(64 ق.م – 633م)
وفي سنة 64 ق.م، ونتيجة انتصارات القائد الروماني بومبي، احتل الجيش الروماني بيروت وسائر المدن، ليبدأ عهد جديد هو العهد الروماني. ودخلت بيروت في أوج عصورها.
بيروت {مستعمرة جوليا أغسطا السعيدة}
عرف الرومان ما تستحقه بيروت من الرعاية، وأنها لحسن موقعها، وسجايا أهلها الطيبة، قابلة للرقي والنجاح، فأخذوا يزينونها بالأبنية الفخمة. وفي عهد أغسطس قيصر نعمت بيروت بألطاف وهبات لم تنعم بها غيرها، فولى عليها القائد ماركوس أغريبا (Marcus Agrippa) بعد أن تزوج بابنته جوليا، فأقام في بيروت الدور الشاهقة والقصور. وقام بعده هيرودس الكبير (37-34 ق.م)، وهو الذي حاكم ولديه في بيروت، وقضى عليهما بالموت لخيانتهما العظمى، بعد أن استأذن سيده أغسطس قيصر.
وهكذا أصبحت بيروت تضاهي حواضر العالم الروماني، وقد كان ازدهارها سبباً في رفعها سنة 15 ق.م، على يد أغسطس قيصر، إلى مستوى {مستعمرة رومانية}، وورد اسمها على النقود باسم (Colonia Julia Augusta Felix Berytus)، أي مستعمرة جوليا السعيدة، وجوليا هي إبنته. كما خول أهل بيروت حقوق الوطنية. وهكذا أصبحت بيروت مركزاً إدارياً وتجارياً هاماً. ومما أكسب بيروت الأهمية التجارية في ذلك الوقت، تحسن ميناء بيروت في عهد أغسطس قيصر، بإضافة رصيفين على شكل هلال لهما أبراج في كل طرف، ويمكن أن تمتد منهما سلسلة لمنع دخول السفن غير المرغوب فيها.
وبما أن ملوك اليهود كانوا يتقربون من الأباطرة الرومان عن طريق منح الهبات للمستعمرات، فقد خصوا مدينة بيروت بكثير من عطفهم المادي. وشيّد فيها، أغريبا الأول (41-44م)، مسرحاً ومدرجاً وحمامات وأروقة، وأثناء التدشين جرت الحفلات الموسيقية. كما أدخل نحو سبعمائة زوج من المجرمين إلى الملعب وتصارعوا حتى ماتوا جميعاً. وجعل أغريبا الثاني، تُوفي سنة 100م، من بيروت مقره المفضل، وأقام فيها عدة تماثيل، كما بنى قصراً لإقامته، ومسرحاً فخماً تقام فيه الحفلات التمثيلية السنوية. وتحولت بيروت إلى مركز لتهنئة الإمبراطور فسباسيان بعد حروبه ضد اليهود.
ولم يبخل القياصرة بعد أغسطس قيصر على بيروت بالامتيازات، فإنهم أعفوا بيروت من دفع الجزية، ومنحوها الاستقلال عن حكم والي الولاية، فأصبحت كأنها دولة صغيرة ضمن الأملاك الرومانية في الشرق. وكان أهل بيروت يختارون ولاتهم وحكامهم دون تدخل العاصمة في شؤونهم. ومما ازدانت به بيروت، ساحة كبرى لاجتماع الجمهور، وملعب للملاهي العمومية، وأروقة مظللة للتنزه. وكان الرومان يقصدون إلى بيروت لترويح النفس، ويؤثرونها على سواها من مدن الساحل، لقضاء فصل الصيف في مشارف الجبل القريب منها وقد أشار صالح بن يحيى إلى هذه الآثار، فقال: {و مما يستدل على كبر بيروت وسعتها ما يجده الناس في الحدايق بظاهرها من الرخام، وآثار العماير القديمة ما طوله قريب من ميلين، أوله مكان يُسمى بليدة ودوقسيه غربي البلد، إلى مكان يُسمى حقل القشا مقارب النهر شرقي البلد}.