تفاصيل ما دار في اجتماع الرياض
الذي لقي الإشادة بشهامة ولي العهد السعودي
وشجاعة مواقف المملكة من كل الأوساط اللبنانية
أكدت أوساط قوية وشديدة الاطلاع ان الأولوية الأولى للنظام السوري انحصرت في القضية
الداخلية, بعد ان أعلن رئيس النظام بشار الأسد قرار انسحابه وانسحاب قواته, وأجهزة
مخابراته من لبنان, وهو القرار الذي اعتبرته هذه الأوساط يشمل الانسحاب من اللعبة
الاقليمية في منطقة شرق البحر الابيض المتوسط, اي الانسحاب من الساحة الفلسطينية
والاردنية, وربما العراقية, بما في ذلك الانسحاب حتى من حلفائه وأحزابه العاملة في
لبنان, والذين يبدون الآن كمن فقد الغطاء السياسي وأضاع البوصلة والاتجاه.
وتشدد الأوساط على ان اهتمام النظام السوري بأوضاعه الذاتية, عائد الى انسداد
الآفاق في وجهه, وعجزه عن القيام بأي تحركات خارجية لتبييض صورته في الخارج,
وانحصار مدى الحركة في الداخل السوري, والذي لا يبدو أنه سيفيد في الغاء الاحتمالات
الخطرة التي تتهدد النظام, والذي يقال أنه دخل مرحلة الموت السريري.
ورأت هذه الأوساط المقربة ان العزلة التي انتهت اليها دمشق باتت تسمح بكشف الكثير من الأوراق عن تفاصيل التحركات التي قام بها النظام السوري, قبيل إعلان قراره الانسحاب من لبنان, وبعد اغتيال الحريري بأيام قليلة.
وتقول الأوساط المطلعة ان وزير الخارجية السوري فاروق الشرع قام بزيارة للمملكة العربية السعودية بتكليف من رئيسه بشار الأسد بعد تداعيات جريمة الاغتيال, وفي المملكة التقى الشرع ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبدالعزيز الذي أخرج غضبه الصامت قائلاً له: الأفضل ان تذهب وتبعث لنا بصديقك يأتي الينا, وبعد يومين قام الأسد بزيارة للمملكة حيث استقبله على أرض المطار الأمير عبدالله الذي سرعان ما أجرى معه مباحثات تركزت حول جريمة اغتيال الحريري.
وتقول الأوساط اللبنانية -التي اشادت بشجاعة الموقف السعودي وشهامة الأمير عبدالله
-ان ولي العهد استهل حديثه مع الأسد بقوله: هل تعرف ما الفارق بينك وبين والدك
الرئيس حافظ? ان والدك كان إذا وعد أوفى بوعده, فامتقع وجه الأسد وسأل الأمير
عبدالله عما يعنيه بقوله فأجابه: بعد محاولة اغتيال النائب اللبناني مروان حمادة
اتصلت أنا بك, وطلبت اليك المساعدة في حفظ أمن الحريري فأبلغتني بأن أمن الحريري من
أمنك الخاص, وأعطيتني وعداً صريحاً بذلك, وها هي النتيجة.. مقتل الحريري الذي
نعتبره أحد اخواننا.
هنا قال الأسد للأمير عبدالله: ان التحقيقات جارية لمعرفة من قتل الحريري, فأجابه
الأمير عبدالله: اذا كنت لا تعرف من قتله فإن الدنيا كلها تعرف, ولا نعتقد ان إذاعة
الأسماء ستكون في مصلحتكم.. المطلوب منكم الآن سرعة الكشف عن قاتلي الحريري
والانسحاب فوراً من لبنان, فأجابه الأسد: سننسحب من لبنان في غضون ثلاثة أشهر,
فأجابه الأمير عبدالله: بل خلال عشرة أيام, ثم وقف إيذاناً بانتهاء المقابلة, ولم
يذهب لتوديعه في المطار.
وفي هذا الجانب الموصول أفادت الأوساط المقربة وشديدة الاطلاع في دمشق ان المسؤولين الكبار في احد البنوك المهمة والكبيرة يعيشون الآن حالة من القلق الدائم تمنع عن بعضهم الراحة والنوم, بسبب السحوبات النقدية الكبيرة التي أقدم عليها بعض رجال النظام السوري في الآونة الأخيرة, وكشفت هذه الأوساط ان وزير الداخلية السوري, وقائد جهاز الأمن والاستطلاع (المخابرات) في لبنان غازي كنعان قد سحب من البنك ستين مليون دولار بعد اغتيال الحريري, وأودعها في مصارف في اسبانيا وفرنسا وسويسرا, كما أقدم رستم غزالة, الذي خلفه في منصب رئاسة الاستخبارات في لبنان, ومقره في بلدة عنجر في البقاع الشرقي, على سحب اثني عشر مليون دولار على دفعتين في المهلة التي سبقت اغتيال الحريري بيومين.
وجراء هذه السحوبات الثقيلة أخذ المودعون في البنك المذكور بالتدفق لسحب ودائعهم, خشية تعرض البنك لأزمة عدم دفع تضع اموال المودعين في مهب المجهول. وكانت تتدفق اليه اموال مسؤولي الاجهزة الاستخباراتية في لبنان وسورية, وتلقى منه المعاملة القانونية التي توفرها أرقى البنوك لعملائها, وفي اتجاهي الايداع والسحب. الا أن تبدل الظروف السياسية وانحسار النفوذ السوري عن لبنان, وضعت مسؤولي البنك في منطقة حرجة خصوصا بعد ان تقدمت وكالة التحقيقات المحلية الاميركية (F.B.I) بطلب كشوف حسابات المتنفذين السوريين لمعرفة مصادر اموالهم, وهل هي اموال قذرة تم تبييضها بوسائل احتيالية ام لا.
على صعيد اˆخر ذي صلة ذكرت الاوساط بالمجالس التي كان يعقدها رستم غزالة رئيس جهاز
الامن والاستطلاع السوري في لبنان في مقره بعنجر. وقالت هذه الاوساط ان هذه المجالس
كانت بمثابة سهرات يحضرها قادة الاجهزة الامنية في لبنان, او بعضهم, الى جانب بعض
رجال الاعمال السوريين الناشطين في الخارج والذين كانوا يبغون التعرف على غزالة من
اجل تسهيل اعمالهم في لبنان, او تأسيس اعمال جديدة. وقالت الاوساط ان من ابرز وجوه
الاجهزة اللبنانية التي كانت تداوم في هذه السهرات ادوار منصور رئيس جهاز أمن
الدولة, وريمون عازار رئيس الاستخبارات العسكرية, وعلي الحاج رئيس قوى الامن
الداخلي, وجميل السيد مدير عام الامن العام. وكان هؤلاء جميعا يتلقون تعليمات غزالة
فيما يتعلق بادارة الشأن السياسي الداخلي, وتوفير الهيمنة السورية الدائمة على هذا
الشأن.
وذكرت الاوساط ان ادوار منصور كان يلعب دور الوسيط بين رجال الاعمال ورستم غزالة
وقد توسط ذات يوم لرجل الاعمال السوري فؤاد الزيات, الذي ينطلق في اعماله من قبرص
ولندن, فعرفه على غزالة, وتاليا أمن له لقاء مع رئيس الجمهورية اللبنانية الممدد له
اميل لحود, أسفر عن قيام شراكة مع ابن الرئيس في مجال النقل الداخلي بواسطة طائرات
الهليكوبتر. وفي هذا السياق لفتت الاوساط الى الدعوى التي رفعها رجل الاعمال
السعودي المعروف عبدالمقصود الخوجه في بيروت ضد فؤاد الزيات لتحصيل مبلغ 23 مليون
دولار باقية في ذمة الزيات لصالح الخوجة. وقد حكمت المحاكم اللبنانية لصالح رجل
الاعمال السعودي قبل سنتين, الا ان الرئيس لحود, بنفوذه, أوقف تنفيذ هذا الحكم.
ويذكر ان الزيات, بعد وساطة ادوار منصور, ذهب الى عنجر للقاء غزالة بناء على موعد
مسبق, فوجد عنده رجال الاعمال السوري نزار أسعد, ورئيس الاستخبارات اللبنانية
السابق جوني عبده, وجميل السيد, وريمون عازار, وعلي الحاج. ولقد حرص الزيات ان يتخذ
وضعا مميزا لنفسه في هذه الجلسة, فأشعل سيجارا فاخرا ووضع رجلا على رجل, ونفخ صدره,
فنظر اليه غزالة بامتعاض وقال له: على شو شايف حالك, ما بتعرف مين انا? ثم اخذ يوجه
له الاهانات وطرده من الجلسة.
وكان رستم غزالة يكرر في مجالسه, وعلى مسمع من رواده, اعتقاده بأن الحريري هو الذي لعب دور المحرض للرئيس الفرنسي شيراك, وبالتالي هو المسؤول عن صدور القرار الدولي 1559 الذي دعا سورية الى الانسحاب من لبنان, وبالتالي فان الحريري لن يفلت من عقابه.