أمراء الغرب يتولون أمر الدفاع عن بيروت
منذ سنة 693هـ/1294م
كان التنوخيون {آل بحتر} أمراء الغرب، يعهد إليهم أمر الدفاع عن بيروت وسواحلها. ولكنهم كانوا يتأرجحون بين الولاء للصليبيين حيناً وللمسلمين أحياناً، وبين الولاء للمماليك من ناحية وخصومهم من أيوبيين وتتار من ناحية أخرى. وقد أدى ذلك إلى إضطهاد المماليك لهم بعد دخولهم بيروت وتحرير المدن الإسلامية من الصليبيين. وسرعان ما أدرك البحتريون عاقبة عنادهم، فعادوا إلى الولاء لدولة المماليك الذين عهدوا إليهم بحراسة بيروت وشواطئها سنة 690هـ/1291م.
أما التنوخيون {الأرسلانيون} ومركزهم قرب بيروت، فكانوا موالين للمماليك وأشتهروا بمواقفهم ضد الصليبيين الأمر الذي جعلهم يظفرون برضاء سلاطين المماليك.
وأثناء حكم التونخيين، تمتع الغرب، بيروت والسفوح المجاورة لها وتمتد جنوباً حتى أعالي الدامور، بالاستقلال الداخلي، وجعلوا من بيروت مرفأ لمدينة دمشق. ومنذ سنة 693هـ/1294م، أخذ التنوخيون أمراء الغرب على عاتقهم أمر الدفاع عن بيروت، فأمَّنوا لها 90 فارساً، يقيم منهم ثلاثون فارساً في بيروت ويبدلون كل شهر بثلاثين آخرين. وفيها يقول أخد الشعراء زمن أمير الغرب ناصر الدين الحسين (1):
أيا بن أمير الغرب شرقاً ومغربــاً | ومن كل عرف غير عرفهم نكـر |
بإحسانك المشهور بيروت بلدة على | الساحل المعمور صار لها ذكــر |
وكان عليها الكفر والشرك دايمــا | فمذ حلّها مولاي عاد لها الفخــر |
هو الناصر المعروف بالجود والتقى | له الفضل والإحسان والعطف والبر |
وعندما يحتاج سلطان المماليك إلى قوة عسكرية تسانده، يطلب المساعدة من الولاة والأمراء بعد أن يرسل إليهم المراسيم. فأثناء حملة الكرك فرضوا على بيروت وصيدا أن تقدم كل منها مائتي وخمسين رجلاً، توجه لهم أمير الغرب ناصر الدين حسين سنة 743هـ/1343م إلى دمشق، ومنها إلى قلعة الكرك، وأثناء حصار دمشق طلب السلطان برقوق، بموسوم إلى أمراء الغرب ومتولي بيروت دولت يار السنجاري، يستدعيهم بالحضور إليه لمساعدته، كما طلب أن يجلبوا معهم رصاص منجنيق والنجارين من بيروت، فتوجهوا جميعاً إليه.
وإذا رفض متولي بيروت مساعدة السلطان بتقديم الرجال والسلاح، فإن السلطان يرسل مرسومه إلى أمراء الغرب بالقبض عليه أو جلبه معهم بالقوة.
وكذلك كان يرسل مرسومه إلى متولي بيرون إن أمتنع أمراء الغرب عن الحضور. وعندما هاجم تيمورلنك (2) بلاد الشام سنة 803هـ/1400م، أستعد السلطان الناصر فرج بن برقوق(3) لمحاربته، وتوجه إلى دمشق، بعد أن أرسل مرسومه إلى بيروت وصيدا والبقاع بإرسال العسكر إلى دمشق. فتوجه أمراء الغرب ومعهم متولي بيروت ناصر الدين محمد بن سويدان البيدمري، لكنهم وصلوا بعد أن حلَّت الهزيمة بالسلطان فرج، وبعد أن نهب تم تيمورلنك دمشق وأحرقها. وكان نائب الشام يتدخل لحسم الخلاف أحياناً بين متولي بيروت وأمير الغرب، كما يطلب من متولي بيروت أن يطيع أوامر أمير الغرب، وأن لا يسيء إليه. وفي غالب الأحيان كانت العلاقات جيدة بينهما، فيحضر متولي بيروت الحفلات والأعراس التي يقيمها أمراء الغرب.
(1) ناصر الدين الحسين بن سعد الدين خضر بن نجم الدين محمد أمير الغرب: حكم في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون ونائبه بالشام الأمير تنكز، وقد أشتهر ذكره ومدحه الشعراء. وفي أيامه نزل الفرنج على الدامور سنة 702هـ وقتلوا عبد الحميد وأسروا أخاه شمس الدين وهما ولدا جمال الدين حجي بن محمد. وسنة 705هـ فتح ناصر الدين كسروان بعد أن قتل الكثيرين من سكانها.
(2) تيمورلنك (1336-1405): قائد مغولي، يعرف أيضاً بتيمور الأعرج. ولد قرب سمرقند. استهل أعماله الحربية بإخضاع منافسيه في تركستان، وسيطر على آسيا الوسطى كلها بحلول عام 1369. غزا فارس وجنوب روسيا والهند. وفي عام 1400 اكتسح سوريا الشمالية واستولى على حلب التي استباحها لمدة ثلاثة أيام، تعرضت خلالها للكثير من النهب والتخريب. ثم سقطت دمشق بيده، فأخذ طائفة من أفضل علمائها وأمهر صناعها وفنانيها إلى عاصمته سمرقند. ثم زحف على بغداد فدخلها ثانية. ثم اجتاح آسيا الصغرى وهزم العثمانيين في موقعة أنقرة 1402. تعج سيرته بأعمال القسوة والقتل، إلا أن له أيضاً مآثر في الفن والأدب والعلم والعمران.
(3) الناصر فرج بن برقوق (791-815هـ/1389-1412م) هو أبو السعادات، زين الدين، من ملوك الجراكسة، بمصر والشام. بويع بالقاهرة سنة 801هـ بعد وفاة أبيه. عندما خلع عن الحكم، سجن في قلعة دمشق ثم أثبت عليه الكفر وقتل.