عيون لا ترى الشمس
وفي شقة سيلفيا الرائعة التي تطل على نهر الراين .. حيث البانوراما تخلب الألباب وتدير الرؤوس .. تذوقت أنوثتها العجيبة التي أنستني نوسة ولهيب حبها .. وبينما كنا عاريين نستريح
Ø سألتها: سيلفيا ماذا سأعمل معك؟
Ø أشعلت سيجارة وجذبت نفثاً عميقاً وقالت: التهريب .. !!
Ø قلت مستفسراً وقد تملكني القلق: تهريب. . ؟ تهريب ماذا؟
Ø وهي تنفث دخانها في وجهي: نحن ندخل الخمور والسجائر والساعات إلى ألمانيا الشرقية مهربة على الحدود.
قمت مسرعاً وارتديت ملابسي وأنا حانق . . واتجهتْ مباشرة إلى جوتن نخت وصعدت إلى مكتب المدير وتعجب الرجل لرؤيتي وتساءل وهو يهز رأسه:
Ø ماذا بك؟
Ø كان صوتي عالياً في استنكار وأنا أقول: تهريب الخمور والسجائر يا سيدي لن يبني لي مجداً أو يرفع من شأني . . إنه عمل تافه.
Ø تريد أن نزرع بك الجرأة ثم نوكل إليك الأهم والأكبر.
Ø لو لم أكن جريئاً ومثابراً ما جئت إلى هنا لا أملك مالاً أو لغة .. أنا لست سوى فدائي مغامر.
Ø في لهجة مليئة بالتحدي: أتريد أن تثبت لنفسك أنك مغامر. .
Ø فقلت في اندفاع الواثق: سيد هاوزن أريد أن أؤكد . . نعم أؤكد لكم أنني جريء لحد المغامرة .. وأريد أن أعمل وأكسب لا أن أخبئ بعض علب السجائر والعصير وأعبر بها كاللص إلى الناحية الأخرى من ألمانيا.
Ø قلت لك يا فؤاد أن تهريب السلع تمرين لك لا أكثر.
Ø تمرين على ماذا؟
Ø لمعت عيناه كعيني ثعلب ماكر وبصوت هامس قال: مهمة سرية جريئة ستكسب من ورائها نصف مليون مارك على الأقل .. إنه مبلغ خيالي قد تشتري به حياً بأكمله في الإسكندرية .. ماذا تقول؟
Ø جف حلقومي فجأة وانحبس صوتي وأنا أقول: اعتبرني قد تمرنت وأنا الآن جاهز للمهمة الكبرى . . أريد هذا النصف مليون ولو كلفني ذلك أغلى ما أملك .. وكل ما أملك.
Ø ابتسم هاوزن وأردف: أنت لا تملك شيئاً ولكننا نريدك أن تملك.
Ø أنا طوع أمرك يا سيدي.
Ø تناول الرجل كارتاً صغيراً وسلمه لي وهو يقول: إذهب غداً إلى هذا العنوان.
وقرأت: السفارة الإسرائيلية بون شارع .. فرمقته بنظرة غليظة وقد سرت بأوصالي رعشة .
Ø وقلت بصوت أجش: وما دخل إسرائيل في تهريب السلع إلى ألمانيا الأخرى؟
Ø في بون ستعرف كل شيء .. وسيدفعون لك بسخاء إذا تعاونت معهم.
Ø كان الخوف قد بدأ يساورني وقلت في تلعثم: تريدونني جاسوساً إذن؟
Ø أجابني بسرعة وكأن رده كان جاهزاً: إسرائيل ليست بحاجة إليك لتعمل جاسوساً .. فأنت لا تملك هذه الموهبة ولست بالشخص المهم الذي تستخلص منه معلومات سرية.
قبل مغادرتي مصر بوقت قريب قرأت في الصحف عن جاسوس مصري عاطل لا يعمل بالحكومة ولم يؤد الخدمة العسكرية فلماذا اختير جاسوساً وما الفائدة منه؟
اسمع . . طالما نحن في حالة حرب مع
العرب – فسوف ينظر إلى نياتنا بالريبة والشك ..
تشققت شرايين عقلي عندما نطقها صريحة .. وأحسست بأنني أترنح وأرتجف .. لكني استجمعت
قواي الخائرة في صعوبة وسألته:
Ø أنت إسرائيلي إذن سيد هاوزن؟
Ø أنا يهودي ألماني أحب إسرائيل والعرب وأحلم دائماً بالوفاق بينهما.
ودخلت سيلفيا مضطربة. نظرت إلى وجهينا تستخلص نتائج اللقاء . . ويبدو أنها فهمت جيداً أن شيئاً ما قد حدث. فهتفت سريعاً: أوه . . أيها المصري المراوغ . .
وأخرجت منديلها تمسح قطرات العرق على جبهتي. . وكنت لحظتئذ كتائه يبحث عن ملاذ . .
يملؤني إحساس غريب أحسه لأول مرة.
إنه مزيج من الخوف والطيش واللامبالاة . .
لملمت إرادتي ونزلت معها إلى الصالة فشربنا ورقصنا .. واستيقظت في الصباح لأجدها
عارية بجواري . . وجسدها الأفروديتي ينفث حرارة تلسع رجولتي .. لكنني كنت قد فقدت
الرغبة تجاهها وسافرت بخيالي إلى بعيد، إلى الإسكندرية، وهجم طوفان من الذكريات
والمشاهد واستسلمت هرباً من توتري واضطرابي. فطفت كالطائر فوق كازينو الشاطئ على
الكورنيش وتجولت بداخله. . واتجهت إلى الركن الذي شهد أروع لقاءاتي مع نوسة . .
فتحسست الموائد والمقاعد علني أتنسم عطرها. وعندما اتجهت طائراً إلى قلعة قايتباي .
. مدت سيلفيا يدها تداعب شعري ولكن هيهات .. لم تخرجني من رحلتي لمسجد سيدي بشر
الذي يطل على البحر من مرتفع . . فلكم جلست على أسواره أتفكر في مستقبلي المجهول
وحياتي الخاوية .. وكثيراً ما عرجت خلف المسجد حيث تقع المقابر فأنشد بعض الرضى
والصبر.
ياه . . هاهي أشجار التين البرشومي على ساحل العجمي تتناثر على مرتفعات التلال وصبيان يرعيان الماعز ويلعبان "السيجا". طفت أتذكر مراتع طفولتي وصباي. . برائحته الآزوتية يلفح وجهي نسيم البحر رطباً . . ويطير خيالي إلى محرم بك حيث بيتنا الجميل وضوضاء الباعة الجائلين .. وتوقفت عند يوم سفري حيث وجه والدتي النوراني والدموع تشق أخدودين على خديها . . وبحنان كبير تقبلني وتضمني إلى صدرها بحرارة . . وها هو يقف محزوناً . . لم أر والدي من قبل يبكي . . أشعره العجز عن تحقيق آمالنا بحسرة تنطق بها نبرات صوتها الحزينة.
وها هي هدير – صغرى شقيقاتي – تخلصت من أحضانها بمعجزة. . كانت تحس بمعاناتي أكثر من شقيقتي الكبرى التي وقفت تقول: دعوه يسافر .. فالسفر يحوله إلى رجل.
ودون وعي . . أزحت يد سيلفيا عن صدري ونظرت إليها في "زهق" فانتبهت .. ورفعت رأسها قليلاً لتلمح حبات دموع تعرف طريقها جيداً على وجهي . . وانتابتني رجفة خفيفة فضمتني إلى صدرها وقالت:
Ø علام القلق يا فؤاد؟ أنت لن تذهب إلى جهنم حتى تضطرب هكذا.
Ø أجبتها بصوت مبحوح مختنق: سيلفيا . . أنا فقط تذكرت أهلي في مصر.
Ø وهي تضغطني بشدة: عما قريب ستعود إليهم ومعك آلاف الماركات.
Ø ماذا يريدون مني مقابل هذه الثروة.
Ø أنا لا أفهم في السياسة. لكنهم بلا شك يعملون من أجل السلام وأمن إسرائيل.
Ø أنا أيضاً لا أحب السياسة ولا أفهمها. وما أذكره أن إسرائيل احتلت سيناء والضفة والجولان . . ولا أعرف بالضبط ما هي الضفة أو الجولان؟
Ø أعتقد أنك مصري مقامر . . لديك عزيمة المغامر وإصرار العنيد.
Ø ربما أكون كذلك وإلا ما جئت إلى هنا.
Ø قلت لي أنك جئت مديوناً .. أليس كذلك؟
Ø بلى .. جئت مديوناً. . وكنت أتسول مصاريف السفر ذليلاً. حتى والدي . . كان يعتقد بأنني سأخذله . . ولم يكن يثق فيّ للحظة.
Ø زوج شقيقتك قلت لي أيضاً أنه آلمك كثيراً وسخر منك.
Ø كفى . . كفى سيلفيا . . أريد ألا أتذكره. لقد رفض وداعي في المطار وقال باستخفاف سأذهب لاستقباله بعد عدة أيام قادماً بفشله.
Ø هجمت علي مشاهد الإذلال التي عشتها في الإسكندرية وأنا أبحث عمن يمد لي يده بجنيهات قليلة تعينني في سفري . . فامتلأ قلبي غيظاً وغضباً .. وسمعت سيلفيا تقول:
Ø فؤاد لا تحرق أعصابك فأنت مقبل على عمل هام يجب أن تستعد له بذهن صاف.
Ø نعم . . صدقت أيتها الملعونة . . وضممتها مداعباً خصلات شعرها الذهبي الناعم وقبلتها قبلة نارية طويلة وقلت: متى سنلتقي بهم في بون؟
Ø لم ترد علي فقد استغرقت قبلتها المجنونة وقتاً طويلاً .. ثم انتصبت جالسة فجأة وأخذت تضرب صدري بيديها وتصيح: من أي أرض أنت أيها الوحش؟
كانت حرارتها قد ازدادت اشتعالاً .. وتعمدت أن تغرقني في مستنقع الجنس ولا أفيق من خمره أبداً .. أنوثتها أسبغت عليها الخبرة أنوثة أقوى . . وبعد أن استرحنا قليلاً أدارت قرص التليفون وتحدثت مع هاوزن. . فلم أستطع فهم حوارهما حتى انتبهت إليها تقول: ميعادنا الثامنة مساء اليوم في بون؟
Ø نظرت في ساعة يدي وقلت: 75 كيلو متراً يقطعه الباص في ساعة تقريباً حتى بون يجب أن نصل مبكراً. أريد شراء ملابس جيدة من محلات جونتر الشهيرة .
استسلمت لمصيري . . وأغمضت عيني عن المخاطر التي تحدق بي .. فقد كنت كالتائه في الصحراء أكاد أموت عطشاً لو لم أنبش الأرض بأظافري لأشرب. وأخذت سيلفيا تسقيني جرعة زائدة من الثقة في نفسي. . وتؤكد على أنني حر ولا سلطان لأحد علي إلا المال الذي سوف يتدفق من حيث لا أدري. وتمادت في إيهامي بأنني شخصية مرموقة ومهمة حتى خيل إلي أنني رئيس الجمهورية العربية المتحدة. وبيدي حل أزمة الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط.