غضب كنعان
فعندما اشتد الخلاف بين كنعان والسيد لأن الأخير فتح خطاً مباشراً على دمشق وبات يتجاوز بعض الاحيان غازي كنعان في عنجر صمم الاخير بالاتفاق مع اميل لحود على خلعه واتصل برستم غزالة في بيروت ليطلب منه منع جميل السيد من حضور اجتماع الامن المركزي الذي يعقد اسبوعياً برئاسة وزير الداخلية وحضور قادة الاجهزة اللبنانية والسورية في بيروت فاتصل أبو عبدو بالسيد وأبلغه قرار كنعان فعاد السيد من منتصف الطريق الى مكتبه ممتنعاً عن حضور هذه الاجتماعات الى ان سويت مشكلته مع كنعان. يومها تدخل اثنان لمنع نقل جميل السيد هما وليد جنبلاط وحزب الله بشخص امينه العام السيد حسن نصرالله.
اشارة جنبلاط
ذهب وليد جنبلاط الى دمشق للقاء مع الرئيس بشار الاسد واثناء الحديث تحدث عن اميل لحود والى ان الرئيس اللبناني يحيط نفسه بعضلات مصطفى حمدان وعقل جميل السيد، فالتقط الاسد الاشارة وخاف على اميل لحود اذا تم ابعاد السيد.
وواسطة حسن نصرالله
وكان السيد الاكبر حسن نصرالله زار دمشق سراً طالباً موعداً عاجلاً من الرئيس بشار الاسد الذي يكن مودة شخصية عميقة جداً لأبي هادي فاستقبله ليسمع منه طلباً بالإبقاء على جميل السيد في مكانه لأن المقاومة لا تستطيع الاستغناء عنه تحت أي ظرف.
اشارة جنبلاط الذكية وواسطة نصرالله المباشرة دفعتا بشار الاسد لأن يوعز بزيارة جميل السيد الى غازي كنعان للإعتذار منه، فاستقبله غازي بعد ان سمع بما جرى في القصر الجمهوري وطوى صفحة مع جميل السيد وأعاده الى حضور اجتماعات مجلس الامن المركزي الاسبوعية.
كان هم اميل لحود الاول ان يحكم وان يزيل من دربه كل من يعترض سبيله او يحجم مكانته كرجل اول بغض النظر عن الدستور او القانون او الاعراف، وكان يعتبر ان رفيق الحريري هو العقبة التي لا بد من التخلص منها.
وبدأ إميل لحود بالتفاهم مع الجانب السوري استعراضاً للقوى يؤكد فيه مفهومه للسلطة المقبلة في لبنان واتفق الطرفان بتخفيف الحساسية على ان يتولى الجانب السوري وحده هذه العملية فأبلغ العميد غازي كنعان في حينه الرئيس رفيق الحريري ان لمستشاره السياسي والاعلامي نهاد المشنوق اتصالات بجهات إسرائيلية وانه أمام واحد من أمرين: إما ان يتعرض للتحقيق من جانب السلطات اللبنانية وإما ان يترك عمله ويغادر لبنان.
كانت الخطة تقول بأن فقدان الحريري لمساعده الرئيسي والأقرب إليه درس لرفيق الحريري أولاً ولكل الذين يفكرون في التجرؤ على عهد إميل لحود، وما حصل بالفعل انه تم تطبيق البند الثاني حين نفي نهاد المشنوق لمدة ثلاث سنوات خارج لبنان ونفي رفيق الحريري نفسه لمدة سنتين خارج رئاسة الحكومة (1998 – 2000).
عمل لحود مع جميل السيد على تحجيمه قبل ان يصبح لحود رئيساً للجمهورية وكان قائداً للجيش، فحرّم عليه ان يدخل ملعب الجيش وجعل لحود المؤسسة العسكرية في معركة مستمرة مع الحريري وبالاستناد دائماً الى جميل السيد وقدراته وافلامه وأهمها الطعن والتحريض على الحريري دون الطبقة السياسية التي كلف السيد سورياً بتدميرها وابتداع طبقة اخرى بديلة عنها حملت الى مجلس النواب ومجلس الوزراء حثالات من البشر ليحكموا ويشرعوا؟!!.
ثم لما اصبح لحود رئيساً للجمهورية لم يتورع عن بدء عهده بمعركة اقصاء حاسمة للحريري عن تشكيل اولى حكوماته، في اول جلسة عقدها مع الرئيس حافظ الاسد في مطلع شهر كانون اول/ديسمبر 1998.
قال الاسد في هذه الجلسة ان رفيق الحريري هو أنسب من يتعاون معه لحود لتشكيل حكومة العهد الاولى ليبدأ بداية صحية يحتاجها لبنان للخروج من اوضاعه الاقتصادية المتأزمة. لكن لحود قال انه يرى ان سليم الحص جيد ويحب ان يتعاون معه، قال الاسد الحص كويس لكن يمكن تأجيل مجيئه الآن لأن المرحلة تحتاج الحريري، وخرج لحود وهو متمسك برأيه ضمناً حتى ان الاسد كلف غازي كنعان ان يرافق لحود الى بيروت ليقنعه بالحريري وينـزع فكرة تكليف الحص بتشكيل الحكومة من رأسه.
وبدأ كنعان بمعالجة اولى عقبات عهد اميل لحود المتمثلة بترجمة كلام الرئيس الاسد حرفياً وعدم اغضاب او احباط اميل لحود مطلع عهده خاصة وان أبا يعرب يعرف ان لحود هو خيار بشار الاسد الفعلي والعملي، وان بشار يلتقي مع لحود في كراهية الحريري.
وكان الدور هذه المرة على نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، وهو احد الخياطين المهرة العاملين في معمل غازي كنعان بإدارة جميل السيد، فأطلق في بداية مرحلة تكليف رفيق الحريري تشكيل الحكومة بدعة الاستشارات النيابية غير الملزمة التي ستسبق التكليف حسب المادة 53 (زعماً) في محاولة لتحرير اميل لحود من الاغلبية النيابية التي ستسمي رفيق الحريري لتشكيل اولى حكومات العهد، ثم اكتملت المسرحية بتوزيع اصوات النواب كأسهم ((سوليدير أ)) وأسهم ((سوليدير ب)) كما وصف الحريري اللائحة التي قرأها لحود امامه باسماء النواب الذين اقترحوا اسمه لتشكيل الحكومة، اذ قرأها لحود بالتقسيط المريح فلم تتجاوز ارقامها الاولى 60 نائباً اضاف اليها نائبي البعث اللذين فوضاه ثم اضاف اليهما نواب كتلة التحرير والتنمية برئاسة نبيه بري الذي فوضه ايضاً فيصبح عدد النواب الذين سموه لتشكيل الحكومة 83 نائباً، فطلب الحريري مهلة للتفكير بقبوله التشكيل. كانت بداية للإعتذار ثم تصريح للحريري مع شبكة ((سي.ان.ان)) الاميركية تحدث فيه عن بدء عهد لحود بخرق الدستور والاساءة للديموقراطية في خطوة اعتبرها اصدقاء للحريري انها متسرعة (اتصل محمد حسنين هيكل بالحريري، بعد مشاهدته حديثه مع الشبكة الاميركية ليقول له: أبو بهاء لقد تسرعت).
وبدأ الإعداد للخطوة الثالثة في خطة إزاحة الحريري وكانت هذه المرة من فعل اللواء غازي كنعان الذي استند الى حوار مع النائب محسن دلول للبحث عن حل فقال أبو نزار ربما يكون الحل في اعادة التكليف، فالتقطها كنعان على انها بإيحاء من الحريري او انها شرطه للعودة عن الإعتذار، ولم يكن هذا قصد دلول، ولم تكن العلاقات جيدة يومها بين الحريري ودلول بل كان الحريري مبعداً والد صهره عن أي دور اساسي في السلطة او في التشاور.
هنا دبّرها غازي كنعان مع جميل السيد، ففي حين استمع الحريري الى نصائح مقربين ومحبين بالتراجع عن الإعتذار وقبول التكليف، كان الثنائي الامني يكتب مع لحود نهاية المسرحية بقبول اعتذار الحريري المتأهب للصعود الى القصر الجمهوري لاعلان قبوله التكليف حاملاً في جيبه صيغة اول حكومة في العهد الجديد، فسمع عبر وسائل الاعلام قبول اعتذاره ليدرك ان كميناً أعد له في ليل لإبعاده فاستسلم له ليبدأ معه عهد الكيدية السياسية كما اسماها احد اصدقاء الحريري من النواب.
وكان من الطبيعي ان يتساءل الرئيس حافظ الاسد عن سر ابتعاد الحريري وتكليف لحود للرئيس سليم الحص بتشكيل الحكومة فاستدعى غازي كنعان ليروي له ان الحريري وضع شروطاً لتشكيل الحكومة بإعادة الاستشارات وفق ما حمله محسن دلول وفي هذا – حسب وصف كنعان – اساءة وعرقلة للحود في مطلع عهده فإنـزعج الاسد الأب من الحريري وبارك تكليف الحص وقطعت الطريق من يومها على أي علاقة مع محسن دلول وأقفلت ابواب القصر الجمهوري في دمشق امام محسن دلول فلم يزره في السنوات الاخيرة من عمر حافظ الاسد كما لم يـزره منذ تسلم بشار الاسد رئاسة الجمهورية، ومع ضمور دور قادة ملف لبنان الشهابي – خدام – دوبا ثم إحالة الاول والثالث الى التقاعد وعزل الثاني عن أي دور ومع عودة اللواء كنعان الى دمشق رئيساً لجهاز الامن السياسي ثم وزيراً للداخلية ومع كراهية لحود لدلول الذي عمل له بكل قوته ليكون رئيساً وجد أبو نـزار نفسه محاصراً متراجعاً وهو يرى ان اولاده خسروا صفقة الخلوي رغم وعود ثبت كذبها من العميد رستم غزالة خليفة كنعان في رئاسة جهاز الامن السوري في لبنان.
وهكذا.. وفي دربه ازاح جميل السيد خصماً اساسياً من خصومه البقاعيين محسن دلول، حتى انه لم يتورع منذ عدة اشهر وتحديداً عام 2004 عن التحدث اليه طالباً منه التنحي عن مقعده الشيعي في البقاع قائلاً له: ((يا أبو نـزار انت كبرت واخذت حصتك بالكامل وقد جاء دوري لآخذ مقعدك النيابي في البقاع الاوسط لأني اريد ترك الاستخبارات والامن العام والتفرغ للعمل السياسي))، فرد عليه محسن دلول بالقول ((يا ابو مالك خلي المعركة رياضية وأهلاً وسهلاً بك الى ميدان المنافسة الرياضية)).
وكان جميل السيد يستند في طموحه الى دعم مباشر وواضح من الرئيس بشار الاسد الذي كان معجباً بشخصية جميل ودوره وكان تعرّف عليه في دمشق وكان يزوره في بيروت ضمن اهتمامات الاسد برفاق دورته الذين درسوا الاركان معه عندما كان يتهيأ للسلطة وكان يلتقيه مع آخرين في الدورة ومنهم جريس لحود ونديم الاسمر وقد استضافوه الى غداء في نادي اليخوت في الكسليك عندما كان عقيداً في الجيش السوري.
1998 - 2000
كانت السنتان الاوليان من عمر عهد لحود وحكومة الرئيس سليم الحص سنتين عجفاوين في حضور الحريري الرسمي، لكنهما شهدتا ازدهاراً في حضوره الشعبي، رافقهما القدر والموت في دعم هذا الحضور بوفاة والدة زوجه السيدة نازك ثم وفاة والده الحاج بهاء الدين، فتحولت التعازي بالرجلين – بفارق عدة اشهر بين وفاة المرحومين – الى استفتاء شعبي حاشد اسس لانتخابات العام 2000 التي جاءت بالحريري على حصان ابيض اين منه حصان لحود تحت وصاية كنعان – السيد.
وكلما كان حضور الحريري يطغى كان حضور لحود – السيد الامني يطغى اكثر، وتتوالى التدابير الكيدية ضد الحريري، بمنع المستقبلين له في مطار بيروت من الاقتراب من طائرته ذهاباً وإياباً ثم في بدء عملية تشهير برجاله واعتقال البعض منهم وهرب البعض الآخر، وبدء التخلي ايضاً من جانب بعض المقربين منه تحت ضغط التهديد والوعيد واغراءات المناصب، وكلها من تدبير جميل السيد وتحت اشراف اميل لحود وبمباركة من غازي كنعان نفسه.
مفتاح لكل الأبواب
وكان جميل السيد مفتاحاً لكل يد تتملكه، من يد اميل لحود ضد رفيق الحريري، الى يد غازي كنعان ضد اميل لحود، وكان خلاف غازي كنعان مع اميل لحود، فرصة كي يجرب كنعان هذا المفتاح خدمة للحريري هذه المرة ضد اميل لحود.
فقد تمرد لحود على كنعان ولم يعد يتصل به كي يخاطب بشار الاسد، بل اعتمد الاتصال المباشر احياناً وكان يكلف رجل الاعمال طه ميقاتي كي يقوم بدور المتصل بالاسد لحل قضية ما للحود مما كان يغيظ كنعان وهو لا يريد اغضاب ميقاتي صديق بشار فكان مستعداً لإغاظة لحود.. وكانت الفرصة مؤاتية في انتخابات 2000 النيابية.
كان الحريري خارج السلطة، وقد اعمى حقد لحود عليه عينيه وبصره وبصيرته حتى لم يعد يرى الا كيف يشنع عليه ويشيع ويفبرك، وكانت الوسيلة الاعلامية (تلفزيون لبنان) هي بابه لهذا السلوك فخدم دون ان يدري الحريري ومده بشعبية كاسحة اوصلته الى اكتساح انتخابات بيروت عام 2000 نكاية بلحود انما دائماً بتدبير من غازي كنعان منتقماً من لحود نفسه.
وأدى غازي كنعان وجميل السيد أدواراً مهمة في ترتيب وضع الحريري في بيروت، من خلال تركيب لوائح بيروت الانتخابية بعد تقسيم العاصمة الى ثلاث دوائر.
قال غازي كنعان لرفيق الحريري: ((أبو بهاء لك كل بيروت فاترك لنا المقعدين الشيعيين الاول لحزب الله والثاني لناصر قنديل))، ولم يجد الحريري مشكلة في طلب كنعان فرضخ له.
وقال غازي كنعان لرئيس الحكومة سليم الحص خصم الحريري الانتخابي في الدائرة الثالثة في بيروت: ((دولة الرئيس خذ ناصر قنديل على لائحتك فرفض الحص التخلي عن حليفه محمد يوسف بيضون فكان ثمن الرفض إسقاط الحص وحليفه والمجيء بناصر قنديل في حملة قادها جميل السيد لفرض قنديل نائباً)).
وتولى كنعان والسيد خداع تمام سلام الذي كان شكّل لائحة لمنافسة الحريري انتخابياً في الدائرة الثانية من خلال إيهامه بأن السلطة وسوريا ستؤيده في هذه الانتخابات ضد الحريري، ليكتشف متأخراً ان الاثنين خدعاه وانهما فرضا حزب الله على لائحة الحريري في دائرته بينما كان سلام يستند الى قوة الحزب الانتخابية الشيعية في دائرة المصيطبة.
وجاء الحريري على حصان ابيض.. نعم لم يكن لجامه كله في يديه، ففي كتلته النيابية وديعة سورية مكونة من اربعة نواب على الاقل هم ناصر قنديل وبشارة مرهج وعدنان عرقجي وباسم يموت فضلاً عن ان غازي العريضي رغم انه حمامة سلام بين الحريري وجنبلاط الا ان جذوره ساعة الحقيقة جنبلاطية مئة بالمئة، اضافة الى الاصل السوري لنبيل دو فريج.
وليردد اميل لحود في مجالسه ان الحريري اشترى جميل السيد بأموال طائلة في هذه الانتخابات دون ان يجرؤ على ذكر اسم غازي كنعان في هذه المنفعة مورداً رقم 15 مليون دولار ثروة جمعها جميل السيد، وكان الاخير يردد انه معتز انه لم يجمع قرشاً واحداً من موقعه الرسمي وان ماله كله جاء من السياسة وهو تقليد بات كثيرون من المتعاطين في العمل السياسي يرددونه أي انهم لم يجمعوا اموالهم من الدولة او استغلال المناصب بل جمعوها من عملهم السياسي استشارات لهذا المتمول أو ذاك سواء سياسياً او غير سياسي، وصفقات في القطاع الخاص وسمسرات هنا وهناك وقسائم نفط عراقية لا شأن للبنان فيها او ((قسمة ضيزى)) اعتمدها النظام المافياوي الامني اللبناني – السوري بين ادواته في لبنان؟!!
ومع هذا،
وعندما شكل الحريري حكومته الاولى عام 2000 في عهد لحود لم يكن مطلق اليدين كالعادة فقد اقصي عنها أي تمثيل سني من كتلته النيابية كما اقصي عنها أي تمثيل مسيحي وفرضت عليه ثقالات سياسية وأخلاقية كان مكلفاً بحملها دون حتى الوعد بتغيير سلوك ونهج وممارسات اميل لحود وجميل السيد ضده، وساد بين الاثنين نهج غسيل القلوب أي ان يفعل اميل لحود ما يريد مقابل ان يسكت الحريري عما يريده لحود، واذا تحدث او تنفس انهالت عليه الأسواط من جميل السيد في الاعلام وفي الامن وفي الاشاعات.
ولم تفد كل الاغراءات التي وفرها الحريري للسيد قبل وبعد وخلال الانتخابات النيابية عام 2000 فجميل السيد لا صاحب له الا جميل السيد.
كان الحريري يستيقظ صباح كل يوم باكراً على خبر او تعليق في صحف الصباح البيروتية فيقرأه سواء نازلاً على درج منـزله الاصلي في قريطم او في بهو منـزله الملحق فيدرك أن غازي كنعان يستهدفه بأمر ما نتيجة ((تقصير)) ما او هفوة او تسريبة او فيلم رتبه جميل السيد.
وكان اسوأ وأكثر ما يؤلم الحريري وهو يعلم ان جميل السيد مكلف من غازي كنعان بإيذائه سياسياً هو مد يده الى الملعب الاساسي لرفيق الحريري وهو الملعب المالي او الاقتصادي.
نعم....
حرّم الثنائي لحود – السيد برعاية غازي كنعان على الحريري الدخول الى ملعب الجيش وملعب مجلس النواب حيث كان نبيه بري (وحزب الله) يتصدى له وأيضاً برعاية سورية، اما ان يقتحموا عليه ملعبه المالي والاقتصادي فكان هذا ضرباً تحت الحزام بالنسبة الى الحريري.
كان الحريري يدرك ان الياس الهراوي سبق ودخل هذا الملعب انما بأسلوب بدائي ومكشوف فكان يتصل بمصرف B.N.P.I لصاحبه هنري تيان ليقلب امواله فيه من ليرة الى دولار اميركي في اشارة الى عدم ثقة رئيس البلاد بالعملة الوطنية ويتكفل جميل السيد بتعميم هذا الاتصال على سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال ومال محليين وعرب وكان الحريري يلتقط الاشارة فيذهب الى الهراوي ليشوف خاطره في هذه المسألة، حتى اذا رفع الهراوي سعره اضطر الحريري للذهاب الى السوري فكان يدفع لحل هذه المسألة مرتين مرة للهراوي ومرة للسوري، وكان هناك من ينصح الحريري بألا يشتبك مع احد حتى لا يدفع دائماً ثمن المصالحة للسوري او لالياس الهراوي.
اما ان يدخل جميل السيد على الخط فكانت هذه اشارة خطرة بالنسبة للحريري بعد ان بلغه ان السيد اقام علاقات واسعة وعميقة مع عدد من اصحاب المصارف اللبنانية ومنهم صاحب ((سوسيتيه جنرال)) موريس صحناوي، بل ان هذه العلاقة تعمقت بين الاثنين الى درجة توزير صحناوي في حكومة عمر كرامي الاخيرة بعد ان وصلت الى الحريري اخبار عن تلاعب صحناوي بالعملة الوطنية لضربها خدمة لمشروع لحود – السيد قبل التمديد القسري لاميل لحود.
وقد سبق للحود والسيد ان حاولا اختراق صفوف المشروع الاقتصادي للحريري من خلال اقتراح لحود تشكيل لجنة مشتركة بين مجموعة الحريري ومجموعة ابتدعها السيد للحود لوضع ومناقشة الحلول المقترحة للمديونية اللبنانية – وكان هذا يعني تجميداً عملياً لكل حركة اقتصادية يقدم عليها الحريري فضلاً عن تسجيل فشل كامل لتوجهاته، وعرقلة أي محاولة جديدة وصولاً الى تعطيل كل محاولات الانقاذ عبر مؤتمر اصدقاء لبنان وباريس 1 وباريس 2 وقد تم التعطيل الكامل ودفع لبنان غالياً هذا الثمن وتم تحميل المسؤولية كالعادة لرفيق الحريري.