصيا، والمقربين من الرئيس الراحل أو سواهم؟
لا أبدا. لا املك أرقام هاتف أحد. أنا أستقي معلوماتي من الصحافة وتقرير لجنة تقصي الحقائق. وعندما تحدثت إلى فيتزجيرالد كان الحديث حول إمكانية سفر والدتي إلى الخارج كي لا تموت كما مات والدي.
أصابع الاتهام
› إلى أي طرف توجه شخصيا أصابع الاتهام؟
أنا لا أريد الغوص في موضوع الاتهامات ولكن عندي أسئلة واستفسارات كتلك التي يطرحها جميع الناس هذه الأيام.. لماذا لم تؤمن الحماية الكافية للرئيس الحريري ولماذا ضعف المعلومات واختفاء بعض الأدلة.. إذا كان أخي أحمد هو الفاعل فأين جثته على مسرح الجريمة؟ كيف وصل شريط الفيديو؟ في البداية قالوا ان شخصا اتصل هاتفيا وقال ان الشريط موجود على شجرة ثم بعد فترة عثروا على الشريط، أين هو دور الأجهزة في متابعة هذه الأمور. ما اللامبالاة والتساهل هذين حيال هكذا قضية وهكذا حدث بهذه الأهمية؟ في اعتقادي يوجد تعتيم على الكثير من التفاصيل. غير وارد عندي تماما أن تكون جماعة متطرفين أو أفغان عرب وراء اغتيال الرئيس الحريري لأن من وجهة نظر هذه الجماعات المتطرفة يوجد أشخاص يعادونهم ويعتبرون خطرا عليهم أكثر بكثير من الرئيس رفيق الحريري، خاصة أن شخصية الحريري قد تؤلب الرأي العام ضدهم. وبالإضافة إلى ذلك، هناك نقطة رئيسية غير واضحة وهي مطابقة التحليلات المخبرية الجينية على جثث الضحايا التي اكتمل عددها والتي لا يوجد بينها أي مطابقة مع التحليلات الجينية التي أخذت من والدي ووالدتي وأرسلوها إلى سويسرا، فأين هي جثة أحمد؟ أعتقد أن الذي دبّر عملية الاغتيال قتل أخي وأخفى جثته قبل تنفيذ العملية.
› هناك من يربط بين حادثة اغتيال الرئيس الحريري والأحداث الدامية التي شهدتها المملكة العربية السعودية في مكافحتها للإرهابيين وتهديد مجموعات أصولية متطرفة بالانتقام من شخصيات مقربة من النظام السعودي، وهذا ما أكد عليه أخوك أحمد في شريط الفيديو.. هل تستبعد هذه الفرضية؟
أستبعد ذلك لأن المجموعات الأصولية المتطرفة، ومنها <<القاعدة>> والجهاديون في السعودية، استنكرت عملية اغتيال الحريري في اليوم ذاته. إن بيان النصرة والجهاد كان الأول والأخير ولم يتكرر ثانية. أنا بصراحة لا أستطيع اتهام أحد وما يعنيني هو فقط التأكيد أن أخي أحمد لا علاقة له بالجريمة. أنا أستبعد الأصوليين تماما. وأكرر السؤال عن جثته في حال كان أخي هو منفذ العملية.
› يعني، أفهم منك أنك تشير إلى دور للأجهزة الأمنية اللبنانية، وسمعت منك قبل بداية هذا الحديث أنك أجريت بعد وقوع حادث الاغتيال اتصالات بأشخاص قريبين من المعارضة اللبنانية، من هم هؤلاء الأشخاص؟ وهل تعتقد بوجود أسرار في التركيبة اللبنانية، أي أن مسؤولا أمنيا في بلد مثل لبنان باستطاعته أن يجند عشرين لبنانيا من مختلف المناطق والطوائف ويأتمنهم على حفر نفق وسط الشارع لاغتيال شخص بأهمية الرئيس الراحل؟ أكرر استغرابي لاستبعادك بعض الأطراف.
أنا اتصلت بعائلتي لمعرفة أحوالها، وكان عندنا في البيت بعض الأشخاص تحدثت اليهم، كما تحدثت هاتفيا إلى رئيس لجنة تقصي الحقائق فيتزجيرالد، وسألته اذا كان بإمكاني إخراج والدتي واختي رانيا إلى خارج لبنان حرصا على سلامتهما. لقد توفي والدي في ظروف غامضة. لم يكن يشكو إطلاقا من مرض القلب. يمكن الأجهزة اللبنانية تعرف كيف مات.
› يعني إذا لم يكن موته طبيعيا فأنت تعني أنهم قتلوه وربما تشير إلى الأجهزة الأمنية.. هل هذا معقول؟ ومن المستفيد من ذلك؟ ولماذا التخلص من مصدر معلومات؟
لا أعرف. ولكن موته كان مفاجئا وصدمة كبيرة. هو لم يكن يشكو من أي مرض ولا يعرف إطلاقا المستشفيات. يوجد لغز حول قضية وفاة والدي، يجوز أن الضغط القوي عليه أو استخدام أساليب غير إنسانية، أدت جميعها إلى وفاته.
› ولكن لإسرائيل مصلحة في خراب البلد والانقسام والفتنة، وأنت ترى التداعيات، ألا ترى ان لها مصلحة في ذلك، فلماذا تستبعدها؟
لا أعرف. أنا ليس لدي معلومات كي أتهم إنما أطالع ما تكتبه الصحف وما تقدمه من معلومات وتحليلات. لكن من دون شك أن جهازا أمنيا كبيرا قام بهذا العمل لأنه وحده يمتلك ألف كيلو متفجرات والقدرة على تعطيل الأجهزة التقنية المجهزة بها سيارات الرئيس الحريري.
› هل لديك أي معلومات إضافية قد تنير التحقيق لمعرفة الحقيقة؟
الحقيقة هي الأمر المطلوب بالدرجة الأولى من أجل لبنان الرئيس الحريري.. أنا أعرف أن هناك من يطرح أسئلة وشكوكا عن أسباب وجودي في قريطم عند الرئيس الحريري.. ولكن أحب أن اؤكد أن أخي أحمد كان صغير السن وعمره لا يتجاوز التسع سنوات في حينه. أنا ذهبت عند الحريري مثل آلاف الناس غيري.