جميل السيِّد يتذكر
الجزء الثاني
في
هذه الحلقة يتحدث المدير العام السابق للامن العام اللبناني اللواء الركن
جميل السيد عن الحوار الذي دار بينه وبين الضابط الايرلندي بيتر فيتزجيرالد رئيس
لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الامن في اعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني
السابق رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) الماضي.
سأل فيتزجيرالد من قتل الحريري؟ فرد السيد داعياً الى ابقاء كل الاطراف قيد
الاتهام: «أبو عدس» والتيارات الاصولية والحكم اللبناني واجهزته وسورية واسرائيل
وكل من يمكن ان تكون له مصلحة. وخلال اللقاء سلّم السيد الى فيتزجيرالد ورقة من
صفحتين كان سلمها الى سفراء وملحقين امنيين معتمدين في لبنان وهي تتناول الانعكاسات
السلبية المحتملة للقرار 1559 على الامن والاستقرار في لبنان. وجاء في الورقة
(ان
القرار سيؤدي الى المس بالأمن والاستقرار في لبنان وبلادكم ليست في حاجة الى بلد
يضاف الى لائحة البلدان المضطربة في الشرق الاوسط).
فيتزجيرالد مجتمعا مع سعد وبهاء الحريري. ونفى السيد ان يكون لعب أي دور في
تحريك سفير لبنان في واشنطن فريد عبود لتقييد حركة لجنة التحقيق الدولية. كما نفى
أن
يكون تلقى من جهات أمنية أي طلب لمضاعفة الاهتمام بأمن الحريري بعد صدور القرار
1559.
وهنا الحلقة الثانية:
من
يعطي الأوامر عادةً في مسرح الجريمة؟
-
دعني أوضح لك شيئاً. مسرح الجريمة بحسب القانون اللبناني هو في عهدة القضاء
الذي ينتدب ضباطاً للتحقيق يعملون بإشرافه وأمرته، وعندها تكون الأوامر صادرة عنه
وتصبح مسؤولية مسرح الجريمة وغيرها محصورة بهذين الطرفين فقط. مدير عام الأمن
الداخلي اللواء علي الحاج ليس هو من يُصدر الأوامر المتعلقة بمسرح الجريمة أو بنقل
السيارات أو بأمور التحقيق الأخرى. أعتقد ان اللواء الحاج لا يخطئ في مثل هذه
الأمور.
هل
أنت قلق من لجنة التحقيق الدولية؟
-
كان لدي شعور بالانزعاج من تأخر لجنة التحقيق الدولية، والآن باشرت في عملها.
كنت أتمنى لو بدأت عملها قبل شهر. هذا التأخير يبقي كثيرين من الأشخاص في السياسة
والأمن مكبلين في حياتهم المهنية أو العادية. الاتهامات السياسية التي وجهت الى
اشخاص، وأنا بينهم، حجمها ضخم الى درجة ان شخصاً مثلي يتمنى حصول التحقيق البارحة
لا
غداً لاظهار الحقيقة. نحن نعتبر ان الاتهامات خلطت بين الجريمة والسياسة وهو خطأ
كبير. هناك في الميدان السمعة والمعنويات والعائلة والماضي المهني. لا أحد يقبل ان
تمس كل هذه الأشياء لأن أطرافاً معينة أطلقت اتهامات.
التقيت رئيس لجنة تقصي الحقائق التي شكلت في اعقاب اغتيال الحريري، ماذا
دار بينك وبين الضابط الايرلندي بيتر فيتزجيرالد؟
-
التقى فيتزجيرالد كثيرين من المسؤولين والمعارضين وأنا أحد الذين التقاهم. لا
شك
في ان حصيلة لقاءاته بكل الأطراف ستكون في تصرف لجنة التحقيق الدولية التي يتوقع
ان
تتعمق في النواحي التي تعتبرها مفيدة لجلاء ملابسات الجريمة.
زارني فيتزجيرالد مع فريقه. بدأ أولاً بتوضيح مهمته كالقول انه جاء استناداً الى
قرار مجلس الأمن وانه مهتم بأسباب اغتيال الرئيس الحريري ونتائجه. بعدها بدأ بطرح
سلسلة من الأسئلة أولها من قتل الحريري؟ ثم اسئلة من نوع هل حصلتم كجهاز أمني على
معلومات بعد الجريمة وارسلتموها الى القضاء اضافة الى حديث عن الظروف السياسية
للقرار 1559.
ماذا قلت له عن القرار 1559؟
-
قلت له ان الدولة اللبنانية تلقت مسودات عن مشروع القرار خلال مناقشته في مجلس
الأمن وكان واضحاً ان جزءاً منه يتحدث عن سيادة لبنان، فيما يتحدث جزء آخر عن
انسحاب القوات السورية من لبنان اضافة الى نزع سلاح الميليشيات والمقاومة والمخيمات
وبسط سلطة الدولة على أراضيها وتحديداً في الجنوب، اي نشر الجيش في الجنوب. قلت له
انه كان واضحاً لدينا من أول الطريق ان القرار يؤدي الى تغيير كلي للمناخ القائم في
لبنان لأن كل استقرارنا وأمننا بعد اتفاق الطائف كان مبنياً على مرتكزات استراتيجية
بينها العلاقة مع سورية ودعم المقاومة في إطار الموقف من النزاع العربي
-
الاسرائيلي. وأوضحت له انه وفق تقديرنا في حينه، ان القرار 1559 يلغي هذه
الاستراتيجية، وذلك لأنه سيكون لكل بند انعكاساته على الارض حال تنفيذه، لذلك لدينا
تخوفات من ان القرار سيدخل الى لبنان مناخاً جديداً مغايراً بصورة جذرية لمرتكزات
المرحلة السابقة ما قد يؤدي الى المس بمناخ الأمن والاستقرار في لبنان. طبعاً لبنان
كان يتغنى في الفترة الأخيرة بحجم الاستقرار الأمني فيه على رغم الاضطراب القائم في
المنطقة. لبنان كان ملجأ آمناً وملاذاً الى درجة ان الحركة السسياحية التي شهدها
العام الماضي كانت استثنائية وتبشر بالمستقبل. وبصورة طبيعية يمكن القول انك حين
تحرك أعمدة هذه الاستراتيجية ستحرك معها قواعد الاستقرار والأمن السائدة. من هنا
قلت لفيتزجيرالد انه كانت لي مبادرة بموافقة من الدولة، وكون الأمن العام على علاقة
بالسفارات، حيث اجتمعنا بملحقي الأمن في السفارات والسفراء، خصوصاً سفراء البلدان
ذات العضوية في مجلس الأمن، وشرحنا الانعكاسات المحتملة للقرار 1559 على الأمن
والاستقرار في لبنان. وزارة الخارجية شرحت من زاوية أخرى. الحقيقة انني سلمت
السفراء ورقة من صفحتين تحدد الانعكاسات السلبية المحتملة للقرار 1559 بالنسبة الى
الأمن والاستقرار واعطيت نسخة منها الى فيتزجيرالد. قلت في الورقة ان القرار سيؤدي
الى المس بالأمن والاستقرار في لبنان وبلادكم ليست في حاجة الى بلد يضاف الى لائحة
البلدان المضطربة في الشرق الأوسط.
أعلى الصفحة
كجهاز أمني قراءتي للأحداث السياسية ونتائجها الاقتصادية والاجتماعية والامنية
وغيرها اضاءت الضوء الأحمر في ما يتعلق بالانعكاسات المتوقعة للقرار. بمقدار ما يضر
هذا القرار استراتيجيتنا لجهة الانقلاب عليها، بمقدار ما يخلق حوافز ومنافع
لاسرائيل. القرار 1559 أدخل لبنان بقوة الى دائرة الاهتمام الاسرائيلي المباشر لجهة
احتوائه على طلب انسحاب سورية وتجريد المقاومة والمخيمات من السلاح ونشر الجيش في
الجنوب. القرار أوجد مصلحة اسرائيلية مباشرة في تسريع الاحداث في لبنان، وبالتالي
أخطار القرار انه أدخل على الحالة المستقرة السابقة عوامل جديدة فيها ضرر ونفع لعدة
اطراف داخلية وخارجية، بشكل ان عيارها على الساحة اللبنانية كان عياراً مؤذياً كما
توقعنا نحن. انطلاقاً من هذا الموضوع، وهو ما أثبتته التطورات اللاحقة وبينها
اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تبيّن ان القرار 1559 أحدث بالنسبة الى البلد،
وتحديداً الى الأمن فيه، ما يسمى
overload
اي
حملاً اضافياً. بمعنى ان اجهزة الأمن
المبرمجة على مدى 15 عاماً على حمل معين، لنقل انه طن واحد، جاء القرار والقى فوقها
10
أطنان. ومن ضمن هذه الأطنان انه بمقدار ما أوجد القرار 1559 مصلحة اسرائيلية
استثنائية لتنفيذه في اسرع وقت ممكن للحصول على نزع سلاح المقاومة وتجريد المخيمات
من
سلاحها ونشر الجيش في الجنوب، بمقدار ما ألحق ايضاً ضرراً بخطنا أي بالقواعد
الاستراتيجية التي كنا نرتكز اليها في مسألة الأمن والاستقرار. هذا هو الشرح
السياسي - الأمني الذي قدمناه.
تفجير سيارة مروان حماده. أمّا القول اننا لم نستدرك شيئاً فهو غير صحيح. قبل
اغتيال الرئيس الحريري وقبل محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة اضأنا الضوء الأحمر
في
مناقشاتنا مع السفارات وداخل البلد وقلنا ان شيئاً كبيراً في طريقه إلينا.
القرار 1559 كان شيئاً كبيراً بالنسبة الى لبنان والمنطقة.
قلنا لهم ارحمونا وارحموا أنفسكم وتفادوا اضافة لبنان الى لائحة البلدان
المضطربة. شرحت هذا الواقع لفيتزجيرالد. للاسف حين صدر تقريره لم يأخذ في الاعتبار
إلا الاجزاء التي تتضمن شائعات سياسية واتهامات. تكلم عن مسرح الجريمة من دون ان
يحدد من المسؤول أو المقصّر. قال ان بعض عناصر الاجهزة الأمنية قاموا بوضع قطع من
سيارة الميتسوبيشي في الحفرة. هذه الجملة جريمة ارتكبت بحق المؤسسات الأمنية
اللبنانية، اذ كان عليه ان يحدد الاشخاص والجهة وليتحملوا مسؤولياتهم، ولو كان
الثمن قطع الرؤوس.
قلت لفيتزجيرالد فلنبقِ الجميع قيد الاتهام وليذهب التحقيق الى كل الاحتمالات
بدلاً من الاكتفاء بالاتهامات الموجهة الى طرف واحد. قلت له فلنبق كل الاحتمالات
مفتوحة، فلنبق احتمال ابو عدس والتيارات الاصولية قائماً، واحتمال تورط الحكم
اللبناني وسورية، واحتمال تورط اسرائيل، وليكن التحقيق جدياً لا ان نكتفي بجزء من
الاتهامات. وأنا اليوم أقول، نحن لا نسعى الى تبرئة احد بل نطالب بأن يعالج هذا
الموضوع حسب الأصول اللازمة وليحسب من استفاد ومن تضرر فعلاً من اغتيال الرئيس
الحريري.
القرار 1559 أوجد منتفعين ومتضررين. اغتيال الرئيس الحريري أوجد ايضاً منتفعين
ومتضررين، فلنستعرضهم. باختصار كلي أقول ومن دون استثناء، لقد وقع الضرر كله في
مكان واحد أي انه أصاب الحكم اللبناني وسورية.
ماذا تريد ان تستنتج؟
-
لا
أريد ان استنتج شيئاً. أقول إن منفذ الجريمة إما حمار وإما آينشتاين.
فلتبحث لجنة التحقيق في كل الاحتمالات: التيارات الاصولية، الأجهزة والحكم
اللبناني، سوريا، اسرائيل... الخ.
هل
يمكن مثلاً ان يكون آينشتاين استخدم الحمار للتنفيذ؟
-
هذا كلّه في التحليل وليس في التحقيق. في التحليل قد تصيب او تخطئ، اما في
التحقيق فتضع اصبعك على الجرح او لا تضع، والتحليل ممنوع في التحقيق. الرئيس
الحريري ليس شخصاً عادياً. التعرض له لا يقاس بمقاييس الساحة اللبنانية. من يريد
التعرض لرفيق الحريري ألا يعرف ان رد الفعل سيتجاوز الغضب الى الجنون لدى فرنسا
والسعودية. البلدان هما الأقرب في التعاطف مع سورية في الفترة الماضية، من يريد
اغتيال الحريري ألا يفكر في توازن الموقف الفرنسي وفي تعاطف الموقف السعودي. هل
يمكن ان تدفعهما الى الوقوف ضدك وما هو الغرض؟ على رغم كل هذه الحجج أقول فليبق
الاتهام في كل الاتجاهات، ولكن ليؤخذ في الاعتبار وجود متهمين آخرين ولتحدد اللجنة
من
الفاعل. أنا أتكلم كرجل أمن وأقول فلنضع كل الاحتمالات وليبق الجميع قيد
الاتهام. الاتهامات السياسية بلا دليل تعتبر تجنياً وتغطية على المجرم الاساسي إذا
وجد مجرم أساسي آخر.
أعلى الصفحة
اتهموك
بتحريك سفير لبنان في واشنطن فريد عبود لعرقلة قرار مجلس الأمن
تشكيل لجنة التحقيق الدولية وتحديد صلاحياتها، وقيل انك كنت تتلقى تقارير من السفير
خلافاً للقانون؟
-
وزير الخارجية محمود حمود شخص لا يكذب ولا مصلحة لديه. الوزير حمود كان له
كلام في هذا الموضوع ونفاه بصورة علنية خلال مؤتمر صحافي. انه يعلم ان سفير لبنان
في
واشنطن وسفير لبنان لدى الأمم المتحدة ليس لهما اي علاقة مباشرة أو غير مباشرة
بشخص اسمه جميل السيد.
ومسألة
التقارير؟
-
يعرف الوزير حمود كما يعرف آخرون أنا لا أتلقى تقارير مطلقاً من اي سفارة.
عندما يكون هناك ما يستدعي أخذ رأي الأمن العام يأتي الينا التقرير إما عبر وزارة
الخارجية واما عبر رئاسة الجمهورية. لم يحصل مرة ان تلقينا تقريراً مباشراً من
سفارة. لا يوجد هذا النوع من الاتصالات بين الأمن العام والسفارات.
هل
تجزم في هذه المسألة؟
-
بالطبع أجزم وبكل مسؤولية. حين يطلب منا إبداء الرأي في تقرير تلقته الخارجية
أو
رئاسة الجمهورية نبدي رأينا ونعيده الى الجهة التي حولته الينا، اي الخارجية أو
رئاسة الجمهورية. أحياناً يطلب ايضاً رأي وزارة العدل أو الداخلية. اليوم يتولى
آخرون قيادة الأمن العام، فليكشفوا هذه المسألة إذا كانت موجودة، او اذا كانت هنالك
اجهزة فاكس او بريد الكتروني بين الامن العام وبين السفارات اللبنانية في
الخارج.
إذاً
لم تكن على علاقة بفريد عبود؟
-
يزورني كصديق عندما يحضر الى لبنان، ولا علاقة عمل تربطني به حين يكون في
واشنطن أو نيويورك، لديه تراتبية يحترمها بالنسبة الى علاقته بالرئيس لحود
وبالخارجية وهو يعمل ضمن هذه الاصول.
متى بلغكم ان دولاً كبرى تعد لاصدار قرار من مجلس الأمن في شأن لبنان؟
-
في
بداية الصيف ظهرت إشاعات. وسائل إعلام تحدثت لماماً وظهرت مناخات معينة
كانت سبقتها خطوات في الكونغرس الأميركي. لاحقاً كشف الرئيس جورج بوش لصحيفة
«فيغارو»
انه بحث هذا الموضوع مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في حزيران (يونيو)، نحن
كنا نتابع هذا الموضوع واحياناً كانت تتلقى الخارجية ورئاسة الجمهورية تقارير من
سفراء لبنان في الدول المعنية وكنا على اطلاع على الخطوط العامة للتوجه، اي
المطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان ونشر الجيش اللبناني في الجنوب.
أعلى الصفحة
بعد
صدور القرار اتهم الرئيس الحريري بأنه عمل من أجل إصداره او سهّل صدوره
وهناك من اعتبر ان هذه الاتهامات سهّلت عملية الاغتيال؟
-
هذا الكلام يقصد الاشارة الى أن المعترضين على القرار 1559 هم الذين
قتلوه؟!
أنا لم أحدّد، لكن هذا الكلام قيل علناً؟
-
لبنان ساحة مفتوحة للاتهامات المتبادلة بين الحكم ومعارضيه وداخل كل فريق
ايضاً. اتهامات بلا حدود ولا تقتصر على الـ1559. في محطات سابقة شهد لبنان سجالات
سياسية عنيفة لها علاقة بالمقاومة واسرائيل ومسائل اخرى. لو عدت بالذاكرة الى تاريخ
الحكم بعد الطائف لوجدت العجائب. اذا كان كل اتهام يبرر عملية اغتيال لكان يفترض ان
لا
يبقى أحد من الطبقة السياسية حيّاً. طبعاً الجدل حول القرار 1559 كان أكثر حدّة
لأنه تزامن مع التمديد للرئيس لحود. للأسف صحّ ما توقعناه، وهو ان الـ1559 من شأنه
ايجاد مناخ يساعد على اضطراب الأمن في لبنان.
بعد
صدور القرار هل فاتحكم طرف أجنبي بوجوب الاهتمام بأمن الحريري؟
-
هذا لم يحصل. عادةً لا يأتي الينا الاجانب للفت نظرنا الى تهديدات تطال
المسؤولين عندنا. غالباً ما يثيرون تهديدات تتعلق بسفاراتهم ورعاياهم.
ألم
تكن هناك مخاوف على الحريري؟
-
المخاوف كانت على البلد كله ولا تزال، كان جو البلد مكهرباً بموضوعي القرار
1559
والتمديد. وهناك توتر سابق حول مواضيع أخرى. طبعاً في أجواء التوتر يتزايد
الحذر لدى الجميع ويبادر المسؤولون، كل حسب موقعه، الى اتخاذ الترتيبات الخاصة به.
بعضهم لديه اجهزة حماية رسمية من الدولة، البعض الآخر يتكل على جهازه الخاص، البعض
الثالث لديه خليط من الامن الرسمي والامن الخاص. لكل مسؤول طريقته في أمنه الشخصي.
والرئيس الحريري مثل معظم المسؤولين كان لديه جهاز أمن خاص، يرعى تحركاته بمعزل عن
الأجهزة الأمنية الرسمية التي لم تكن مكلّفة القيام بما يسمى الحماية اللصيقة
له.
أعلى الصفحة
اذاً جهاز الأمن الخاص بالحريري كان يتولى الحماية اللصيقة بمعزل عن
الأجهزة الرسمية؟
-
نعم كان لديه جهاز خاص مستقل تماماً عن الدولة ولا يطلع أجهزتها على مواعيد
دخوله وخروجه وتحركاته.
لكن كانت لديه قوة من الأمن الداخلي؟
-
طبيعي ان تكون لديه قوة من الأمن الداخلي سواء عندما يكون رئيسا للحكومة او
عندما
يكون رئيساً سابقاً للحكومة. حيث يزيد عدد العناصر او ينقص تبعاً لكل حالة.
عموماً عناصر قوى الأمن الداخلي مستعملون للحراسات الثابتة ولفتح الطرقات أمّا
الحماية اللصيقة فكل الأجهزة لديها عناصر مدربة وكذلك فإن معظم العناصر الأمنية
الخاصة تكون عادة مدربة على الحماية اللصيقة.
الحماية اللصيقة للحريري لبنانية أم أجنبية؟
-
لم
نر مسؤولاً لبنانياً لديه حماية لصيقة أجنبية، لكن المدربين قد يكونون
أجانب كما يحصل في الأجهزة الرسمية التي توفد عناصر منها الى الخارج، وأحياناً
كثيرة يأتي المدربون الأجانب لتدريب عناصرنا في لبنان. وأعتقد ان الأمن اللصيق لدى
الرئيس الحريري لا يختلف عما هو معمول به لدى الجميع.
هل
توافرت لدى الاجهزة الأمنية معلومات عن محاولة لاغتيال الوزير مروان
حمادة؟
-
حصلت هذه المحاولة في كنف حكومة الرئيس الحريري. مباشرة انطلق سيل من
الاتهامات السياسية ضد جهة معينة. تولت التحقيق مديرية الأمن الداخلي ثم نقل
التحقيق الى استخبارات الجيش بقرار قضائي. الامن العام وأمن الدولة تلقيا استنابة
استقصائية بمعنى انه إذا توافرت لديهما معلومات يطلعان الجهات المختصة. لم نتلق
استنابة تحقيق وبالتالي فإن كل المعلومات حول محاولة
الاغتيال بقيت بين الأمن
الداخلي واستخبارات الجيش والقضاء. طبعاً كانت محاولة الاغتيال مؤشراً خطيراً على
مرحلة جديدة وجاءت من مناخ الحمل الزائد الذي ألقاه القرار 1559 على الوضع في
لبنان.
ما
قصة الشريط المتعلق بمحاولة اغتيال حمادة والذي قيل ان استخبارات الجيش
استولت عليه وأخذته؟
-
كلمة «استولت»، كبيرة. هذه النقطة أُثيرت من جانب الوزيرين جنبلاط وحمادة
وأطراف أخرى في المعارضة وحصلت ردود عليها. أعود وأقول ان الثقة مفقودة بين
المُتَهَم والمُتَهِم وكل شيء عرضة للتأويل. أنا سمعت كغيري تلك الاتهامات والردود
وأعتقد بأنه كان للقضاء ردّ واضح حول وجود الشريط. التعمق في التحقيق يمكن ان يحسم
الجدل. في ضوء ما أعرف أقول انه من الصعب جداً ومن الخطر جداً ان يتلاعب اي طرف
بقصة الشريط.
هل
سألك فيتزجيرالد عن هذه القصة؟
-
بصورة عرضية وفي سياق استيضاحي. سأل عن الحادثة وليس عن واقعة الشريط لأنه
يعرف اننا لسنا الأطراف المعنيين بالتحقيق.
أعلى الصفحة
أنت صاحب خبرة طويلة في مجال الأمن هل تعتقد بينك وبين نفسك ان الرئيس
الحريري استشهد بفعل عملية انتحارية؟
-
في
الأمن أنا لا أُحلّل على هذا النحو. أضع الاحتمالات كتقنية تحقيق كي أصل
الى خلاصات. لا أتحدث في الاحتمالات، أتحدث في الخلاصات. ممنوع في عالم الأمن
التسلّي بالاحتمالات. مفروض ان نقدم شهوداً ووقائع وأدلة. الأشياء المترابطة في
التحليل وغير المدعومة بأدلة او شهود تكون قيمتها صفراً. عملك في الأمن سيصبّ لدى
القاضي وعمل القاضي لدى المحكمة. التحقيق الأوّلي تكون ذمّته واسعة. يوسّع إطار
الاحتمالات والشكوك. وبمقدار ما ينتقل التحقيق من الأمن الى القضاء تضيق الذمّة الى
ان
يصل الى المحكمة حيث يفترض ان يكون التحقيق مترابطاً الى الحد الأقصى. الثغرات
التي تظهر في التحقيق الأولي تكون ضد المتهم واذا بقيت قائمة في المحكمة تصبح
لمصلحة المتهم. يستفيد المتهم من الشك في المحكمة ويتضرّر من الشك في التحقيق. أنت
تحيل الى القضاء أشخاصاً مشتبهاً بهم لا مُدانين. من يحسم كيفية التفجير في حادثة
اغتيال الرئيس الحريري؟ الجواب هو: الخبراء والتحقيق ولا ثالث لهما، حتى الذين
لديهم خبرة امنية.
هل
أفهم انك لا تريد الإجابة عن السؤال؟
-
تريد جواباً مسؤولاً ام تحليلاً اعلامياً؟
فرضية انتحاري او غير انتحاري لا بد من التحقق منها. هناك أفلام وتحليل أفلام
وتحليل مسرح الجريمة وطبيعة الانفجار والتشظي. كل ذلك عمل مضن لخبراء قد تتناقض
احياناً استنتاجاتهم. حتى خبراء المتفجرات في الجيش وقوى الأمن الداخلي تناقضوا على
تشخيص الانفجار، فكيف تريد مني الاجابة بهذه السهولة؟
هل
كانت المتفجرة فوق الأرض أم تحت الأرض؟
-
جلب فيتزجيرالد خبراء من سويسرا وغيرها وقال ان الاحتمال الأرجح هو ان
المتفجرات كانت فوق الأرض لكنه لم يتكلم بصورة قطعية، وبقي الشك قائماً لدى الجميع.
الفارق ان لا احد اتهم فيتزجيرالد بالتضليل عندما ألمح الى الانفجار السطحي، ولو ان
خبيراً لبنانياً فعل ذلك لكان اليوم قيد التوقيف والتحقيق والاتهام...
مؤخراً أكد رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي مليس ان الانفجار وقع في شاحنة
مفخخة فوق الارض في مسرح الجريمة، وحَسَم بذلك الجدل الذي حصل سابقاً. لم اسمع
احداً في لبنان ممن سبق وتبنّوا نظرية الانفجار تحت الارض، أو ممن سبق واتّهموا
اجهزة الامن بالتضليل لانها غلبت في حينه فرضيّة الانفجار السطحي، لم نسمع احداً
منهم تجرّأ وعلّق على خلاصة عمل اللجنة الدولية أو اعتذر عن الاتهامات الباطلة التي
سيقت في حينه.
أعود
مجدداً الى الانتحاري؟
-
أنا أقول بإبقاء كل الفرضيات قائمة الى حين حسمها من قِبَل التحقيق.
أعلى الصفحة
عودة لصفحة سي السيِّد
عودة لصفحة الملف
الأسود
|