حوار مع جوني عبده
الجزء الثالث والأخير
غاب رفيق الحريري فيما المنطقة تجتاز مرحلة انتقالية؟
-
تكلمت عن رفيق الحريري انه قادر على قيادة الشعب وليس ان يقوده الشعب من ضمن
استراتيجية معينة لها علاقة بالمنطقة ككل، هناك مدرستان في اسرائيل، واحدة كانت
تقول انه يجب ان نقيم سلما مع العالم العربي وان تبقى الانظمة العربية كما هي اي
بمعنى الديكتاتورية، بمعنى التوتاليتارية. لماذا؟ لان الشعوب غير جاهزة للسلام مع
اسرائيل، بالتالي فإن القيادات هي التي تقود شعوبها وتجبرها على القبول بتسويات
سلمية في المنطقة. اما المدرسة الثانية فتقول ان هذه الطريقة لا تصنع لنا سلاماً
سوى مع الانظمة وليس مع الشعوب كما حصل مع مصر، بالتالي يجب نقل العالم العربي من
حالته الحاضرة الى حالة الديموقراطية حيث يمكن جداً ان يقوم سلام مع الشعوب وليس مع
الانظمة.
وهذا الرأي الثاني قبلته اميركا. وهذا أكبر خطر حصل على العالم العربي لسبب نعش
الحريري ملفوفاً بالعلم اللبناني. بسيط، هو ان العالم العربي كي ينتقل من وضعه
الحالي الى الديموقراطية سيقع في مطبات طويلة وعريضة وقع العراق في مثلها. حتى اذا
وصل الى نتيجة سيأخذ الامر بين 20 و30 سنة على الاقل، بالتالي ستحصل خضات في العالم
العربي كله. اسرائيل تتقدم ونحن نتراجع. والاميركيون قبلوا هذه السياسة الاسرائيلية
واعتبروا انه ربما نستطيع اقامة ديموقراطية في العالم العربي. حتى في لبنان حيث
هناك نظام ديموقراطي، على الأقل في ظواهره، هذا النظام ليس قادرا على إقامة سلام مع
اسرائيل ولو أقدمت سورية على ذلك، إلا في حال كان على رأس الدولة شخص يقول للشعب
وقعنا السلام وستسكتون رغماً عنكم، الى أن يستطيع ان يركز هذه التسوية على قواعد
متينة. النظام السوري الحالي الذي يبدي كل استعداد للتفاوض، لا يستطيع دخول تسوية
مع
اسرائيل اذا انقلب الى نظام ديموقراطي، بالتالي اذا كانت هناك فعلا مصلحة للعرب
وللبنان وسورية في قيام سلام عادل وشامل مع اسرائيل، لا بد من قيادات في العالم
العربي مثل القيادة السورية كي تستطيع تمرير هذه التسوية بقرار شخص وليس بقرار شعوب
واصوليات، وإلا بقيت الحروب والخصومات الى أبد الآبدين. لهذا السبب ما قاله جميل
السيد عن الديكتاتورية وعن وجود ديكتاتور عادل يجب ان لا يكون لأسباب داخلية، بل
لاسباب خارجية، كي يستطيع ان يتخذ قرارات استراتيجية مهمة هو مقتنع بأنها لمصلحة
شعبه، بالتالي يستطيع فرضها علىشعبه.
هل
يعني هذا انك متخوف من ان تكون الدعوة الاميركية الى نشر الديموقراطية
بداية مرحلة طويلة من زعزعة الاستقرار في المنطقة؟
-
طبيعي، لكنها للاسف لن توصلنا الى الديموقراطية الغربية التي يريدون. نحن ليس
عندنا هذا النوع من الديموقراطية.
نفهم من ذلك انك تعارض ان يصبح لبنان منبراً للمعارضة السورية؟
-
طبعاً، بالتأكيد. اي معارضة لأي نظام عربي ممنوعة، وبصورة خاصة سورية.
من
أجل سلامة لبنان؟
-
طبعا.
هذا
ينسحب ايضا على الاعلام بألا يكون منبراً ضد سورية؟
-
طبعا، يجب ان تكون هناك قوانين في لبنان قاسية جداً على الاعلام بحد ذاته.
ولست خائفا ان يتهموني بأنني أريد ان اضبط الحريات، هذا ليس صحيحاً، الحريات يجب ان
تكون مسؤولة، وأي خربطة ضد النظام السوري انطلاقا من لبنان تعني ان الديموقراطية
عندنا مستخدمة لأذى الآخر، ونحن لسنا هكذا. نحن لا نقول بعدم انتقاد فلان او فلان
على ما يفعل، بل ان لا يكون الانتقاد لنظام اختاروه هم، فما علاقتنا بهذا
الموضوع؟
هل
يعني ذلك ان نترك مسألة النظام السوري للسوريين والمصري للمصريين؟
-
طبعا، والفلسطيني للفلسطينيين بصورة خاصة. يسألونني كثيراً في الصحافة عن رأيي
في
موضوعي العراق وفلسطين فلا أجيب، ليس من اختصاصي اعطاء نصائح وتنظيرات عن
العراق، انا أقول فقط انني مع ما يتفق عليه العراقيون ومع ما يريدونه، وكذلك الامر
بالنسبة الى الفلسطينيين والمصريين وسواهم، وإلا كيف استطيع ان افرض موافقتهم على
ما
نتفق عليه؟ اذا تدخلنا في شؤون الآخرين يعني اننا نسمح لهم بالاعتراض على ما
نتفق عليه.
ألم تزر سورية أبداً؟
-
بلى، أكثر من مرة، والتقيت مسؤولين سوريين.
متى؟
-
من
زمان، أول ما تسلم الرئيس الياس الهراوي منصبه طلب إذنا خاصا من الرئيس
الراحل حافظ الاسد بأن يستطيع مقابلتي، لانه كان مقيماً في البقاع، وكان يعرف انني
من
المغضوب عليهم، وكان يخشى ان يكلفني الامر حياتي اذا زرته. حتماً لم أكن لأذهب
لان الذهاب الى البقاع كان عن طريق سورية. ذهبت بطائرة رفيق الحريري الى دمشق،
والتقيت عبدالحليم خدام وحكمت الشهابي وذهبت لاحقا بسيارة حكمت الشهابي الى أبلح
للقاء الرئيس الهراوي، وكان يومها بحاجة الى ان أخرج من اللقاء وأعلن ان لا شرعية
سوى شرعيته.
بمن
التقيت هناك؟
-
رأيت اميل لحود.
وهل
كانت هذه المرة الأخيرة التي تلتقي فيها لحود؟
-
اعتقد بأنها المرة الاخيرة، نعم.
متى كانت آخر مرة شاهدت فيها الرئيس الحريري؟
-
كان في فرنسا قبل أربعة او خمسة ايام من جريمة الاغتيال، والتقيته في منزله
هناك.
هل
كان خائفا؟
-
كلا، حاولت ان أخيفه فلم يخف. قلت له سيغتالونك فلم يخف. كانت هناك
تطمينات.
هل
أنت متأكد انهم طمأنوه؟
-
نعم طمأنوه، اخبرني بذلك. قالوا له لا تهتم إذ تم تنبيه الجميع الى انه لا
يمكن المسَ بك ولا بوليد جنبلاط. طبعا طمأنة الفرنسيين والاميركيين كانت أقوى من
تخويفي له وكان طبيعياً ان يميل الى تصديقهم.
هل
شهد أحد غيركما هذا الحديث؟
-
نعم كان هناك آخرون. طبعا كان يمنعني من ان اتحدث امام زوجته عن موضوع الخطر،
لم
يكن يريدها ان تخاف، ولكن كان هناك اكثر من شخص موجودين أثناء حديثنا.
متى تعرفت الى الحريري للمرة الاولى؟
-
تعرفت اليه في القصر الجمهوري، عند وديع حداد مستشار الرئيس امين الجميل، وقال
لي
هل تقلني معك؟ ونزلنا سوياً الى منزل الياس الهراوي.
هل
تفتقد رفيق الحريري الذي كان يأتي الى باريس؟
-
حتى الآن لا أزال غير مصدق انه مات، وهذا يجعلني مشوشا قليلا. اتحدث كثيراً مع
اصدقاء وبينهم بازيل يارد، فيقول لي أحياناً عندما انتقد بعض الامور: "لم تستفق
بعد. رفيق الحريري مات وانت تظن انه لا يزال حيا. يجب ان تفكر على اساس انه توفي،
وإلا ضاعت افكارك".
من
أبلغك خبر مقتله؟
-
في
البداية قالوا لي ان هناك انفجارا قويا وقع قرب الفينيسيا، اتصلت فورا
ببازيل يارد وقلت له أين الحريري، قال لماذا، فأخبرته بأمر الانفجار. اجرى اتصالاً
ثم
عاود الاتصال بي وقال ان الحريري في البيت، فسألته من أخبره عن ذلك وهل تحدث
معه، فقال لا بل عامل المقسم هو من قال لي انه في البيت. اتصلت بصديقي الضابط ريمون
معلوف وقلت له ان يبحث عن وليد جنبلاط لانني كنت استنتجت ان الحريري سالم، وسرعان
ما
اتصل بي وقال لي ان جنبلاط في منزله. فصرت اتساءل إذاً لماذا المتفجرة قرب مصرف
بريطاني؟ وبعد قليل جاء اول خبر يفيد ان بعض عناصر مرافقة الحريري اصيبوا. كان عندي
صديق يدعى سليم حسن فسألني رأيي فقلت له "العوض بسلامتك لانه لو كان الحريري حياً
لتحدث عبر التلفزيون... لا بد انه قتل". تركت مكتبي وتوجهت الى المنزل حيث فتحت
التلفزيون وكانت فضائية "المستقبل" لا تقول شيئاً وفضائية "إل بي سي" تقول ان
الانفجار استهدف موكب الحريري، وبعد قليل أعلنوا انه توفي.
هل
تخشى ان يكون الاضطراب الحالي في لبنان فرصة للارهاب الدولي ليستخدم
ايضا الساحة اللبنانية؟
-
ليست مجرد خشية، بل انا متأكد من ان الوضع الذي نعيشه والتأزم في العلاقة مع
سورية يجعلان هذا النوع من الارهاب يفتح المجال امام ارهاب دولي كبير. قرأت في حديث
جميل السيد ان الأصوليات لا تتربى في لبنان، هذا ليس صحيحا بل يمكنها ان تتربى فيه،
الأصوليات تنمو في لبنان أكثر من بلاد أخرى، لأن النظام يتمتع بحريات أكبر. قد يكون
نموها بطيئاً، لكنه يصبح في وقت لاحق سريعاً الى درجة تفاجئ جميع الناس بمدى تورط
الارهاب الدولي. والأصوليات أخطر شيء على لبنان الذي يعرف أن الهدف الاستراتيجي
يكمن في توريط "حزب الله" بعمل داخلي يؤدي الى فتنة تلهيه. ويقضي هذا الهدف أيضاً
بأن تكون علاقتنا بسورية مبنية على تجاهلها. وعندما يكون هناك تجاهل سوري ونية
اسرائيلية، يتشكل خطر كبير، فيقال: "أيهما أخطر نفوذ ما، أو فتنة".
هل
تتفق مع من يقول إن الأجهزة الأمنية باتت ضعيفة الى درجة يصعب عليها ضبط
الأمن في لبنان؟
-
ليست (المشكلة في) الأجهزة الأمنية بل السياسة. واذا نظفنا الأجهزة الأمنية
كما نريد،
أي
أن نجعلها تنفذ سياستنا، هل ستكون سياستنا عدائية لسورية؟ ونطلب من
الأجهزة تنفيذ هذه السياسة ليتسنى لنا القول إن لبنان "بألف خير". الأجهزة الأمنية
يجب أن تخضع للسياسة اللبنانية الكبرى، واذا كانت الأخيرة عرجاء في العلاقة
اللبنانية - السورية سينعكس ذلك على الأجهزة في موضوعي أمن لبنان وسورية. فهل
يمكننا القول إن لبنان بألف خير؟ أقول مجدداً: لن يكون كذلك.
المهم في الأساس السياسة التوافقية، واقناع سورية بها. ويمكن أن لا تقتنع دمشق
التي تعتبر أن اللبنانيين غدارون، لأنهم عندما جاء الاميركيون والفرنسيون اليهم
تخلوا عنها كلياً. ولا يمكنك أن تلومهم بالمظاهر التي تحصل. هل يمكن أن تقول
للسوريين إننا لا نؤيد المظاهر في الشكل الذي تعتقدون به؟ بل بالعكس، هل سنستخدم
الأجواء الدولية المواتية للبنان ضد سورية أو نفتح أبواب المجتمع الدولي لسورية؟
اذا كانت سياستنا أن نغلق الأبواب ونترك أميركا تواجه سورية، فهذا أكبر خطر على
لبنان. عن قناعة، أقول: إما أن يكون لبنان وسورية منفتحين على المجتمع الدولي وإما
ننفذ سياسة خارجية من حيث لا ندري.
هناك حديث في لبنان عن تطبيق القرار 1559، وتحديداً سلاح "حزب الله". كيف
تنظر الى هذا الأمر؟
-
في
رأيي أن تطبيق الطائف قد يكون أقسى من 1559 في ما يتعلق بسلاح المقاومة،
لأن لدى الطائف آلية تنفيذ تنص على ارسال الجيش الى الحدود الجنوبية. فكل القرارات
الدولية بدءاً بالقرار 425 لا تنص على ذلك، انما تطالب باستعادة سلطة الدولة
اللبنانية على جنوب لبنان، الأمر الذي قد يحصل عبر قوى الأمن الداخلي ومؤسسات
إدارية. أما اتفاق الطائف فيقول حرفياً: إرسال الجيش الى الحدود الجنوبية والتعاطي
بهذا الموضوع وفقاً لاتفاق الهدنة الذي يمنع السلاح على جانبي الحدود. وارسال الجيش
الى الجنوب يعترض عليه "حزب الله" وكثير من الناس. لدي نظرية مهمة: لا يمكن
اللبنانيين ولا العرب ولا أحداً في الدنيا أن يجبرنا على أن نثق باسرائيل وألا نثق
بالمقاومة. بمعنى أن نزيل المقاومة ونترك اسرائيل التي يقولون لها متى تهاجم أو لا
تهاجم. أن تخترق أو لا تخترق. عندما نجد منظومة رادعة يمكنها تطمين اللبنانيين وكل
الناس من اختراق اسرائيلي جواً وبحراً وبراً، يكون سلاح المقاومة موضوع تفاوض.
ولكن، لا يمكن أن يكون سلاح المقاومة موضوع تفاوض، اذا لم نجد هذه المنظومة
الردعية.
كانت هناك قوات دولية في الجنوب، وحصل الاجتياح الاسرائيلي عام 1982. فاذا سحبنا
سلاح المقاومة نكون كذبناها وصدقنا اسرائيل. هذه منظومة أساسية ردعية.
انما على "حزب الله" أن يثبت للبنانيين أنه حزب لبناني وليس شيئاً آخر. باستشهاد
نجله على الحدود الجنوبية دفاعاً عن لبنان ومقاومة لاسرائيل، قدم حسن نصر الله أكبر
تضحية. لا يمكن "حزب الله" أن يدافع عن أولاد المسؤولين السارقين. لا يقدر أن يبدأ
بالتحرير والاستقلال ودحر الاحتلال الاسرائيلي، ثم يعطي انطباعاً في الداخل بأنه ضد
"انتفاضة
الاستقلال". على "حزب الله" أن يلبنن ذاته وألا يكون على علمه اسم
"المقاومة
الاسلامية في لبنان"، بل يجب أن يغيرها لتكون "المقاومة الاسلامية
اللبنانية". فالأولى تعني أن الحزب جزء من المقاومة الاسلامية في العالم، موجود في
لبنان. وهذا لا يقبله اللبنانيون ويجب أن لا يقبله "حزب الله". الحزب لبناني بحت
وخلق للبنان منظومة تردع أي اختراقات اسرائيلية. فاسرائيل تفكر مئة مرة قبل أن
تهاجم لبنان بسبب وجود هذه المقاومة. وممنوع أن يبحث أحد في سلاح المقاومة، قبل
ايجاد هذه المنظومة الردعية التي تطمئن اللبنانيين الى أن اسرائيل لن تتعدى وتخترق
جنوب لبنان. هذه هي الحقيقة. جلّ ما في الأمر أن على الحزب أن يثبت لبنانيته وليس
تلقي الأوامر من الخارج.
هل
تعتقد بأن موضوع إقالة الرئيس اميل لحود ذهب الى غير رجعة، بحكم
التوازنات التي أفرزتها الانتخابات النيابية؟
-
هذا سؤال يُسأل حقيقة. فإذا سرنا وفقاً للطرق الدستورية، لا يمكن أحداً أن
يقيل الرئيس لحود. حتى لو وقع 128 نائباً على ذلك، يمكن الرئيس لحود عدم التوقيع
على التعديل. أما الأمر الذي يثير القلق، بالنسبة الى الطوائف في لبنان، فهو ان
رئيس المجلس شرعي ولا غبار على شرعيته، ورئيس الوزراء المكلف شرعي، وتبقى علامات
استفهام حول شرعية رئيس الجمهورية ووجوده. فيأتي رؤساء الدول وممثلوها الى لبنان،
ويزورون جميع المسؤولين الا رئيس الجمهورية، وكأنهم يقولون لنا أن رئيس الجمهورية
المسيحي ليس شرعياً. أنا كمسيحي، أتساءل كيف يكون ممثل المسيحيين في الحكم، اذا جاز
التعبير، لأنني أكره هذا الصنف من الكلام، رئيساً غير شرعي أو مشكوكاً في
شرعيته؟
مشكوك في شرعيته لأن التمديد حصل بالاكراه أم لا؟ لأن أول بند في القرار 1559
يقول: لا تتلاعبوا بالدستور. فعدلنا الدستور ومددنا لرئيس الجمهورية. فلتأت لجنة
عدلية دولية وتقول لنا ان حصل التمديد بالاكراه أم لا. فاذا لم يحصل بالاكراه،
عندها نثبت شرعية رئيس الجمهورية ويأتي جميع الناس لزيارته. أطلب أن تكون هناك لجنة
عدلية دولية لأن المجتمع الدولي لا يقر بشرعية رئيس الجمهورية. واذا حصل التمديد
بالاكراه، فعلى رئيس الجمهورية أن يقدم استقالته ويرحل. واذا لم يكن هناك اكراه،
فليكمل مدته للنهاية.
هل
تؤثر محاولة اغتيال المر في هذا الموضوع؟
-
لا
أعتقد. هناك من يرغب في القول إن رئيس الجمهورية مستهدف في هذه العملية.
لكنني أقول أن الوزير المر له حيثية كافية منفصلة عن كونه صهر الرئيس، تجعل منه
رجلاً مستهدفاً. فهو رجل جريء قام بأعمال جريئة في مواضيع عدة، خصوصاً موقفه الأخير
المتمثل برفضه دخول الوزارة لأن هناك ضغوطاً لئلا يكون وزيراً للداخلية. وهو يعرف
من
أخرجه من وزارة الداخلية. وعندما سألوه عمن يتهم في محاولة اغتياله، قال في
تصريحات: "الذين أخرجوني من الوزارة". بالتالي للمر حيثية أخرى غير كونه صهر رئيس
الجمهورية، وليس صحيحاً أنها صفته الأولى.
في
حساباتك الشخصية، هل تعود الى البلد وتعيش فيه؟
-
لا.
وهل تتوقع أن تتخذ قراراً من هذا النوع في المدى القريب؟
-
لست أنا الذي اتخذ قراراً في هذا الموضوع، بل على اللبنانيين اتخاذ قرار
بالوفاق في ما بينهم والحوار مع سورية واقناعها بأننا لسنا ضدها وجعل الوفاق
اللبناني - اللبناني لمصلحة الوفاق اللبناني - السوري.
وعندها، يمكن القول إن هناك استقراراً في لبنان. اليوم، يتخذون اجراءات أمنية
حول النواب. أنا أسميها "خبط عشواء". نرى كيف نحمي فلاناً وغيره، لكن الأمن مناخ.
هذه الاجراءات تشكل 10 في المئة من الأمن، وبقية الحماية تتكون من سياسة
ومعلومات.
هل
تتفق مع القول إن ركائز الاستقرار تكونت من التحالف مع سورية ودعم
المقاومة، وأن القرار 1559 هز ركائز هذا الاستقرار؟
-
القرار 1559 ساهم في خروج الجيش السوري بهذه الطريقة التي لم يحبها أحد على
الاطلاق. وهذا القرار جعل المجتمع الدولي يغط على هذا البلد. وهذا القرار والتمديد
في
صورة خاصة أديا الى تدهور الأمن وسيدخل الارهاب الدولي مجدداً كما أدخل القرارات
الدولية واشتراك الدول (في صنع القرار) لمصلحتها وليس لمصلحة لبنان.
أنت
قريب من عائلة الحريري وصديق لها. كيف تقوم تجربة سعد الحريري؟
-
تجربة سعد فاجأتني بنجاحها لأنني أعرف أن والده كان لا يتيح له كثيراً التعاطي
بالسياسة. كان يرسله أحياناً في مهمات سياسية الى باكستان وغيرها. هذا الشاب لم يغص
في
تفاصيل السياسة اللبنانية، لكنه استوعب الأمور في سرعة وأدى نجاحاً. ولو كان
والده حياً لحقق النجاح ذاته بلا شك. لكن سعد الحريري حقق نجاحاً كبيراً خلال ثلاثة
أشهر. كان نجاحاً باهراً بالفعل، وأصبح سعد الرجل الجامع بين اللبنانيين ويتعاطى مع
كل
الفرقاء، كأنه مؤمن كلياً بأن الوحدة الوطنية تشكل الجدار المانع للفتنة في
لبنان. ونجاح سعد في تحقيق ذلك في هذه الفترة القصيرة يُعد انجازاً كبيراً. وأعتقد
بأن سعد أطال الله عمره سيكون عماداً في الأساس والبنية الوطنيتين.
هل
تعرفه منذ زمن طويل؟
-
أعرفه منذ 23 عاماً، أي عندما كان في الـ13 من عمره.
هل
تعتقد بأن مفاعيل تظاهرة 14 آذار (مارس) المليونية، ذهبت؟
-
اعتقد بأن سعد الحريري قدم حسابات الوحدة الوطنية وتماسكها على حساب حق
الأكثرية في أن تحكم. طبعاً هناك حديث عن تسويات وتنازلات. شعوري ان سعد الحريري
اعتبر المسألة عملاً وطنياً يستحق بعض التضحيات لأن التحديات التي يواجهها لبنان من
الاغتيالات الى المشكلات والاستحقاقات الاقتصادية، تحتاج الى ارادة لبنانية جامعة
لمواجهتها. يمكن القول ان بعض مفاعيل 14 آذار بدأ في الذوبان. أنا ارى ان خطأ حصل
في
عملية تشكيل الحكومة. تمت وكأن السوريين لا يزالون موجودين. قبل الوجود العسكري
السوري كانت الكتل تستشار، لكنها لم تكن تسمي شخصاً واحداً لمقعد وزاري بل كانت
تطرح ثلاثة أو اربعة أسماء. بدت الصورة وكأن لا أحد يشارك رئيس الجمهورية ورئيس
مجلس النواب في صلاحياتهما، ولكن حين جاءت صلاحيات رئيس الوزراء تقدم الجميع
للمشاركة فيها. طبعاً صلاحياته تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية ولكن من
دون ان تضعه كل كتلة أمام خيار وحيد. السوري كان يفرض التشكيلة الحكومية. الآن لا
أحد يفرضها.
تركت مديرية المخابرات قبل 23 عاماً، لماذا بقيت على المسرح وكيف؟ ما هو سر
قوتك الذي أبقى هاجس جوني عبده موجوداً لدى المسؤولين؟
جوني عبده. - اشكرهم من كل قلبي على الروايات التي ينسجونها حول دوري، فلولاها
لما كنت موجوداً. اعطيك مثلاً. كلما أجريت حديثاً تلفزيونياً كان همّ الأجهزة
الأمنية لا ان ترد عليّ، بل ان لا يعلق أحد عليها. سر قوتي؟ لا أعرف. بلا شك
لعلاقتي مع الرئيس الحريري دور. ولعلاقتي مع الرئيس الهراوي دور على رغم ان العلاقة
اصيبت بالبرود بعد سنتين من توليه، وصارت البطولة ان يدعوني الى الغداء. طبعاً تعرض
الهراوي لضغوط. وحين كنت سفيراً في فرنسا قيل لي ان الرئيس الهراوي سيدعو الى جلسة
لمجلس الوزراء لاقالتك وقلت يومها للرئيس الحريري: "اذا كان قبضايا فليفعلها". أنا
متابع للأوضاع ولدي تجربتي السابقة.
هناك من يقول انك أسقيت من الكأس التي أسقيت الآخرين منها، أي تنصت على
أناس ثم تنصتوا عليك وضايقت أناساً ثم ضايقوك؟
-
أعود مجدداً الى حديث السيد، قال انه لم يضر أحداً. هذا كلام يقوله كل مسؤول
أمني وكل مدير مخابرات. انا أقول ان العنصر المهم في الموضوع هو التزام معايير
أخلاقية صارمة، خصوصاً في مسائل التنصت. قلت لك انهم لاحقوني في خصوصيات. يوم كنت
في
المخابرات وبفعل التنصت كنا نحصل على معلومات عن خصوصيات ولكن لم يحدث ان هددنا
سياسياً بمعلومات شخصية. لم نفعل هذا. كان التنصت بالنسبة لي لوحة للوضع السياسي من
دون ان اهتم بالعلاقات الشخصية الحميمة لفلان أو فلان. اذا سئلت عن فلان اعرف
توجهه، ولكن لا أقول شيئاً عن صداقاته النسائية أو غيرها.
هل
تنصتم على رئيس الجمهورية؟
-
ذات يوم طلبت من الرئيس الياس سركيس السماح لنا بوضع القصر الجمهوري على
التنصت. سألني عن السبب فأجبت بأن هناك معلومات عن ان أشخاصاً يتصلون من القصر
لمتابعة مسائل خاصة بهم، ونريد ان نعرف من هم. وافق. بعد ثلاثة أيام استدعاني
الرئيس وطلب مني وقف التنصت قائلاً ان مجرد معرفته بالتنصت سببت له ارباكاً في
الحديث على الهاتف. وطبعاً أوقفنا التنصت. كان محظوراً علينا التنصت على شخصين هما
رئيس الجمهورية وقائد الجيش. كان من الممنوع ان تنقل اليّ الشتائم التي تستهدفني
وتعرف بواسطة التنصت. فأنا انسان ونقل الشتائم اليّ قد يؤثر على موقفي من هذا الشخص
أو
ذاك. أنا ايضاً لم أكن اطلع الرئيس على الشتائم التي تستهدفه كي لا يتاثر قراره
باعتبارات شخصية. على سبيل المثال كان الرئيس سليم الحص ينتقد رئيس الجمهورية
باستمرار. لم ننقل الى الرئيس سركيس مثل هذه الانتقادات.
هذا يعني انكم كنتم تتنصتون على رئيس الحكومة؟
-
لا. رئيس الحكومة لم يستهدف بالتنصت، ولكن، يمكن ان يتصل بشخص هاتفه موضوع على
التنصت. ثم اننا أحياناً كنا نريد معرفة دقة المعلومات التي ينقلها شخص الى كل من
رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
التنصت يحتاج الى تدريب وقراءته ايضاً. سأكشف لك مسألة هي ان ثلاثة مخبرين لدينا
قتلوا في بيروت الغربية بسبب عدم تقنية المعلومات لدى رئيس الحكومة. كنا نكتب ان
المسالة خطيرة وان الاشارة اليها قد تكشف المخبر. الرئيس الحص لم يكن معتاداً على
هذه المسائل. لنفترض انه مجتمع بياسر عرفات ومرت مسألة تتعلق بمعلومات وصلته فقد
يشير الى هذه المعلومات لتأكيد ما يقول وطبعاً من دون أي رغبة في الحاق أذى بأحد.
لهذا السبب وبعد مقتل الثلاثة أوقفنا الإخبار السري عن رئيس الحكومة. الرئيس شفيق
الوزان شرحنا له ما حصل سابقاً وزودناه بالمعلومات، ولم يستخدمها الا في تشكيل نظرة
الى الأمور.
اتهمت
مديرية المخابرات في عهدك بإرسال سيارات مفخخة.
-
ذات يوم استدعاني الرئيس سركيس. قال لي: انفجرت سيارة في مركز "جيش لبنان
العربي" (كان منشقاً عن قيادة الجيش اللبناني ابان حرب السنتين) وكل الناس يقولون
انك انت ارسلتها فهل هذا صحيح؟ لم أجب. سألني: لماذا لم تجب. ألح فقلت له ان لا
علاقة لنا بالأمر، وهو صحيح. ثم شرحت له اننا لا نريد ان نؤكد أو ننفي للمحافظة على
قدر من توازن الرعب. اذا كشفنا اننا لا نستطيع توجيه ضربات مؤلمة ستصير كل مراكز
الدولة هدفاً لتفجيراتهم. يجب أن نبقي لديهم اعتقاداً بأننا نضع سيارات مفخخة كي
نحمي هيبة الدولة، أي كي نخيفهم ونردعهم، ومن دون ان نضع مثل هذه السيارات. لو كنا
في
فرنسا أو سويسرا أو غيرهما كان يجب ان نسارع الى كشف ان المخابرات لا تقوم بهذا
النوع من الاعمال. في بلد منقسم وفي حالة حرب، على الأجهزة الرسمية ان تحاول ترميم
هيبة الدولة والاحتفاظ على الأقل، بصورة القادر على رد الضربات بمثلها. اقول هذا
للأسف.
الآن وبعد مرور الوقت أقول: لم نقدم مرة على أي عمل يلحق ضرراً بحياة المواطنين.
ولا مرة. خطفنا أناساً تحت ستار اننا قادرون على القتل والتفخيخ. خطفنا من كان خطفه
مبرراً للحصول على معلومات.
ذات يوم كنت في منزلي وتبلغت ان اطلاق نار من عناصر فلسطينية استهدف ضابط
المعلومات في الجيش اللبناني في الجنوب قاسم سبليني واصيب بجروح. كنا نريد نقله الى
بيروت للعلاج والطرقات مقطوعة بالحواجز وخفنا ان يقتل على الطريق. اتصلت بصلاح خلف
(ابو
اياد) عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" وخاطبته بلهجة قوية قلت له" أريد ان
أبلغك شيئاً اذا لم تأخذه في الاعتبار تكون أنت المسؤول. اذا تعرض قاسم سبليني لأي
شيء خلال نقله من الجنوب الى بيروت انصحك وانصح الآخرين بمن فيهم رئيسك (ياسر
عرفات) بأن لا تناموا في بيوتكم". سمعت زوجتي الحديث وراحت ترتجف. أحضرنا قاسم
سبليني ولم يتعرض لشيء، وعرفت ان قادة المنظمة لم يناموا في منازلهم على مدى
ليلتين. أوردت هذه الحادثة لأقول ان الدولة تحتاج في الظروف الصعبة الى ممارسة
الهيبة. كانوا يسألونني عن السيارات المفخخة فكنت أبقي الغموض قائماً، ولكن اقول
اليوم اننا لم نضر أحداً من المواطنين اللبنانيين.
خطفنا اشخاصاً وحققنا معهم، وبينهم قاتل السفير الاميركي فرنسيس ميلوي. لا أنكر
ان
مسؤولو التحقيق مارسوا ضغوطاً نفسية وجسدية احياناً من أجل كشف جريمة أو خطة،
ولكن لم تحدث تصفيات، للأسف بلادنا عنيفة وبعض الأساليب المعتمدة في الغرب قد لا
يصلح دائماً عندنا.
هل
تعتبر تطبيع العلاقات مع سورية شرطاً للاستقرار في لبنان؟
-
من
دون أدنى شك؟ يجب ان ننجح كلبنانيين في اقناع سورية بأن الوفاق بين
اللبنانيين في لبنان مستقل، ليس موجهاً ضدها، وبأن لبنان حريص على مصالح سورية كما
هو
حريص على مصالحه. كذلك يجب ان يؤكد الجانب اللبناني انه لن يسمح بأن تكون
الاراضي اللبنانية منطلقاً لأي عمل يضر بسورية ومصالحها وأمنها، وان لبنان لن يسمح
باندلاع فتنة تبدأ على ارضه وتنتهي في سورية. على لبنان القيام بكل ما يطمئن سورية.
اقول اكثر من ذلك على رغم تمسكنا بالحريات الاعلامية يجب ان تكون هناك تشريعات تحول
دون اي حملات اعلامية انطلاقاً من لبنان لتغيير النظام السوري، موضوع النظام في
سورية يجب ان يترك للسوريين، تماماً كما يجب ترك موضوع النظام اللبناني
للبنانيين.
وهنا اريد ان اقول للسوريين ان لا يرتكبوا خطأ الاعتقاد بأن ما يفعلونه في لبنان
او
المنطقة سيؤدي الى قيام حوار بينهم وبين الاميركيين أو الغرب عموماً. اذا حصل
تغيير جذري في العقلية السورية في التعاطي مع لبنان، وتم ترسيخ الوفاق اللبناني
-
اللبناني والوفاق اللبناني - السوري، فإن هذا التغيير يمكن ان يفتح العلاقة مع
الغرب. في اعتقادي، الغرب يراقب كيف تتعاطى سورية مع لبنان. واذا كان لبنان هو
السبب الذي خرب العلاقة بين سورية وكل من الولايات المتحدة وفرنسا، فان لبنان هو
الذي يعيد هذه العلاقة، اذا تمكن لبنان وسورية من اقامة علاقة مميزة فعلا. قصة ان
سورية لا تهادن لبنان الا بعد توسط اميركا او فرنسا خطأ يجب تلافيه. بواقعية اقول،
الحل هو مع سورية شرط ان نقنعها وأن تنتهج بدورها سياسات مقنعة. الاهتمام الدولي
الحالي بلبنان ربما يكون موقتاً، لأسباب لا تتعلق بلبنان وحده.
|