جميل السيِّد يتذكر
الجزء الثالث
في
هذه الحلقة يتحدث المدير العام السابق للامن العام اللبناني اللواء الركن
جميل السيد عن علاقته بالرئيس الراحل رفيق الحريري والتمديد للرئيس اميل لحود
ومحطات اخرى. وهنا نص الحلقة الثالثة:
متى كانت المرة الأخيرة التي التقيت فيها الرئيس الحريري؟
-
لا
أذكر تاريخاً معيناً للقائنا الأخير، لكنه تم في الفترة التي سبقت خروجه من
البرلمان الليناني خلال جلسة التمديد وبدا الوزير ميشال سماحة والرئيس رئيس الحريري
ونائب رئيس الوزراء عصام فارس والوزير بهيج طباره. الحكم. كما بقيت بعد ذلك اللقاء
على تواصل معه بالهاتف. في الاوقات الحرجة، لم يكن يمر أسبوع من دون أن يكون هناك
اتصال عبر المقدم وسام الحسن أحد القريبين جداً منه، والذي يحظى بثقته ويُحبه وكان
أميناً معه. وكانت كل تفاصيل المشاورات النيابية التي سبقت اعتذار الرئيس الحريري
عن
عدم قبول التكليف بتشكيل الحكومة، موضوع اتصال شبه يومي مع الحسن الذي كان
أحياناً جالساً الى جانبه، فيُمرر الهاتف اليه ليتحدث معي. وناقشنا في أحاديثنا
تطور المشاورات في شأن الحكومة المزمع تشكيلها في تلك الفترة، وصولاً الى لحظة
اعتذاره. وكنت من الأشخاص القلائل الذين يعرفون الأمور من الرئيس الحريري قبل أن
يعرفها الاعلام. بعد اعتذاره عن التكليف واذاعة رسالته الوداعية الشهيرة، اتصل بي
وسام الحسن، ثم أعطاني الرئيس الحريري على الخط طالباً تعليقي على ما حصل، فأجبته
ان
المخرج الذي اعتمده لا يستفز أحداً، وكان الرئيس الحريري حريصاً على ايصال رسالة
أن
خروجه من الحكم ليس تحدياً لسورية بل عجزاً عن التفاهم مع رئيس الجمهورية، وكان
يعرف في ذلك الوقت انه من دون وساطة سورية لن يحصل ذلك التفاهم في حين كان القرار
السوري بعدم التدخل بعدما كانت الإتهامات تنهال على سورية من الداخل والخارج بأنها
تسيطر على التركيبة وتتدخل بتشكيلها فكان القرار عدم الدخول بوساطة.
كيف
تصف علاقتك بالرئيس الحريري؟
-
كان شعوره مزدوجاً تجاهي. فبمقدار ما كان يُحب الجلسة معي كان لا يُطيقني
أحياناً. العلاقة مع الرئيس الحريري أصبحت أفضل بعد ان انتقلت من الجيش الى الامن
العام. خلال وجودي في الجيش قابلته ثلاث مرات على الأكثر. بعدما انتقلت الى الامن
العام كانت وتيرة اللقاءات مكثفة، العديد من اللقاءات سنوياً، وهنا اصبحت العلاقة
اكثر انفتاحاً على رغم التباينات التي كانت تحصل بين أطراف الدولة حول مختلف
القضايا.
وكان الرئيس الراحل يعتبر انني قادر على ايجاد المخارج عندما تتعقد الامور،
وغالباً ما كان يستدعيني لاجل ذلك خلال وجود ملفات شائكة كالتعيينات الادارية أو
مواضيع تتعلق بجدول أعمال مجلس الوزراء. كان يُدخل مستشاره القاضي سهيل بوجي
احياناً، كثيرون من المقربين منه كانوا يحبّون هذه العلاقة ويشجعونها ومنهم وسام
الحسن والصحافيان محمد شقير وفيصل سلمان. احياناً كنت افاجأ بعدم تحفظّه في تعابيره
فيدخل في خصوصيات تفكيره ويقول مازحاً: «قول للرئيس لحود انه كلّفني غالي مرتين،
اوّل مرة عندما «هربت» من قدومه للرئاسة فوقعت في احضان التمديد للهراوي، والمرة
الثانية عندما «هربت» منه بعد قدومه للرئاسة عام 98 فوقعت في احضان الرئيس برّي».
ثم
يضحك.
أعلى الصفحة
هل
كانت هناك كراهية متبادلة بينكما؟
-
الكراهية تتولد عندما تسمح للامور المزعجة ان تتراكم في نفسك. شخصياً عندما
يكون لدي انزعاج أعبّر عنه فوراً. خصمي او صديقي يعرف فوراً انني معه او ضده في هذا
الموضوع او ذاك. لا يوجد عندي تراكم وبالتالي لا توجد عندي كراهية. لست من النوع
الذي «يلطى» عند الضعف وينتقم عند القوة. أعود الى سؤالك، كوني لا اجمع تراكمات فلم
تكن لدي كراهية شخصية للرئيس الحريري، بالطبع في محطات سياسية كثيرة لم اكن مسهّلاً
لامور غير مقتنع بها، في محطات كثيرة كان يريد ازاحتي او خسارتي. لم يكن المشكل
بيننا،كان الخلاف يحصل بسبب قضايا ومواضيع سياسية وادارية يختلف فيها مع الرئيس
لحود وكان يتهمني بأنني منحاز دائماً للرئيس. لم أشعر مرة ان الرئيس الحريري يكرهني
من
الناحية الشخصية كان يكره بعض مواقفي. بعض محيطه بالطبع كان يكرهني على المستوى
الشخصي، وهؤلاء من باب المزايدة. كان الحريري قوياً بما يكفي كي لا يكره، كان له
موقف سلبي عند اللزوم.
حالياً وبعد استشهاد الحريري، هذه المجموعة نفسها تلعب الدور نفسه حول الشيخ سعد
الحريري. هذا المحيط يريد للشيخ سعد ان يكون حاقداً وانتقامياً ضد كل من وقف بوجه
والده أو أزعله او أزعجه. أقول للشيخ سعد ان ليس كل من أزعج أبيك هو عدوك. تلك كانت
سياسة والرئيس الحريري ككل سياسي ينزعج حيناً ويُزعج احياناً. أتمنى ان يعي الشيخ
سعد هذا الموضوع.
هل
اصطدمت معه في شكل مباشر؟
-
تقصد مواجهة كلامية مثلاً؟ أبداً، هذا عيب. اساساً لست من النوع الذي «يفلّت»
كلاماً. ثم هو رئيس وزراء وانا مدير عام. تحصل تباينات كما قلت حول مواضيع مختلفة.
ينتهي كل ذلك بمجرد استدعائي الى عنده للمناقشة. لم يرفع مرةً صوته بوجهي، لم أخرج
مرة معه عن أصول الادب.
هل
أنت من مهندسي مشروع التمديد للرئيس لحود؟
-
تعرفت على الرئيس لحود في الجيش، ورأيت عنده نية صافية لفرض القانون وبناء
المؤسسات. وكان صاحب القرار في المؤسسة العسكرية، فيما تأتيه استشارات من الأركان
التي كنا كاستخبارات مطبخاً أساسياً للقرار فيها. وكصاحب القرار الأوحد في الجيش،
نجح العماد لحود في بناء مؤسسة، ما جعله مؤهلاً لتولي الرئاسة. كما كان هناك إجماع
شعبي على رئاسته، واعتبره الناس منقذاً من التردي السياسي والاقتصادي الذي ساد
البلد من 1990 الى 1998. كنت من المتحمسين جداً لقدوم لحود الى الرئاسة بسبب ايماني
بنواياه في اقامة دولة. لبنان بلد لا ينقصه شيء، لديه كنز اسمه الطبيعة وكنز آخر
اسمه الشعب اللبناني وعلمه ورقيّه وثقافته وانفتاحه. ما ينقص لبنان دائماً هو وجود
دولة. دولة بكل معنى الكلمة، ونظام سياسي لا نظام سياسيين.
أعلى الصفحة
عندما تسلم اميل لحود الرئاسة، وجد كسابقيه، ان الدستور اللبناني جعل الدولة
بثلاثة رؤوس على الاقل. في الجيش رأس واحد يقرر ويأمر ويُطاع. في الدولة رؤوس
متعددة. ومهما كانت النوايا حسنة، وفي ظل هذا الدستور، لا الرئيس لحود ولا سواه
يستطيع ان يدّعي انه يستطيع ان يُصدر قراراً من دون تواقيع الآخرين. لماذا لا يحدّد
الدستور رأساً واحداً للدولة؟ اعود فأقول النظام الطائفي والتقاسم الطائفي. رئيس
واحد يعني انه من طائفة معينة، من يقبل ان تكون هذه الطائفة او تلك؟
اذاً الخلل الاول الذي منع الرئيس لحود من تنفيذ خطاب القسم هو في النصوص، واذا
ما
أضيفت الى هذا الخلل الاخطاء التي ارتكبت في الممارسة، لا سيّما الممارسة
المنافية لروح خطاب القسم من قبل البعض، ثم اذا ما أضيفت الى ذلك التباينات
والعراقيل بين أهل الحكم أنفسهم حيث كلّ منهم قادر على تعطيل قرار الآخر بفعل
الشراكة الطائفية، عندها تعلم لماذا لم «يقلّع» خطاب القسم ولماذا حصل الانتكاس.
الرئيس لحود لم تتغير نواياه في اقامة دولة القانون والمؤسسات حتى ولو عجز عن
اقامتها حتى الآن. لكن هذا الواقع لا يمنع بأن لعهد الرئيس لحود انجازات في قضايا
تحرير الجنوب وحماية المقاومة وهي ملفات كان يتولاها حصرياً الرئيس لحود بمعنى أن
قراره فيها كان يغلب على سواه.
عندما طُرح موضوع التمديد، لم تكن هناك حملة. التمديد للرئيس لحود هو ظرف.
والظروف المؤيدة للتمديد والمعارضة له كانت متقاربة حتى اللحظة الاخيرة. وبالتالي
لم
يكن يتطلب التمديد تجييشاً او حملة، خصوصاً ان الاخفاقات الداخلية التي ركّزت
عليها المعارضة لم تكن تسمح بمثل تلك الحملة المؤيدة للتمديد بل على العكس كانت كل
الحملة مركزة ضد التمديد.
هل
كان هنالك قرار بالتمديد من الرئيس بشار الأسد عام 2004؟
-
قسم من الذين أسهموا بالتمديد هم الذين عارضوه: الرئيس بشار الأسد كرر في
مناسبات عدة خلال زيارة الى الكويت وفي مقابلة مع «الحياة»، أن جميع المرشحين
اصدقاء لسورية، وأن كل الخيارات مفتوحة في لبنان. فمن الذي ضيّقها؟ كان عنوان حملة
المعارضة: كل شيء إلا لحود. وضيّع المعارضون قضية التمديد بين «الكباش» مع لحود
و«الكباش» مع سورية. فسورية قالت لهم أن كل الخيارات مفتوحة، لكن عنوان المناورة
المضادة كان «تكسير» الرئيس لحود فقط . لدى سورية وفاء يُعد عنواناً لآل الأسد،
ووفاؤها للرئيس لحود مرتبط بالعناوين الوطنية العامة، أما المسائل الداخلية للدولة،
فتُعتبر عنواناً لبنانياً ارتكب فيه جميع الناس أخطاء. ليس التمديد نتيجة قرار سوري
مطلق، بمقدار ما هو ثمرة أخطاء في مناورة الفريق المناهض له، والذي وجّه «الكباش»
الى سورية. وكان الرئيس الأسد في كل تصريحاته قبل التمديد يسعى الى ايصال رسالة
للجميع بأن سورية على مسافة واحدة، ومن قال ان مثل هذه الرسالة لم تكن تزعج احياناً
الرئيس لحود؟ ومن قال ان مثل هذه الرسالة لم تكن تريح خصوم لحود؟ أقول أن الحملة
المضادة للتمديد أُديرت بطريقة ساهمت في توفير ظروف مؤاتية للتمديد، بحيث ان ذلك لم
يترك أمام سورية سوى خيارين: إما التخلي عن حليف أساسي لها أو مناصرته، لا سيما وأن
سورية، كما غيرها، كانت تعرف بأن المطابخ الدولية كانت تحضّر الضغوط عليها وكان
القرار 1559 جاهزاً في الكواليس منذ حزيران 2004 بحسب ما صرّح به الرئيس بوش لجريدة
«الفيغارو»
الفرنسية خلال زيارته الاخيرة لاوروبا.
هل
تعتقد بأن الطريقة التي أدار فيها الرئيس الحريري معركة التمديد رجحت
كفته؟
السيد يصافح الرئيس اميل لحود. - لم يدر الرئيس الحريري المعركة وحده ولم يكن
«مايسترو»
لها. الحملة المضادة للتمديد ضمت في صفوفها حلفاء وأخصاماً لسورية، كما
ضمت خصوماً تقليديين للرئيس لحود بالاضافة الى اصدقاء سابقين له، بينهم من كان دعمه
للوصول الى الرئاسة. كان الرئيس الحريري معارضاً لرئاسة لحود لاعتباره أن هناك
مدرستين مختلفتين جذرياً. والوزير جنبلاط أيضاً كان معارضاً منذ البداية حتى
النهاية. وانقلبت المواقف تباعاً بعد مرور ست سنوات مع تبدل المواقع والمصالح
والمنافع. لا يمكننا القول أن الرئيس الحريري وحده كان يرفع لواء المعارضة للتمديد.
المعارضة المسيحية كانت أيضاً ترفض التمديد.
أعلى الصفحة
هل
أقلقك تدهور العلاقات بين الرئيس الحريري ودمشق؟
-
علاقة الرئيس الحريري بدمشق، مثل علاقة أي مسؤول لبناني آخر بها، خاضعة لمد
وجزر وفقاً للمتغيرات والتطورات والملفات. في السياسة، تتضارب وجهات النظر يومياً.
واذا أردنا أن نحسب أيام الود والصفاء بين الرئيس الحريري ودمشق، وأيام تعكر
علاقاتهما منذ ممارسته الحكم عام 1992، نرى ان الود كان غالباً فيها. فسورية وقفت
مرات كثيرة الى جانب الرئيس الحريري في ملفات داخلية ووزارات وتعيينات، لاعتبارها
أن
لحود لم يكن محقاً فيها. حتى في عز تعكر العلاقات، كان للحريري اتصال مع مواقع
رئيسية في النظام لم تكن لتنفتح عليه لو كان هناك قرار بقطيعة نهائية معه.
وبالتالي، حتى عندما كان هناك جفاء في علاقات الحريري مع دمشق، لم يكن هناك قطيعة.
مثلاً، أبو جمال (نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام) و(الرئيس السابق لأركان
الجيش السوري) العماد حكمت الشهابي. وعندما يُقال أن هناك خلافاً بين الرئيس
الحريري وطرف في دمشق، يبقى هذا الباب (خدام والشهابي) مفتوحاً، لأن القطيعة لم تكن
هدفاً.
كانت تطرأ مواضيع تؤدي الى جفاء في العلاقات. وحصل هذا الأمر مع الجميع من
دون استثناء. فمثلما يقع خلاف بين اللبنانيين أنفسهم يومياً، يحصل الأمر ذاته بينهم
وبين السوريين نتيجة تداخل ملفات وأحداث.
ما
رأيك بما قاله فيتزجيرالد في تقريره عن اللقاء بين الرئيس الحريري
والرئيس الأسد؟
-
ورد هذا الكلام في الروايات اللبنانية التي ظهرت الى العلن بعد اغتيال الرئيس
الحريري. شخصياً لم يطلعني الرئيس الحريري قبل استشهاده، ولا المقدم وسام الحسن على
حصول مثل ذلك الحوار الحاد. وخلال هذه الحقبة، كلّف الرئيس الحريري وسام الحسن
باطلاعي على جميع الصعوبات التي تطرأ مع عنجر ومع الرئيس لحود وأي شخص آخر. ما
أعلمه من الرئيس الحريري مباشرة ومن وسام الحسن، انه كان حريصاً، في أحرج الأوقات،
على ابقاء الجسور مفتوحة مع سورية. حتى في عز الجفاء مع دمشق، لم يُبادر الرئيس
الحريري بالقطيعة، انما سعى الى فتح باب لتحسين العلاقات، بالمقابل كانت هنالك
دائماً أبواب سورية مفتوحة أمام الحريري. وقرأت في تقرير فيتزجيرالد كثيراً من
الاشاعات.
وماذا
عن رواية اصطدامه برستم غزالي؟
-
هذه الرواية أشيعت ايضاً بعد اغتيال الرئيس الحريري ولم يتم تأكيدها علناً من
قبل أي طرف. فغزالي تناول طعام الغداء مع الحريري في قصر قريطم في حضور (رئيس تحرير
الزميلة «الديار») الاستاذ شارل أيوب.
أعلى الصفحة
هذا
اللقاء تم بعد التمديد أم قبله؟
-
بعد التمديد طبعاً وكان هناك شهود عليه. شهدت العلاقات بين الحريري وسورية
صعوداً وهبوطاً لكن بالتأكيد كان تواصل الرئيس الحريري مع دمشق وعنجر قائماً، وهذا
التواصل كان معلناً وذكره الإعلام في عدة مناسبات.
هل
حاولت تحسين علاقات رئيس الوزراء الراحل مع سورية أم أسهمت في تعكيرها
كما تُتّهم؟
-
حجم العلاقة بين الرئيس الحريري ومراجع سورية كبيرة لا يسمح بتعكيرها بهذه
السهولة. لكن كانت هناك ملفات تتعلق بتعيينات وأخرى مرتبطة بالوضع الداخلي وفيها
تباينات أفضت الى حساسيات. أما الشؤون التي كان يُمكنها تعكير علاقاته مع سورية،
فاستراتيجية ولم تكن قائمة أصلاً. فسورية مُطّلعة على الوقائع، وتعرف بأن معظم
اللبنانيين يرغب في تشويه صفحات بعضهم بعضاً ليس لدى دمشق فقط، بل حتى لدى سفارات
أجنبية يقصدها لبنانيون من مختلف الانتماءات. لكن هل كان هذا سيؤدي الى تعكير
علاقات دول مع أشخاص؟ قد يزعجك الرئيس الحريري في موضوع معين أو قد لا يرضى عنك،
لكن هذا لا يعني أن العلاقات تعكّرت بسبب ذلك. كان الرئيس الحريري كما برّي كما
الهراوي كما الرئيس لحود كما غيرهم، عندما تحتدم الخلافات الداخلية حول مواضيع
وملفات، كان كل منهم يحتكم الى السوريين ويحاول تغليب وجهة نظره ليكسب الكفة
لمصلحته. كان هذا شيئاً معتاداً وليس تشويشاً. ما تحدث به السيد حسن نصرالله الذي
يتمتع بصدقية تامة، عن مواقف الحريري في القضايا الكبرى مثل حماية المقاومة، وما
نقله عن الرئيس الراحل خلال جلساتهما من شهادات فيه، تؤدي الى الجزم بأن أي تشويش
ضد
الرئيس الحريري لن يكون فعالاً في سورية. كانت هذه اللقاءات (بين الحريري
ونصرالله) مكتومة عن الاعلام، لكن أصحاب الشأن كانوا يطلعون عليها.
هل
تعاملتم مع الحريري بصفته أحد المحرضين على القرار 1559؟
-
المواقف السياسية المعلنة في حينه كانت تتضمن مواقف اتهامية من سياسيين ضد
الرئيس الحريري وغيره كما كانت تتضمن مواقف دفاعية عنه. أقول أن المناخ السياسي
المترافق مع القرار 1559 كان إباحياً لجهة الاتهامات المتبادلة في الحكم والمعارضة
من
دون أي استثناء. ففي المعارضة، كان هناك من يُجاهر بتأييد 1559، فيما جاهر الحكم
بعدائه للقرار. أما الرئيس الحريري فتعامل مع القضية عبر الحؤول دون جنوح بعض
المعارضة بعيداً باتجاه القرار 1559، وهذا ما حصل في احد لقاءات المعارضة في
البريستول حيث انسحب ممثل الرئيس الحريري مما يؤكد في حينه بأنه لم يكن متهوّراً
لمصلحة اﻠ1559. من الطبيعي أن يرغب شخص مثل الرئيس الحريري ببعض ما جاء في القرار
1559
فيما خص الانتخابات الرئاسية واحترام الدستور، لكنه كان يعلم كيف يُميز بين
السقف الداخلي للقرار وبين ما يرتبط بالمقاومة التي طمأن السيد نصرالله في شأنها.
الرئيس الحريري كانت لديه القدرة والعلاقات الدولية كي يخفّف من انعكاسات القرار
1559،
لا سيما في شقه الاقليمي والخارجي، وهو لم يكن يريد ان يصبح القرار 1559
مشروع فتنة او حرب داخلية في لبنان.
أعلى الصفحة
هل
نُزع صمّام الأمان باغتيال الحريري؟
الهراوي والحريري وخدام في قصر بعبدا. - لن أقول ذلك لئلا أُعتبر أنني أتملّق.
للقرار 1559 سقفان. فبمقدار ما كان سقفه الداخلي المتعلق باحترام الدستور ورفض
التمديد مرضياً للرئيس الحريري، بمقدار ما كان السقف الخارجي للقرار، أي ما يتعلق
منه بالصراع العربي الاسرائيلي والمقاومة، خطراً، لدرجة ان الرئيس الحريري كانت له
اتصالات مع سورية ومع قائد المقاومة لتأكيد حمايته لهذه الاساسيات وعرض دوره في منع
المس بها. وأضيف ايضاً ان في القرار 1559 بنوداً لاءمت الكثير من الاطراف
اللبنانية، وفي حين ان الرئيس الحريري والوزير جنبلاط كانا ميّالين الى التمييز بين
السقف الداخلي للقرار 1559 والسقف الخارجي له، فإن معارضين آخرين ذهبوا بعيداً في
هذا الموضوع الذي لا يزال مصدر تباين داخل المعارضة نفسها.
راجت رواية مفادها أن رفيق الحريري ومروان حمادة وغسان سلامة شاركوا في
كتابة 1559. الأول اغتيل والثاني تعرض لمحاولة اغتيال، فيما لا يجرؤ الثالث على
العودة الى لبنان. ما رأيك؟
-
راجت هذه الرواية بعد محاولة اغتيال الوزير حمادة. رأيي الشخصي أن الرئيس
الحريري لا يكتب بخط يده شيئاً لمصلحة اسرائيل. ليست هذه مدرسته وأعرفه عبر عشرات
اللقاءات. فهذه (الرواية) جريمة في حق الحريري أكبر بكثير من الاغتيال. معرفتي
بالوزيرين سلامة وحمادة ليست بعمق معرفتي بالرئيس الحريري، لكن أعرف مواقفهما
وندواتهما ومحاضراتهما. وأعتقد بأن هاتين الروايتين أطلقتا لتعزيز توجيه الاتهام
الى سورية. كل هذه أقاويل غير مثبتة.
قيل أن دمشق اتخذت قرار التمديد وفقاً لتقرير. ما صحة ذلك؟
-
هذا تبسيط. فلا يُمكن أن يُتخذ قرار رئاسي في موضوع شائك مثل التمديد بناء على
تقرير. ولا حتى مئتا تقرير يُمكنها أن تحدد التمديد. يُحسم قرار بهذا الحجم بناء
على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية. في المواضيع الحساسة هنالك دائماً شعرة
رفيعة تفصل بين القرار الصح والقرار الخطأ. في المواضيع الحساسة، كقرار التمديد،
مجرّد تقرير ليس كافياً لتوليد قرار.
أعلى الصفحة
هناك سيناريو يقول أن الحريري كان يُحضر لانقلاب على سورية عبر الانتخابات،
وعُقد اجتماع في قصر بعبدا تبين خلاله أن المعارضة ستفوز؟
-
من
كان مرشح الرئيس الحريري للانتخابات الرئاسية؟ أقرب المرشحين الى قلبه كان
وزير الخارجية جان عبيد. وهذا لم يكن سراً. ومن هو عبيد بالنسبة الى سورية؟
حليف...
-
مجرد القول أن مرشح الحريري في مواجهة التمديد هو جان عبيد، يعني أن الرئيس
الراحل كان وضع سقفاً غير مناهض لسورية. والا لما كان الحريري اختار عبيد، بل كان
اختار شخصاً يُعرف بعدائه لسورية ويُجاهر به. وموضوع الاجتماع الذي تشير اليه كان
مرتبطاً بقانون الانتخابات النيابية وليس بالانتخابات الرئاسية. فكان هناك تباين في
وجهات النظر حول قانون الانتخاب داخل فريق الحكم المُمثل بالرئيس بري والرئيس لحود
والرئيس عمر كرامي ووزير الداخلية (سليمان فرنجية). كان الرئيس بري مع اعتماد
المحافظة أو المحافظة مع النسبية في القانون. أما الرئيس لحود والوزير فرنجية فكانا
مع
القضاء. وتأرجح موقف الرئيس كرامي بين وجهتي نظر الرئيس بري والرئيس لحود. وقال
الرئيس بري: أنا مع المحافظة وأنتم مع القضاء، وأنا لا أضمن (النجاح) فهل أنتم
تضمنون؟ أدى هذا الحوار الى عقد اجتماع دُعيت الىه للبحث في الوضع واستعراضه. لماذا
دُعيت؟ هذا ليس عملاً أمنياً بل سياسياً، وأنا مختص كمدير الأمن العام بالمعطيات
السياسية. ولماذا لم يُدع مديرا الاستخبارات والأمن الداخلي الى الاجتماع؟ لأن لا
علاقة لهما بالأمر. وكان وجودي في ذلك الاجتماع، كحضوري في اجتماعات خُصصت لمعالجة
ملفات أخرى مثل التعيينات الادارية. وهذا أمر كلف به جميع مديري الأمن العام قبلي
مثل ريمون روفايل الذين لم يعملوا الا بالسياسة. الانطباع الامني عني مرتبط بوظيفتي
السابقة (في استخبارات الجيش) وليس كمدير للأمن العام. وهذا ما يخلط الأمر لدى
الناس.
هذه التباينات، داخل اهل الحُكم أنفسهم، عشيّة البحث في القانون، اضافة الى
ضرورة اتخاذ الموالاة موقفاً موحداً ازاء المعارضة، أدت الى الاجتماع. وخلال هذا
الاجتماع، عرض كل من الرؤساء وجهة نظره في ما يخص قانون الانتخاب: لماذا يؤيد
الرئيس بري قانون المحافظة؟ ولماذا يؤيد الرئيس لحود والوزير فرنجية القضاء؟ وطُلب
مني الادلاء برأيي. فقُلت حرفياً (هناك محضر اجتماع) أن علينا أن لا نستند في
تحليلاتنا الى أرقام انتخابات عام 2000، بل الى الأوضاع السياسية السائدة حالياً في
البلد. اذا أردنا أن نتحدث كحكم وموالاة، فإننا سنخسر الانتخابات سواء أُجريت حسب
المحافظة أو وفقاً للقضاء اذا لم يكن هناك عمل جدي لتنظيم الصف الموالي، كما يُنظّم
نظيره المعارض صفّه. فاذا تم الدخول في الانتخابات كفريق مشتت ستكون هناك هزيمة،
أما اذا توّحدت الصفوف فستكون هناك ظروف أفضل للنجاح. لا تتعلق المسألة بالقانون،
بل
الموالاة فائزة وخاسرة في كل صيغة بمقدار ما تُحسّن ظروف أدائها على مستوى
التحالفات أو تسيء اليها.
أعلى الصفحة
عودة لصفحة سي السيِّد
عودة لصفحة الملف
الأسود
|